مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/25 11:30
رهان الزمن العصيب

رهان الزمن العصيب

 

لمحتُك تضع الكف تحت الخد في لقطة أَضعُفُ معها كثيرًا، كلما ركزتُ أملي في أناس أحسبهم شموعًا موقدة لي لنور جديد ومتجدد، هل لي بسؤالك عن حضرة الحزن عندك ولمَ كلُّ هذا اليأس؟

 

ولو أن لكل واحد فينا فترة كهاته، ولذلك لم أحتَرْ لها كثيرًا، بل أردت التأكد أن السبب واحد، وأن ردة الفعل هي نفسها واحدة.

 

لا لا داعي لأن تخفي عن نفسك حقيقة أنه غير مرغوب في نزاهتك، وغير مُرحَّبٍ بك حتى لدى من أحاطوك بعناية استأمنت فيها كثيرًا من لوعة الحاجة منك أنك تريد حماية ودفئًا إثر عاصفة في العواطف هبت فجأة، ولم تترك لك حالاً تطمح فيها لراحة البال.

 

سعيدة أنا وأن تكسر بيدك أقفالاً أُوصِدَتْ في وجهك في مناسبات عدة، نعم كان يومها يوم عيد، فبدل أن تطرب لوجوه رسمت فرحة في قلبك فوجئت أنك لوحدك تقدم التهنئة تلو الأخرى - ولكن ليس بحلاوة اللسان وتلقائية الروح منك، على العكس تمامًا، فقد كان كل إنسان يبدو لك غريبًا وقاسيَ القلب ومتغطرس العزيمة، يا لهول المشهد! أوَكنت تستحق كل ردود الأفعال هذه على لا شيء، أو بالأحرى ربما على كلمة حق قلتَها بيقين منك أنه لابد من قولها؟

 

لا لا داعي للحزن فكل الوجوه البائسة ستتحول إلى مناقضة نفسها وبنفسها، فقليل من أسباب هذا السلوك راجع لمرض في القلب، والسبب الآخر راجع لحسد متشرد الشظايا هنا وهناك، وبالتالي لا يمكن حصر وتضييق مجاله في مساحة معينة، ثم أنت في مسيرتك رسمتَ لك مخططًا تبتغي منه مرضاة الله فما يهمك فيمن ألقى عليك السلام أو امتنع.

 

دائما روِّحْ على نفسك، ولا تخنق مجال التنفس لديك والأرض واسعة بما حملت، ثم مصيرُك ورزقُك ليس بيد أحد، فلماذا تحسب لك حسابات لمن لا يستحق؟

 

بل عليك أن لا تمنح من تكبَّر عليك أكثر مما لا يستحق؛ حتى لا يَضعَك دون ما تستحق أنت.

 

لا لا ترحل هكذا غضبًا أو تمردًا، ولو أن التمرد يعجبني حينما يكون محمودًا وموقعًا للحدث المغير للكثير من السلوكيات والآراء - فأنا لا أخفي عليك أنه لا شيء يثير أعصابي بقدر حماقة تلتف هنا وهناك لتفسد عليَّ متعة الاستمتاع بما يملكه غيري من صفات شدَتْ في الإعجاب لتتدخل بفيض التهور منها، فتجعلني ألغي كل إعجاب وكلَّ تمنٍّ أن يدوم مشوار الصداقة أو الأُخوَّة، فالحماقة تجعلك أصغر بكثير مما كنت فيه من كبر في خاطرك ونضج في عقلك، وبالمرة أقول: إنه على المرء أن لا يتهافت على الأحمق فيُتَّهمُ في مروءته، لذلك ألغيتُ كلَّ صفقات الإعجاب لكل ما يدعم إبداعي؛ لأكتفي بإبداع المجال الذي صنعته لنفسي - ولو كان ميسور الحال - فلا يهمُّ لأني أركِّزُ على رهان هذا الزمن الصعب، وهو أن أبدو أكثرَ تماسكًا وثباتًا؛ لذلك تعلمت من تجربتك أن أتفادى الأحمق وفوضى التعنُّتِ فيه على قدر المستطاع لأترك له المجال فتضيع عنه فرص النجاح والسرور.

 

فضلاً! الآن أكْمِلْ لي حكايتَك من رهانك في هذا الزمن العصيب، وهل لك فيه أقوال وشهادات وحتى نصائح تقدمها لمن نزلوا الميدان ليواجهوا الصعب ويتذوقوا حلاوة التحدي برطب التفوق والنجاح؟

 

عقبت تباعًا على كلامي، حينما قلت: إن "لكل داء دواء يستطَبُّ به إلا الحماقة أعيتْ من يداويها"، مثل ما قال المتنبي، فعرَّجْتُ في استماعي لشيء آخرَ منك؛ لأني بسرعة أملّ من مواضيع تأخذ من تفكيري كثيرًا، ولست على أتم الاستعداد حاليًّا بعد زمن الأمس أن أفكر فيمن يفهم كلامي وإشارتي.

 

صدقًا وفرْتَ عني كلامًا كثيرًا، وأوجزتَ بالنيابة عني مقصدًا أردتُ إيصالَه لأهل الغرور وهو: أن يلتفتوا قليلاً إلى أنفسهم، فلا يضيِّعوها بقدر ما هي ضائعة مع خطوب العصر، ثم أُشجِّعُ فيكَ جرأتَكَ في إيقاظ الشعور والهمم لدى أصحاب الغفلة، لستَ تخشى لومةَ لائمٍ؛ لأن كل الناس نِيام ما عدا من آلمه مصير غيره بصدق الإحساس، حينما يُبتلَى المرء بابتلاء يشتِّتُ فيه قوته، لكنه ينتصر بالصبر والعودة إلى الله مع كل محنة، وبهذا أكون قد استوعبتُ حكمةً عنكَ وهي: أن رهانات العصر العصيب تتطلب منك لامبالاة حقيقيةً بكل ما تتضمنه كلمة حقيقية، من لا مجال لتضييع الوقت، أو لمحاولةِ فهم الحَمْقَى، فهم أصلا خارج مجال الإعراب من السلوك القويم، ولو أننا نتمنى أن لا تَكثُر هذه الصفة في زمن تكالبت فيه فتن كشرارة النار تحرق هذا في استقراره، وتُزعِجُ هذا في هناء إيمانه، نسأل الله العفو والعافية.

 

دمتَ حكيمًا على مدار تجاربك، فقط راسلني لأستمدَّ منها نفَسًا جديدًا لإبداع العصر العصيب؛ لأني سأكون بحاجة إلى كثيرٍ من الكلمات الهادئة والمواسية لألم الحيارى، فأقل ما أهديهم إياه كلمةٌ طيبة نابعة من القلب لتصل إلى القلب مباشرة، ولا تكتفي أن تستقر في جوار طبلة الأذن، فما أحوجنا لمن يداوي فينا آلام العشوائية في الاستقرار على السلوك والحفاظ على عهد الوفاء وصيانة الحقوق والكرامات الآدمية، التي أصبحتُ أرى فيها خُروقات كثيرة ومن غير رادع، أو توقف لمحاسبة النفس، أو منح فرصة لطلب السماح والعفو، ربما هي حركية الزمن السريع وأنا لم أدرِ بعدُ، أن كلاًّ في سرعة من أمره، في كلامه، في نومه، في حديثه مع الناس، لكن ماذا بعد هذه السرعة؟

 

أوَليست آيلةً لفرملة سريعة هي الأخرى بأي طارئ من الطوارئ، ربما بحادث أو موت أو انتقال من حال لحال؛ لذلك لا داعيَ للتهوُّر ومسابقة الزمن في غير أحقيَّة، لهذا التنافس والاكتفاء بذكر الله بكرة وأصيلاً، وتذكّر الموت الذي قد يأتينا على حين غفلة، ونحن لاهون في متاع الدنيا التي أخذتنا إلى غير مأخذنا.

 

وأحلى ما يمكن أن نقوم به في هذا الزمن كرهان لكسب الثواب هو أن نقوم بواجبنا وعملنا وفرائضنا ومن حولنا فوضى الزمن العصيب، ولكن لا نسمع ولا نرى لننجوَ بأقل جهد من راحة أعصابنا، وبأقل خسارة في تَعدادِ من سيخاصموننا؛ لأننا قوم نحب الجِدَّ والصرامة، ونمقتُ اللَّغْوَ بغير فائدة، هو رهانٌ صعب لكن ستكون لنا فرصة للتحدي والسير على خطى السلف، فيصبح المحافظ على دينه كالماسك على جمر!

 



مقالات اخرى
أضافة تعليق