مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/05/09 11:31
اللغة العربية و اضطراب حركية التغيير اللغوي

اللغة العربية و اضطراب حركية التغيير اللغوي

أ. سميرة بيطام


لعقود من الزمن توالت محاولات المستشرقين و بعض المفكرين الذين لا يحبون اللغة العربية حبا من شانه أن يبعث في فكرهم إنصافا لها و اعترافا و إقرارا بأنها لغة القران و من غير منافس في حقيقة الواقع المعاش ، لكنها العدائية من  ظهرت بشكل جلي وواضح في عصر العولمة و التي فتحت المجال للمنافسة فيما بين اللغات خاصة بعد ظهور التقنية الحديثة و الموسومة بالسرعة  و الديناميكية في التواصل و التعامل بين الأشخاص و المؤسسات المعنوية و التي أخذت لها طابعا مميزا للظهور و التميز بريادة عالمية روجت لها اللغة الانجليزية كلغة  مهيمنة على اللسان الأوروبي و العربي كذلك بل و العالمي ككل.
و معروف لدى العامة و الخاصة من الناس أن اللغة العربية و عبر تاريخها القديم كانت تعاني من محاولة التهميش  لإزاحتها من قواميس اللغات بسبب ما تميزت به من جمال لغوي و ارث نحوي و صرفي و منهج بلاغي فريد اكسب الناطقين بها تمرنا في استعمالها على نحو من الإتقان في النطق و الشكل ، ناهيك عن ترتيب أبيات القصائد و الشعر و النثر بحروفها الراقية فازدادت بهاءا و جمالا، و هذا ما زاد في محاولات إضعافها و تشويه تلك الصورة الجمالية التي انفردت بها.
ففي عصور خلت واجهت اللغة العربية صعوبات و عراقيل منذ الجاهلية إلى يومنا هذا ، و بذلت جهود كبيرة لمواجهة و تخطي هذه العراقيل من طرف محبيها و المدافعين عنها ، بدءا من القرن الثاني الهجري أين انكفأ علمائها بوضع المعاجم لضبط اللغة و تدوينها، وصولا إلى العصر العباسي حيث  تعرضت فيه اللغة العربية إلى أزمة كبيرة بعد سقوط الخلافة العباسية و دخول هولاكو بغداد و قام  برمي الكتب في نهر دجلة ، و هي نفسها المحنة التي مرت بها غرناطة أين أحرقت الكتب و كذا أهم المخطوطات العربية  ، و من هنا بدأت محاولات تهميش اللغة العربية بل محاولة إخماد صداها .

و توالت الأزمات على اللغة العربية مع الاستعمار الذي احتل الدول و أبى إلا أن يترك أذنابه ليخدموا لغته بعد خروجه من البلدان المحتلة و هذا ما حدث في دول المغربي العربي ( الجزائر و تونس و المغرب) ، حيث بذلت فرنسا جهودا كبيرة لتخلد لغتها الفرنسية للناطقين بها و لغير الناطقين و الذين نهجوا نسقا في التعلم فضاعوا بين التمسك بلغتهم الأم و بين النطق بلغة المستعمر ، و ما زاد من حدة الأزمة هو التكلم باللغة العامية بدل الفصحى ، و هي في مجملها دعوات نادى بها المستشرق الألماني سبيته و الذي ينسب له مؤلفه في الأقوال و الأمثال المصرية باللغة اللاتينية كمقدمة لتشويه صورة اللغة العربية.
أما في عصر العولمة فقد ظهرت خطط صناعة العالم الافتراضي و الذي قوامته اقتصاد يسير وفق المنظومة الأمريكية بدءا بغزو العراق ووصولا إلى التدخل في أنظمة الدول العربية تحت لواء ما يسمى الربيع العربي ليتم التغلغل في المناهج التعليمية مثلما حدث في سلطنة عمان ، فالجامعات فيها تدرس باللغة الانجليزية، و توالت محاولات الإطاحة باللغة العربية و تنوعت الأساليب ، إلا أن اللغة العربية ظلت تواجه هذه الصعوبات ليومنا هذا. 
و بهذا السرد المرتب نستخلص كثرة الأخطار المحدقة للغة العربية ما يجعلها تتخبط بين ثبات النطق بها  بشكل صحيح من النحو و الصرف و بين الترنح بسبب منافسة اللغات الأخرى لها و في مقدمتهم اللغة الانجليزية بسبب الهيمنة الأمريكية كقوة عظمى تسيطر على العامل و اللغة الصينية بسبب انتشار الجنس الأصفر و كذا الاستثمار في اليد العاملة الصينية عبر مختلف نقاط العالم.
و عليه فان اللغة العربية في هذا العصر باتت  تعيش اضطرابا لغويا وسط كثرة اللغات الهجينة و بسبب مناداة بعض المناهج بضرورة تفعيل اللغات الأخرى كالأمازيغية في الشمال الإفريقي و لو أن الدساتير تنص في مضمونها صراحة ان اللغة الرسمية هي اللغة العربية مثل ما هو موجود في النموذج الدستوري الجزائري.
و من هذا الاضطراب اللغوي  تكون الحاجة إلى دعم  الجمعيات و الهيئات الفاعلة و المدافعة عن اللغة العربية حتى تحافظ على وجودها و مكانتها وسط اللغات الأخرى ليستخلص المنهج المتبع في تعزيز السياسة اللغوية على الصعيد القومي العربي و كذا الإسلامي العالمي حتى تضمن استقرارا أكبر في النطق بها و تداولا أوسع لمحبيها و الراغبين في تعلمها لغير الناطقين بها ، خاصة أن القرآن الكريم هو الضمانة الأكيدة لهذا الانتشار عبر مختلف نقاط المعمورة نظرا لدخول غير المسلمين في الإسلام و حبهم في التعرف على هذا الدين و تعلم قراءة القرآن باللغة العربية ، و هي حظوة عظيمة خص بها الله تعالى اللغة العربية لتكون لغة آخر كتبه السماوية .
هذا من جهة و من جهة أخرى  لا بد من تفعيل آليات المحافظة على اللغة العربية  و حمايتها من محاولات التهميش  كمسايرة القوانين للمناهج التربوية و حمايتها من أساليب التغيير الخارجية ووضع الإطار القانوني المحافظ عليها و بأسسها السليمة سواء في النطق أو في الكتابة ، و كذا الاستعداد لتقبل الآراء المعارضة و مناقشتها بهدوء تام و سعة صدر لتجنيب اللغة العربية مضاربات التضعيف و التي من شانها أن تعصف بالجانب المشرق منها و هو التكلم بها .
و لعل هناك الكثير من الكتب و المؤلفات التي تحاول تأكيد أحقية ريادة اللغة العربية و قدرتها على التماشي وفق متطلبات العصر ، ففيها الزخم الكبير من العبارات و القواعد التي لا تزال حية مع استمرار الحياة ،و هو عامل قوي من شأنه أن يحافظ على اللغة العربية من الاضطرابات اللغوية التي باتت تهددها  في عقر دارها و على ألسنة أبنائها .

 

مقالات اخرى
أضافة تعليق