مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/08/26 19:16
شقاوة ملتزمة

شقاوة ملتزمة

 

حين تنهكني مجاذيب الليالي في أنه لا بد أن أصحو باكرًا لأتحدث في اليوم المُوالي عن رزنامة عمل منوع، وبلغات شتى، وحين أنطلق في اليوم مع الإقبال على الحياة بكل أضدادها من ملامح الوجوه، واختلاف الطباع، وتنوع الأداء، وحينما ينهكني التفكير في الخلاص من كل ما هو مقيِّد للنشاط والجمال والإحسان، أشعر لِتَوِّي بتعب في روحي، وليس في جسدي، فتعب الروح أشق؛ لأن التحليل والبحث عن الصحيح والنافع، دائمًا يمتص الكثير من القوى، أَصِلُ إلى قناعة واحدة: أنه لا بد لي من أداء فوري للشقاوة في لقطة جميلة المشهد، هو تجديد مني لهواءٍ أَتَنفَّسه؛ لإقبالي على نسق روتيني مُمِل، لست اللحظة في طرحي لفكرة الشقاوة أطلب مسايرة من أحد؛ لأني على ثقة أن الكل سيتبع خطواتي في مجال التجديد، والتنفيس عن الروح، والجسد، والعقل، أَوَليس الكل يَمَل، ولا بد من تغيير؟ فحتى الإيمان يبلى مثلما يبلى الثوب، ولا بد من تجديده وتحسينه إلى مرتبة أرفع، هي مطالب في الحياة، أودعها الله فينا كبشر نتقوى ونضعف، نهتدي ونضل، نفهم ونسيء الفهم، فبين التوفيق والإخفاق مسافة استدراك وتجديد ليس إلاَّ.

 

هكذا نحن البشر، هي طبيعة أودعها الخالق فينا من تنوع في المزاج، فمرة حزن، ومرة ضحك، ومرة قلق، ومرة هدوء، وعلينا أن نختار ما يناسب التزامنا ومبادئنا؛ لذلك سَنُفَضِّل من الضحك ما كان من نوع الافترار، وهو الحسن والمستحب؛ حتى لا نخرج عن قاعدة: ما زاد عن الحد انقلب إلى الضد، ثم نحن ننتمي إلى أمةٍ، رباها الإسلام على ميزان الأمور الوسطية، حتى في المزاح والضحك، وأظن أن الكون كله مرادفات للأمور، ونحن في تماوج مع ما أبدعه الخالق في هذا العالم الفسيح، والواسع، والمتنوع التقاليد.

 

صِدْقًا، تعبنا من رحلاتنا كل يوم مع الأخبار المزعجة، والموترة؛ من حروب، وموت، وانفجارات، ومحاكمات، تبثها لنا وسائل التكنولوجيا الإعلامية، يا ألله! وكأن الدنيا قامت بما فيها، ونسينا أن نسرق لأنفسنا - رحمةً بها - لحظاتٍ من سعادة؛ لأن هناك مجالات جميلة، وهناك صور أكثر روعة، هناك أناس يرسمون البسمة الساحرة على وجوههم بكل تلقائية، لا لشيء سوى أنهم أدركوا أن في هذه الابتسامة صَدَقة، وهناك أيضًا لوحات فنية في الطبيعة الساحرة، ولو أني أُفَضِّل أن تمتزج الشقاوة مع كل ما سبق من جمال، صدقًا، نحن بحاجة إلى الترفيه عن أنفسنا حتى نستمر في الحياة، والتي أراها كثيرة الضغوطات والالتزامات.

 

لَكَمْ تمنيت أن أستظل تحت شراع الأمل! لَكَمْ حَلَمتُ أن أسعد بزخات المطر في كل الفصول! لَكَم أحببت شقاوة الالتزام في أوقات أن شعرت أني بحاجة فعلاً إلى تلك الشقاوة! وليس لي حاجة إلى غيرها؛ فلقد جربت كل فنون العيش؛ من مصاحبة للقلم على طول لحن الإبداع، ومن ملازمة لصرامة العمل بِجِدٍّ، دونما مَضْيَعَةٍ للوقت، وَلَكَم جالست مراتب شتى من العقول في الفكر والنقد على السواء!

 

لكني أيقنت أنه لا بد لي أن أضفي لحظات شقاوة على سلوكي، وليس لأكثر من اللازم؛ حتى لا أتعود الركون للراحة، فيضيع البناء، ويضيع النقد الإيجابي لتحسين الأخطاء وسط كوم الاستغراق في فضفضة شقاوة الدنيا، والتي هي في الأخير زائلة، ولن تكون إلا مطية، إما لفلاَح، وإما لهلاك، لنيل مراتب الجنة، أو النار.

 

صحيح، هناك أناس يتمتعون بطبع الشقاوة أصلاً في سلوكهم، وهناك أناس يلجؤون لهذا السلوك على فترات، وشتَّان بين الطبع ومن ينوي التطبع، لكن ما يهم هو أن نمنح أنفسنا حقًّا في الترويح عن متاعب اليوم والليلة، بإرهاصات باتت لنا مخاوف أكثر من آمال، وسط التغير الذي يحدث في العالم اليوم، نتطلع بأعين فيها الكثير من الحزن؛ مما يؤلمنا في صمت، ولكن لا نقدر على إتيان لقطةِ بُطولةٍ واحدة لتغيير شيء، ما أثار فينا أنفة إلى ما يحدث اليوم من تحولات جرت معها الكثير من الأنفس، وحُصِدت على سطح أرضها الكثير من الحقوق، لست أبغي نسيانًا للمشهد، ولكني أبغي مخرجًا، ولو ضَيِّقًا، لتعب وحزنٍ ألَمَّ بي منذ سنوات عديدة؛ لأني حقًّا أريده سلامًا عند كل المسلمين، ويا ليته يتحقق! ساعتها سأكف عن الشقاوة، ولو بالتزام؛ لأنه سيكون هناك التزام أكثر من مهم، وأخشى ألا يكون لي الوقت الكافي لمجرد مزاح خفيف.




مقالات اخرى
أضافة تعليق