مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الخطابة من فنون الإلقاء
الخطابة فنٌ من أهم فنون التأثير في الجماهير، ولها دورها المعروف في كل زمانٍ ومكانٍ في طرح المبادئ والأفكار وإقناع المستمعين بها، مع ما تحققه من الإِمتاع وإِثارة الإِحساس بجمال الكلمة، وعُمْق معناها، وصدى إيقاعها الجميل. وما دامت الخطابة بهذه الصورة المشرقة، وفي هذا المستوى من الأهمية، وعلى هذا القدر من القيمة، فإنها جديرة بأنْ تنالَ ما يلائمها من الاهتمام، والتطوير في الأداء، والحرص على التدريب الشخصي وغير الشخصي.

الخطابة فنٌ مهم من فنون (الإلقاء) والإلقاء مثلَّثٌ ذهبي يتكوَّن من أضلاع ثلاثة مهمة (إعداد الكلمة، ونبرات الصوت، ولغة الجسد)، والخطابة هي أحوج فنون الإلقاءِ إلى اكتمال رسم هذا المثلث بعناية ودقةٍ واقتدار. فلا بد من إعدادٍ ممتاز للكلمة التي سيلقيها الخطيب حتى لو كان مرتجِلاً، وهذا الإعداد يتضمن حسن اختيار الفكرة، ودقة اختيار الكلمة المناسبة للموقف والمستمعين، وجودة الصياغة وسلامة الأسلوب، والقدرة على توظيف القصة الملائمة، والطُّرفَة والشاهد المؤيِّد للفكرة من آيات القرآن، وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، والشواهد الأخرى من الحكم والأمثال والأبيات الشعرية المناسبة.

أما نبرات الصوت فهي ضلع مهمٌّ جداً من أضلاع مثلَّث الإلقاء المتميِّز، والخطبة الناجحة، لها تأثير كبير في الإقناع، وإزاحة أشباح الملل عن نفوس المستمعين، والحاجة إلى استخدام هذه الطاقة الصوتية مهم جداً بتلوينها حسب المقام قوَّةً وضعفاً ورقةً وتفخيماً، ورفعاً وخفضاً، وبإعطاء المعنى حقَّه من لون نبرة الصوت، فالاستفهام له نبرته، والتعجب له نبرته، والأمر والنهي لكلِّ منهما نبرة تناسبه، وسرد الخبر له نبرة، وسرد القصة له نبرة، وهكذا تصبح الخطبة ملوَّنة النبرات بصورة واضحة لا مبالغة فيها ولا شطط، وقد حظيت نبرات الصوت بالنصيب الأوفر في القدرة على التأثير في الجماهير في عددٍ من الدراسات التي أُجريت في العالم.

أما لغة الجسد (الوجه، واليدين، والوقوف، والجلوس) فهي الحصان الرَّابح في ميدان الإلقاء والتأثير، وهي الضلع الأهم في مثلَّث الإلقاء المتميِّز، ولها طُرُقٌ متعارف عليها في الاستخدام تحتاج إلى قدرٍ من التدريب حتى يُصبح استخدامها مناسباً للمقام وللمعنى بعيداً عن المبالغة. وأقول: لو كان لأحد أن يستغني عن الإشارة في الإلقاء ببلاغته وبيانه لاستغنى عنها سيِّد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلَّم. من هنا كان لا بد للخطباء، وخطباء المساجد بصفةٍ خاصة من أن يعتنوا بهذا الجانب عناية خاصة، وأنْ يهتموا بالتدريب اهتماماً خاصاً، وأنْ يراجعوا ما ورد في السنَّة الصحيحة من وصف للغة الإشارة التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وخطبه ففيها ما يغني ويكفي، خاصةً أن خطيب الجمعة يُراعي مجموعة من الآداب الشرعية التي تختصُّ بها خطبة الجمعة عن غيرها لأن المقام فيها مقام عبادة لها آدابها. أما الوتيرة الواحدة في نبرة الصوت فأنا أسميِّها (مسدَّس التضايُق الصامت) وأرى أن أجواء الخطبة مع الخطيب الذي يلوِّن نبرات الصوت تصبح أجواءَ مَلَلٍ تثقل كاهل المستمعين، وبعض الخطباء يظنُّ رفع الصوت هو الطريقة الصحيحة للتأثير، وهذا غير صحيح فلربما كان رفع الصوت المستمر سبباً من أسباب التنفير وإزعاج المستمع، ولربما كان التأثير والإقناع بنبرة صوت منخفضة أقوى من النبرة المرتفعة في أحيان كثيرة.
مقالات اخرى
أضافة تعليق