مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2018/04/20 12:10
قراءة في قصائد جهاد الكريمي للناقد أ. عبده الزراعي

قراءة في شاعرية الشاعر أ/جهاد الكريمي.. الأديب الناقد أ/ عبده عبود الزراعي- اليمن
ــــــــــ ــــــــــ ـــــــــــ 
التجربة واللغة.. الشاعر الشاب / جهاد الكريمي ثورة شعر، وميلاد قصيدة، ومعراج أصالة، يقطع سنين الضوء مجدفاً نحو سماء الجمال والرقي. لحرفه وقع في النفوس، لا يمله السامع ولا يحيد عنه المطالع. بركان من العواطف تلحظه جلياً من خلال نصوصه المنشورة هنا وهناك، وهو على رغم حداثة سنّه إلا أن شعره ممتلئ حكماً وأمثالاً تصلح أنً يسير بها الركبان، فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من الحكمة، وهذه تحسب لشاعرنا الشاب الحكيم
وقد أخذت طرفاً من بعض قصائده، معلقاً عليها ومنها ما أضعه بين أيدي القراء : من نص : *زفرةُ الحرمان*
يقضُّ الأسى دربي ويغشى مواقعي
وتسطو على ليلي غضابُ الزوابع
ويصحبني الحرمانُ شرقاً ومغرباً 
إلى أن غدا الحرمان نجمي وطالعي
أسيرُ وقلبي ذابلٌ روحة الضّحى 
وبالّليل يكويني العنا في مضاجعي
وما قُمتُ إلا نام أُنسي وسلوتي
وما نمتُ إلا واستفاقت مواجعي                     
            **** 

قرأتُ بكفّ الدّهر حظّي مُشرّفاً  
فخادعني كفُّ المدى بالذّرائع  
أراني إماماً راسخ العلم ذا غنىً 
وأدركتُ تجهيلا،.ً لفقري وواقعي  
وحُلمي الذي ربّيتُهُ صار شيبةً 
وشاخت طُمُوحاتي، وماتت دوافعي 
بأرضٍ إذا مجداً بنى الفذُّ وارتقى 
تُحطّمُهُ ضرباً بأعتى المقامع 
وتُعلي وضيع القدر إذ حظّهُ الغنى 
وتُخفضُ أقدار النّجوم اللوامع                      
                    *** 

رأيتُ الرّزايا تصطفي كلّ ماجدٍ 
وسيف الرّدى يهوى كرام المنابع
فيارب اغن عفتي صن كرامتي 
وإلا أمتني شامخا في صوامعي   

                  ***

عنوان النص العيني الذي بين أيدينا عنوان بلا منازع مأخوذ من قلب النص..يتكون من مضاف ومضاف إليه..وهوعبارة عن خبر لمبتدإ محذوف يقدر باسم إشارة..فالزفير أول التنفس اسم معجمي، بينما الحرمان مضاف إليه.. ومن خلال العنوان الذي اعتبره النقاد الحداثيون مهماً ومدخلا  إلى أغوار النص ومشيرا إليه، فالشاعر بحكم سبكه النص ولغته الرصينة متمسك في كثير من معجمه اللفظي بالألفاظ القوية التي قد تضطرالقارئ إلى البحث المعجمي عن معانيها لقلة استخدامها في القصيدة المعاصرة لاسيما من يقرؤون  شعرالبردوني وكذلك من.يقرأ  لشعراء العمود الجديد وهم كثر، وكذلك من يقرأ لشعراء التفعيلة وشعراء النثرالتجريدي الذين تشبعوا بالثقافة العصرية إضافة إلى توليداتهم المعجمية ببعض الألفاظ واحتياجاتهم للصورالشعرية، ساعدهم في ذلك ما قرأوه في كتب النقد المعاصر والحديث.. انا لا أعيب على الشاعر الشاب جهاد الكريمي عتبة النص وجزالة التركيب اللغوي لهرمونية النص العينيي الذي نطالعه من خلال التراكيب والألفاظ لكن أود أن أنبه إلى شعرية أولئك الشباب العموديين الذين أستفادوا من عمودية البردوني واشتقاقاته المعجمية وتطور قصيدة العمود وممارستها بشكل حداثي الصورة و مكثف الدلالة..لتواكب قصيدة النثرالتي عاب الكثير من النقاد التمسك بها وسماها الأستاذ المقالح بالزواج الكاثوليكي..موجها النقد ذاته إلى البردوني..وذلك في كتابه (الأبعادالموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن) في أوائل سبعينيات القرن المنصرم
أعود الى النص حاملا لغة وصورا واحساسا مأساويا وتجربة شعرية وشعورية، فأسى ودروب ومواقع كناية عن ملاحقاته من هذه الزفرات التي جثمت على قلب الشاعر..ووقفت حجر عثرة في طريق أحلامه وسدت السبل الموصلة إلى طريق نجاحه ثم مصاحبة ومسايرة الخطوات في كل خطوة يخطوها، حتى أصبح اليأس هوالحظ والبرج اللذين يشكلان تعاضدا مع القدر.. لقد غدا اليأس يترصد الشاعر حتى صار حظه من الحياة وسعادته من الدنيا..وكأني بالشاعريسير في منهجه الشعري على منهج الأقدمين ويقتفي من ثقافاتهم الحظ ،ويركن كل تعثراته في الحياة على الحظ والبرج ثم القدرالحتمي...وكل خطوة يخطوها كانت تقابل قدرا من مقدوراته..وتارة يعيداللوم والألم إلى الحظ وذلك من خلال الألفاظ  والإستعارات والكنى الموحية بذلك .. ثم يضيف : أراني راسخ العلم..وأدركت تجهيلا.. فالشاعر اتبع كما أسلفت منهج الشعراءالاقدمين.. في إحياء بعض الألفاظ المعجمية مثل :(صروف الدهر.اخلوقت. بين..قرأت.. بكف الدهر..حظي..تخطفه ..الرزايا....سيف الردى..شكوت البلايا ..بغيض..صوامعي..) 
يخيم الحزن والتشاؤم على شعرية الكريمي في هذا النص الزافر بالحسرة..وشكوى تتكرر في أول النص وفي آخره..ثم يختمها بمناداة الرب ومناجاته بأفعال الأمر البلاغية التي يظهر فيها ضعفه أمام الخالق..بالغنى والعفة والكرامة..وإلا فالموت شامخا بعفتي وصون كرامتي وانتشارها بديني وكنى بالصوامع، وهذا أسلوب عربي قديم في قصائد الشعراء الأوائل.. 
وفي قصيدة " ليل وأشجان " لا يختلف الشاعر في بناء هذا  النص بناء لغويا من حيث السبك وجزالة اللفظ .والفكرة .فهو يشكو طول المساء وتماديه وإظلام كواكبه..وسطو مخالبه على فجره وهذه استعارة جميلة حيث حذف المشبه وأبقى شيئا من لوازمه..لكنه لم يخرج بنا إلى عالم التواصل والأحلام في بائيته هذه المخرجة الروي على الهاءالساكنة، رغم جمالها وطول بحرها العروضي..الا أنه يسير بنا في نفس السياق الذي سارت عليه تجربته في نص زفرات
وهذه بعض الابيات من نص اشجان كدليل على السياق الدلالي واللغة الشعرية الجزلة لدى شاعرنا الكريمي :
تمادى مسائي واكفهرّت كواكبُهْ 
وتسطو على فجري المُرجّى مخالبُهْ 
بنيّاتهُ شاخت وآفاقهُ انزوتْ 
وأفكارهُ شوهى ،وراجيْهِ خائبُه 
وجاوزتُ في العقدين والنصف رحلتي 
وصرت ككهلٍ " كان " تُحكى مناقبه 
قد اسودّ شطر العمر والشطر عاثرٌ 
وقد لجّ في وحل المنايا مُجانبُه 
وما كل ما يجري به البحر لؤلؤاً 
ففي قعره درٌّ..وتطفو شوائبُه 

*من خلال الدلالات في نص (ليل وأشجان) ومن خلال العتبة النصية نجدها أكثر جدة من نص زفرات..وكلا النصين بالرغم من اختلاف وتنوع ألفاظهما إلا أن الذات الشعرية عندالكريمي تظل مشحونة بعاطفة القهر الذاتي ..تكادعاطفة السعادة والحب والجمال وأضواء الشوارع التي فقدتها صنعاء في سنوات الحرب والجدب والفاقة تنعدم في هذين النصين ..الا أننا لا نشم رائحة الحرب وجراحات عمران وصنعاء كحالة وطنية جمعية ..فالشاعر وقف عند وصف أحلامه المكظومة بالقهر وليله المكفهر، وحياته التي قضى منها عقدين وأكثر من نصف العقد الثالث لم يلاق من المجتمع سوى الخسة والنذالة حيث قال
خبرت الورى، في خسة يلهث الورى 
عدا فيلق في القوم تسمو مآربه 

وهو شاب وشاعر جميل ..يعيش ضمن المجتمع اليمني المتنوع في أساليب عيشه وطرق حياته..لكنه لا يختلف عن بعضه من الناحية الاجتماعية من حيث الظلم أحيانا . والكرم أصالة قد يغيب عن بعض التكوينات الديموغرافية سيكلوجيا، لمجمتع ما.. 

وكأن الشاعر يذكرنا بقول طرفة البكري
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة 
على النفس من وقع الحسام المهند.. 
لكن الكريمي لم ينقد مجتمعه أو أقاربه أو تكوينه الديمغرافي في عمران أوفي صنعاء..فهويتحدث بمنطلق عام ورؤية شعرية وتجربة عاشها خلال السبع والعشرين سنة..
وأعتقد إن هذه السنوات لا تكفي لرصد التجارب الحياتية واستقراء العادات والتقاليد والثقافات والأعراف لمجتمع أو شعب يتفق أهله في كثير من عاداتهم وثقافاتهم. ولايختلفون في كثير من تلك..وليس بدعا أن يصيغ الشاعرحكماً وأمثالا في شعره، فالحنكة والسبك وصوغ الامثال والحكم مرده إلى بديهته وحسه الشعوري المرهف ..وهذه سمة من سمات شعرية جهاد الكريمي. كقوله
وماكل ما يجري به البحرلؤلؤا 
ففي قعره در وتطفو شوائبه 
ففي مثل هذه الإشارة خبرة الشاعر عما يحمل موج البحر، وهي كناية ومثل وحكمة لأنه ليس كل ذي جاه ومال وسلطة  غيثا وعطاء للآخرين..فقد يرى منه عكس ما يخفيه، وهذه تحسب للشاعركتجربة استنبطها الشاعر من خلال تجاربه الحياتية القصيرة..

ومن شجن الليل إلى قصيدة "وجبة الهوى " التي خلد الشاعر فيها مأساته وألصقها بمأساة وطن يدعى بوطن الإيمان والبلد السعيد..صار وطنا جائعا يجوع فيه الأعزاء ويشبع ويرتقي فيه الأنذال..وهو نص يحاكي الحبيبة اليمن التي أصبحت مقبرة الإبداع والمبدعين.. ويناجي الحبيبة. الذات/ والأنثى..لكن الشاعر لم يشر إلى السبب الذي أوصل المجتمع اليمني إلى هذا الوضع الغير انساني ..لقداكتفى بذكر الأوباش من عامة الناس الذين وصلوا إلى مراتب الرفعة والحكم 
ومات النّدى في كفّه الخبزُ جائعاً  
وماتت نسانيسُ الرّياض العوابق 
بمقبرةٍ تُدعى بلاداً سعيدةً 
وكم يخدع العُشّاق وصفُ المناطق 
بها يُدفنُ الإبداع حيّاً فؤادهُ 
ليرقى شرار الخلق أعلى الطوابق 
ولو كنت في أرض سوى بلدة الشقا 
لكنت أمير القوم رأس الفيالق 

في هذا النص القافي يثير الشاعر مواجع القارئ بسنوات الجدب والحرب ..ويستثير الذات الجمعية ويأسى من مأساتها حيث يموت الندى وفي كفه الخبز .وتجوع الانفس الكبيرة التي لا تمد أيديها إلى الآخر..وهذه حالة شبه عامة اشترك فيها أبناء الوطن اليمتي في الجدب والحرب والكفاح والجوع ..لكن الشاعر لا يفصح عن الذات الجمعية. فقد كان متحفظا من غرق السياسة..بل يقسم الناس إلى قسمين: قسم يعيش حياة راضية وسعيدة وهم أراذل الشعب.،.بينما يجوع اكارم الشعب وأجواده .
فالشاعر يرى نفسه من تلك الطبقة الشريفة الكريمة، فلو كان في بلدة غير هذه التي يعيش فيها لكان اميرا وقائدا يقود الجيوش والفيالق..

ومن نص وجبة الهوى إلى نص : "بين الطالب وزوجته " يهديه الشاعر إلى زوجته أم لؤي
قالت :تجاوزت حد الهجر يا جافي 
ذبحت قلبي على شط الهوى الصافي  
تنير دربك بين الكُتْبِ تقرأها 
وتترك الخل في ليل ِالنوى طافي
تديم فكرك في شتى الفنون هوىً
ولا تفكر في حسني وأوصافي 

*هنا خطاب عاطفي عتابي شجي..وقد مسرحه الشاعر بينه وبين زوجته..والبداية على لسانها.. لقد تجافيت ونسيت وهجرت من أعطتك قلبها وحبها وجسدها ..وتجاوزت حدك في الهجر والتناسي، بين الكتب تسرح وتمرح، وجعلت هواياتك ورغباتك وأنسك في تلك الكتب التي تأوي إليها وتأتي بها ولا تذكرحبيبتك وزوجتك...ويشد انتباهه  هذا الخطاب العاطفي الوجداني، فيجيبها قائلا
فقلت والحب سكرانٌ على شفتي 
يا أصدق الناس في لومي وإنصافي 
وهبْتُك العُمر والحبّ الجزيل معاً 
هل ذاك يا مُنيتي عن غربتي كافي ؟ 
وصال كُتْبي يُعنّيني ويُرهقني 
ووصلك العذب بُرْءٌ للجوى شافي 
لذاك أودعتُها درجاً بمكتبتي 
وأنتِ في مهجتي يا نبع ألطافي  

*
لقد رد على عتاب المحبوبة معترفا بتقصيره وتناسيه ..وأن أنسه ومكثه بين كتبه لا يمثل له سعادة.ومسرة بحجم ما تمثله الزوجة الحبيبة...لكنها ظروف الدراسة والوقت هي التي صارت تتحكم فيه..وقد وعدها بإيداع كتبه الى أدراجها..بعد ان أخبرها أنه أعطاها عمره إضافة الى حبه وغرامه وكل عواطفه.. لقد مسرح الشاعر قصيدته هذه ، وكتبها برقة وعاطفة وصدق وجداني..ارضاء لرغبته وشعوره العاطفي حين أحس بتقصيره في حق زوجته لأنه منشغل بالمذاكرة..كونه طالبا جامعيا.. وكماعرفت المرأة العربية على مدى العصور اذا كان إهمال الزوج او نسيانه لأهل بيته ناتج عن ضيق وقت..فأهله أجدر بمصلحته..فالمرأة اليمنية ما زالت امرأة عربية تحمل الصفات الأصيلة التي تحمد لها وتقيها وتحميها حتى أن تبوح لزوجها بعدم إتيانها او اهمالها..فأجزم كقارئ ومواطن يمني أن النص وحواريته كان من نسج خيال الشاعر ومن احساسه المرهف بتقصيره في حق الزوجة الحبيبة..وهذا من أجمل ماكتب الشاعر، وأعتبرها تجربة ناجحة على المستويين اللغوي والفني.. 

ومن حوارية المحبوبة إلى نص( القات) ولندع الشاعريقدم لنا رؤية شعرية وفلسفية لهذه الشجرة( المكيفة) التي صارت جزءا من معطيات الثقافة وجزءا من عادات وسلوك اليمنيين..إضافة أنها تمثل مصدرا مهما في اقتصاد اليمنيين. في المحافظات الشمالية، على مدى  قرون من الزمن ، كما يقال أنها ظهرت في بلادنا خلال القرن السابع او الثامن الهجري..ولندع جهاد الكريمي يخبرنا عن القات .من خلال تجربته الشعرية وتولعه وعشق كل منهما للآخر...: 

إليّ -غُلامي- بالغصون المُروّقةْ 
مُعتّقةً تعلو السُّلاف المُعتّقةْْ 
سأمدح غصناً فيه إكسير راحتي
وإلّا فشعري والقوافي مُطَلقة 
رويدك لا تعذل عليّ امتداحهُ 
فإني بهِ حققتُ ما لن تحققه 
كأنك ما خزّنت من قات أرحبٍ 
ولا رُضْتَ في روض النعيم المُعبّقة
وكل مُريْدٍ يمضغ القات ناجحٌ 
وكل فتاةٍ تشتهيهِ موفّقة 
حديثاً لأهل القات يُروى، ونصّهُ
"
يُباح تعاطيه" بفتوى مُصدّقة 

*وبتوجيه الأمر إلى غلامه أن يأتيه بغصون القات المروقة أي الصافية حيث شبهها بالخمرة الرائقة أو الشراب الراقي الصافي من الخمرة.. إن  القات ليس بمسكر ولا يحتوي على مادة الكحول..لكن الشاعر أراد التماهي شعريا ومزاجيا ..فالقات اذا أمسى ليلة بعدقطفه يسمى بائتا وتقل قيمة التكييف فيه فهو عبارة عن أغصان مورقة خضراء تمضغ بالفم وليس بزهر أو ثمر أو مشروب كما يعتقدالبعض حين يسمع بوصفه أو لم يعرفه عن قرب..فالقات عند الشعراء يمثل المشروب الروحي كما يعتبره الكريمي إكسير الراحة التي لاريجد لها مثيلا ولا بديلا ..ففيه أكسير الراحة والسعادة التي لاتتحقق إلا بتناوله، فقدحقق الشاعر مالم يحققه أولئك الواصفون القات بالمعيب .. 

ومن نص القات إلى نص : "من مفكرة طالب " : 
كنا سويّاً في رحاب الجامِعة 
جذلاً خُرافيا، وروضاً فارعة 
وشذاً يخط على ابتسامات الندى
أحلامنا الخضرا بهُدْبٍ بارعة 
ما الوقتُ ؟ -لا أدريْ..قرأتُ بدايتي 
في خدّ شمسٍ، والنهاية ضائعة 
ميلادُنا ذاك الصباح،ُ وعُرسُنا 
فَي الغيب يختارُ الهدايا الرائعة 
عادت أغاني الضوء شوهى عتْمةً 
والصبح يقضم في الضباب أصابعهْ 
ما زلتَ طفلاً بالمحبة جاهلاً
يهوى يجري، ولا يُجرى معه 
لا يا أبي، قد كنتُ أطعمها الوفا 
وحبوتُها غضّ الغرام ويانعه 
وسقيتُّها بالنّور حتى أشرقتْ 
لتحفها حُبُكي العصيّة طائعة 
أو لم نكن بالحب نبري حلمنا
ونصيغ في نبع الجداول طابعه؟!
ما جدّ ؟ - قد صار السرابُ إجابةً 
ويْح المرايا كيف صارتْ خادعة
وغدتْ حقيقتُنا مَجازاً مُرسلاً 
والوصْلُ قطْعاً، والخوافضُ رافِعة 
من أنت يا هذا ؟ - هزارٌ، قيل لي :
إنّ القصيدة للمحبة شافعة 
بيني وبين الحبّ ألفُ قضيةٍ 
ولنا لدى قاضي الهيام مُرافعة 
فجرٌ يكحّلهُ الظلامُ، وعاشقٌ
بتمائم الكهان يرْقي واقعه
يعمي الحليم إذا تسلّلَ قلبهُ 
حتى يرى الشمطاء شمساً ساطعة 

*في هذا النص الذي أقتطف منه هذه الأبيات نلاحظ نضج التجربة الشعرية لدى الشاعر.. وقصة(زمالة) قد تكون حقيقية وقد تكون خيالية نسجها من وحي إلهامه.. زمالة خالطها الحب والعشق حب بداية كما هي عادة الإنسان العربي الشرقي عموما في سلوكه وتعلقه بالأنثى كحبيبة لا نظرته إليها كأخت وزوجة وابنة.. لقد امتزج الشاعر وحبيبته بالولع والعشق و الوئام ..كان الحرم الجامعي حقلهما الغرامي ولقاء صباحاتهما الجميلة التي أقاما بها علاقة غرامية أنستهما كل المصاعب والتعب، وبنى الشاعر منها أمالا وأحلاما كأي محب وعاشق وهو لا يتوقع أن يفشل في تجربته تلك..وكأنه لم يقرأ قصص الحب الغرامية في الشعر العربي التي عادة لا يوفق الكثير من أصحابها كما في قصص الحب العذري، وغيرها في المشرق العربي أو في الاندلس.. ومازال المال يلعب دوره في مصائر العشاق ويقف عائقا وحائلا قويا أمامهم وأمام محبوباتهم اللائي لا يملكن من أمور زواجهن إلا موافقة الآباء أو من يتولى شئونهن من الأقارب..
لقد فشلت تجربة الشاعر حين فوجئ بذات الصباحات بأن ما بناه من أحلام ليست سوى أحلام يقظة طفولية لا يمكن تطبيقها في واقع الحياة الزوجية التي يسعد بها ويهنأ بمن أحب. وشغف ، ويصل السر الغرامي إلى الأب فيرد على ولده العاشق بأن ما يزعمه من حب وشغف وأحلام بناها من خلال الصديقة والزميلة التي أحبها بالجامعة وأعطاها فؤاده، ماهي الا أحلام صبيانية لم يوفق فيها الكثير من الشباب وأنه ليس شرطا أن يتزوج على علاقة غرامية تصورها حبا وحقيقة لا بد منها.. فيرد الشاعر على أبيه بأن حبه لم يكن حبا صبيانيا بل كان حبا صادقا ناضجا وأنه سقى  المحبوبة من هذا وارتشف كل منهما من الآخر ما يرتشفه العشاق من محبوباتهم وهي القبلة، والوفاء والجود والحب الخلاق، لكن صار ذلك خداعا كخداع المرايا ذات العدسات المختلفة وخيال سراب مخادع وإن الحب دائما يعمي المحبين ويغريهم بالأحلام، فيقعون في شراك المحبة حتى لوكانت المحبوبة عجوزا شمطاء..
فكيف بمن يعشق فتاة عشرينية التقاها في حرم الجامعة !؟ لقد أبدع الشاعر إبداع العاشق الغارم وقدصور لنا قصة عشقه وحبه لفتاته التي ما لبثت أن تنكرت له ونسيته ومحته من دفتر ذكرياتها ووجدانها، ونسيت تلك الصباحات التي كانا يعدان للقاء فيها من الليلة السابقة سواء بالإشارة أثناء خروجهما من المحاضرات أو برسم موعد على غفلة في حرم الجامعة اثناء خروجهما أو تواعدا عبر خدمات التواصل الإجتماعي .. كانت اللغة قريبة من مفهوم القارئ وجذابة والصور الشعرية تتناسب مع وجدان الشاعر وما تلقاه من أهوال هذه التجربة العاطفية التي أفقدت الكثير من الشباب العربي طموحاتهم وتركتهم يعيشون خارج الواقع نتيجة الصدامات العاطفية التي لم يتوقعوها أثناء علاقاتهم بمحبوباتهم الجميلات..

أرجو أن أكون قد وفقت في قراءة هذه النماذج_ للشاعر الجميل الأستاذ جهاد الكريمي_كتجربة ولغة شعرية تستحق الوقوف لقراءتها..وأعتذر للشاعر وللإخوة القراء عن أي تقصير نظرا للوضع الذي يمر به الناقد والكاتب اليمني سواء بالمدينة اوالريف. والله الموفق. أ..عبده عبودالزراعي صباح 17_4_2018


 

مقالات اخرى
أضافة تعليق