تفجرت أزمة الخطاب الديني مؤخراً، وفرضت نفسها على منابر الفكر وقنوات الاتصال بعد الانهيار السياسي والتراجع الاقتصادي والتدهور الثقافي الذي أصاب الأمة الإسلامية من جهة، وبعد حملات التشويه والإساءة التي اضطلعت بها الأجهزة الإعلامية والمنظمات السياسية والمنابر الفكرية في الدول الغربية، وهي الحملات التي يشتد وطيسها كلما نشبت أعمال إرهابية أو ظهرت أزمات سياسية على الساحة الدولية لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي شارك في صنعها عدد من المتطرفين والمتشددين.
وقد انبرى الباحثون للمطالبة بضرورة مراجعة الخطاب الديني باعتباره مسؤولاً عن إفراز هؤلاء المتزمتين والأدعياء الذين ظهروا في البرامج التي تبثها القنوات الفضائية وقد اجتهد هؤلاء الباحثون لرصد ملامح الأزمة في الخطاب الديني، هذا الخطاب الذي أسرف في استخدام أسلوب الترهيب والتخويف، بعد الوقوف عند ظاهر النصوص وحروفها مع الغفلة عن مقاصد الشريعة، وعن إدراك الأولويات ومعرفة الواجبات الدينية، وأهمية العلم في بناء التصور الإسلامي.
قد وجد بعض الباحثين أن سلبيات الخطاب الديني تكمن في القصور عن فهم جوهر الدين، والتركيز على الشكليات، والانفصال عن واقع الحياة واهتمامات الجماهير، والتركيز على أمور الآخرة وإغفال إعمار الدنيا، والميل إلى التشديد على الناس في دينهم، والترهيب بدلاً من الترغيب، مع تجاهل عناصر أثر الزمان والمكان والأحوال في الفتوى، والنظرة المتدنية للمرأة، وإدانة الحضارة الغربية وتجاهل إيجابياتها.
وفي الحقيقة أن قضية الخطاب الديني تعد إحدى القضايا الهامة التي شغلت العالم الإسلامي، كما شغلت اهتمام الدارسين، فانعقدت لها الندوات وحلقات البحث والمؤتمرات، والتي كان من أبرز توصياتها ضرورة تطوير الخطاب، والتغيير في الشكل وفي المضمون، وإعادة النظر في برامج تأهيل الدعاة ومناهج الدراسة في الكليات الإسلامية، وعدم إهمال العقل في استنباط الأحكام الفقهية.
والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني لا تعني التخلي عن ثوابت العقيدة ولا الخروج عن أحكام الدين المعلومة بالضرورة، وإنما تعني إعادة النظر في الموروث الفقهي والبحث عن الحلول الإسلامية لما فرضته الأحداث الجديدة، وإعادة ترتيب الأولويات، والإسلام حين أقر مبدأ الاجتهاد فإن ذلك يأتي انطلاقاً من حقيقة أن الحياة متجددة باستمرار، والاجتهاد هو السبيل الذي يساعد الإنسان على تطوير حياته ومجتمعه.
والاجتهاد يعني رفض التقليد الأعمى، كما يعني ضرورة إعمال العقل والعاطفة والدعوة إلى عدم إغلاق الباب الذي فتحه الرسول (صلى الله عليه وسلم) والذي لا يجوز لأحد بعد ذلك أن يغلقه، وقد بشر النبي المجتهد بالأجر إن أخطأ وبالأجرين إن أصاب، ومما لا شك فيه أن ما تمتاز به الشريعة الإسلامية من المرونة والوسطية يجعلها تتجاوب مع مصالح الناس في كل زمان وكل مكان.
ويخطئ من يظن أن التجديد في الخطاب الديني يعني إضافة شيء جديد إلى ثوابت هذا الدين، أو اقتطاع شيء من هذه الثوابت، فهذا هو الابتداع، أو المسخ والتجريد، وهذا ليس من التجديد، ولكن التجديد يعني تصحيح المفاهيم دون صخب إعلامي أو مفاهيم جوفاء بمنأى عن واقع الأمة ومعاناتها اليومية، ولكنه يعني مواجهة التحديات بالعقل المبدع المنضبط بالمصلحة والمستفيد من تجارب الأمم المتحضرة تمهيدا لإعادة بعث النموذج الإسلامي المفقود وفق متطلبات الأمة وظروفها الحاضرة، ودون التقوقع على مرحلة معينة باعتبارها النموذج الأفضل، أو الانزواء على هموم العصر والانشغال بقضايا هامشية.
وتأسيساً على ذلك فإن تجديد الخطاب الديني يستهدف تعريف الناس بجوهر الإسلام وحقيقته بعد أن حادوا عنه، واختلت لديهم الموازين فجعلوا الفرض نافلة، والنافلة واجبا، والدين صوراً وأشكالاً لا صلة لها بالحضارة حتى ظنوا أن أساس التدين هو الانسحاب من الحياة أو الهروب إلى أنماط تاريخية.
ومن ثم فإن التجديد في الخطاب الديني هو بمثابة تغيير للمفاهيم المترسبة في أذهان الناس عن الدين، ورسم الصورة الصحيحة له، ثم تعديل الاتجاهات والسلوكيات حينما تقتضيه أصول العقيدة، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أول من تحدث عن التجديد حينما قال ’’إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها والمجددون هم أصحاب دعوة تهذب السلوك، وتنتج العمل الحضاري النافع، وتحفز النفس على عمارة الأرض بالخير، وتبشر الأمة بغد تستعيد فيه الأمجاد وتحقق الآمال لأن تخلف الأمة أمر ثقيل، وركودها مداه طويل، وبهذا تنتفي شبهات التناقض بين اكتمال الدين وتجديده، وبين سلفية العودة إلى الأصول والثوابت.
وحتى لا ينعزل الخطاب الديني عما يجرى من أحداث على الساحتين المحلية والعالمية، فإنه لابد من مراجعة شاملة لما يجري وما هو قائم، وتقديم المقترحات التي تجعل هذا الخطاب مؤثراً وقادراً على مواجهة الأحداث، وعلى مخاطبة الناس على قدر عقولهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية مما يؤكد على أهمية إعداد القائمين على هذا الخطاب بالكفاءة التي تؤهلهم لتجلية الحقائق، وإقناع العقول في حكمة وروية، ودراسة للأوضاع الاجتماعية والثقافية لكل بيئة.
وهكذا أصبحت هناك حاجة ماسة لتعديل منهج الخطاب الديني من خلال إعداد عصري للدعاة لتمكينهم من مواجهة الأحداث المتلاحقة التي تؤثر سلباً على نظرة دول العالم للمسلمين والتي أدت إلى اتهامهم بما هم منه براء، واعتماد الخطاب الديني على الإقناع العقلي وتقديم البراهين المقنعة على عظمة الإسلام في معالجته لمتغيرات الحياة، مع استخدام الوسائل الحديثة في توصيل الرسالة إلى من يحتاجها، وتنقية ميدان الدعوة من الدخلاء الذين يسيئون إلى الإسلام بسبب الجهل وسوء الفهم، فالدعوة لابد أن تكون من أهل البصيرة والعلم، مع الاستفادة من التقنيات الجديدة في وسائل الاتصال ونظم المعلومات في إمداد الخطاب الديني، وإقامة مواقع على شبكة الإنترنت بمختلف اللغات لرد الشبهات وشرح حقائق الإسلام في سماحته ويسره وعدله.
وإذا كان التجديد هو سنة الحياة، والتغيير قانون الوجود فإنه لا يوجد مخلوق يظل على حاله إلى الأبد، والبديل للتجديد هو الجمود، والجمود يعني توقف الحياة عن الحركة، وهذا أمر مستحيل لأن الحياة والحركة صنوان لا يفترقان، والإسلام بطبيعته دين يتمشى مع سنن الحياة، ولا يصطدم مع الفطرة الإنسانية، ولهذا فإنه يشجع على التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع من أجل الوصول إلى الأفضل في جميع الميادين.
والتجديد في الفكر الإسلامي له صور عديدة، فقد يكون تجديداً شاملاً لجميع نواحي الحياة وذلك إذا أصاب التدهور مرافق الحياة كلها، وقد يكون تجديداً في أحد الجوانب التي أصابها الجمود أو الخلل لمنع انتشار عدوى التدهور أو الخلل، وقد يكون تجديداً مرحلياً، وقد يكون جذرياً، وكل صورة من هذه الصور لها متطلباتها ولها ظروفها.
وما دام الدين يعمل على تلبية مطالب الإنسان، فإن مهمة الفقه تكمن في مواجهة متطلبات هذه الحياة طالما كانت المسائل الفقهية غير قطعية وقابلة للتغيير، ومن هنا فإن التجديد في الفقه الإسلامي مطلوب دائماً لاسيما أن هناك مسائل جديدة لم يعرفها علماء الفقه السابقون، وتتطلب اجتهادا جديداً وبحثاً عميقاً لاستنباط الحكم الشرعي، الذي ينطبق عليها، ومن ثم فإن إنزال الفقه على الواقع يعد ضرورة لتطور الحياة الإسلامية في المسائل التي ليس لها نظير في السابق وتستدعى اجتهادا جديدا مثل موضوع الاستنساخ البشري، وأطفال الأنابيب، والمعاملات الإسلامية، ونقل الأعضاء البشرية ومدى شرعية الإنترنت في الزواج والطلاق والوصية وغير ذلك من المعاملات التي أفرزتها الحياة المعاصرة.
والإسلام في حاجة إلى دعاة مهرة يحسنون عرض مبادئه وثوابته وأصوله بأسلوب شيق وجذاب، فيؤثرون ولا ينفّرون، ويبسّطون ويوضحون، ولا يعقدون ويسيئون وذلك باللين والمثابرة والنصح بأسلوب دمث يفتح القلوب ويشرح الصدور تأكيداً والتزاما لما أمر به الحق تبارك وتعالى في قوله تعالى ’’ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين’’.
إلا أن كثيرا من الدعاة ينفّرون ولا يبشرون، ولا يستطيع الخطاب الديني أن يحدث الأثر المطلوب في العقل والوجدان إلا إذا كان الدعاة عالمين بفن القول ومهارة التبليغ وأصول الحوار، والقدرة على التأثير في الجماهير، وتقديم الحجج والبراهين، ولعل أخطر ما في الخطاب الديني هو الانفصال عن واقع الناس وأمور الدنيا، فيجعل الناس يعيشون في غير عصرهم، ويسبحون في بحار الماضي، وإذا انفصل الخطاب الديني عن واقع الحياة ومتغيرات العصر فلن يجد من يلتفت إليه أو يعيره أي اهتمام، ويتجاهل ما يجري في عالمنا اليوم بعد ثورة الاتصالات وثورة المعلومات والسموات المفتوحة.
والخطاب الديني المنشود كما حدده الدكتور يوسف القرضاوي هو الخطاب الذي ينبثق من القرآن والسنة، ويتحدث بلسان عصره، وبلسان قومه ليبين لهم، وهو خطاب يتميز بالمرونة والانفتاح، ويدعو إلى الحوار مع الآخر والتسامح مع المخالف، والحاجة إلى السلم لمن يمد يده راغباً في السلام، ويتجلى فيه التوازن والوسطية، وهو خطاب يؤمن بالوحي ولا يغيب العقل، ويدعو إلى الروحانية ولا يهمل المادية، ويعنى بالعبادات، ولا يغفل الأخلاقيات، ويدعو إلى الجد، ولا ينسى اللهو، ويتبنى العالمية دون أن يغفل المحلية، ويحرص على المعاصرة، ويتمسك بالأصالة، ويستشرف المستقبل دون أن يتنكر للماضي، ويدعو إلى الاجتهاد دون أن يتجاوز الثوابت، وينصف المرأة دون أن يجور على الرجل، ويتبنى التيسير ويحرص على التبشير.
وهو خطاب يؤكد على استخدام الأساليب العصرية، والاستفادة من الثورة التي يشهدها العالم في مجال الاتصال والتكنولوجيا والمعلومات، وإعادة تأهيل العاملين في مختلف مجالات الخطاب الديني حتى يتمكنوا من الاضطلاع بالدور المنوط بهم في العمل الدعوي لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين، ذلك أنه من مساوئ التبليغ عدم وعي الدعاة بروح الشريعة، وحرصهم على فرض أفكار وقناعات خاصة بهم بدلاً من الاعتماد على الإقناع والمحاجة المنطقية، والدليل اليقيني الذي يرتفع عن الظنون والأوهام والاندفاع العاطفي الذي لا يضبطه فكر ناضج أو تخطيط دقيق يراعي تمايز المخاطبين، وتفاوت درجات وعيهم الفكري ونضجهم وحسهم الحضاري والاجتماعي
وقد انبرى الباحثون للمطالبة بضرورة مراجعة الخطاب الديني باعتباره مسؤولاً عن إفراز هؤلاء المتزمتين والأدعياء الذين ظهروا في البرامج التي تبثها القنوات الفضائية وقد اجتهد هؤلاء الباحثون لرصد ملامح الأزمة في الخطاب الديني، هذا الخطاب الذي أسرف في استخدام أسلوب الترهيب والتخويف، بعد الوقوف عند ظاهر النصوص وحروفها مع الغفلة عن مقاصد الشريعة، وعن إدراك الأولويات ومعرفة الواجبات الدينية، وأهمية العلم في بناء التصور الإسلامي.
قد وجد بعض الباحثين أن سلبيات الخطاب الديني تكمن في القصور عن فهم جوهر الدين، والتركيز على الشكليات، والانفصال عن واقع الحياة واهتمامات الجماهير، والتركيز على أمور الآخرة وإغفال إعمار الدنيا، والميل إلى التشديد على الناس في دينهم، والترهيب بدلاً من الترغيب، مع تجاهل عناصر أثر الزمان والمكان والأحوال في الفتوى، والنظرة المتدنية للمرأة، وإدانة الحضارة الغربية وتجاهل إيجابياتها.
وفي الحقيقة أن قضية الخطاب الديني تعد إحدى القضايا الهامة التي شغلت العالم الإسلامي، كما شغلت اهتمام الدارسين، فانعقدت لها الندوات وحلقات البحث والمؤتمرات، والتي كان من أبرز توصياتها ضرورة تطوير الخطاب، والتغيير في الشكل وفي المضمون، وإعادة النظر في برامج تأهيل الدعاة ومناهج الدراسة في الكليات الإسلامية، وعدم إهمال العقل في استنباط الأحكام الفقهية.
والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني لا تعني التخلي عن ثوابت العقيدة ولا الخروج عن أحكام الدين المعلومة بالضرورة، وإنما تعني إعادة النظر في الموروث الفقهي والبحث عن الحلول الإسلامية لما فرضته الأحداث الجديدة، وإعادة ترتيب الأولويات، والإسلام حين أقر مبدأ الاجتهاد فإن ذلك يأتي انطلاقاً من حقيقة أن الحياة متجددة باستمرار، والاجتهاد هو السبيل الذي يساعد الإنسان على تطوير حياته ومجتمعه.
والاجتهاد يعني رفض التقليد الأعمى، كما يعني ضرورة إعمال العقل والعاطفة والدعوة إلى عدم إغلاق الباب الذي فتحه الرسول (صلى الله عليه وسلم) والذي لا يجوز لأحد بعد ذلك أن يغلقه، وقد بشر النبي المجتهد بالأجر إن أخطأ وبالأجرين إن أصاب، ومما لا شك فيه أن ما تمتاز به الشريعة الإسلامية من المرونة والوسطية يجعلها تتجاوب مع مصالح الناس في كل زمان وكل مكان.
ويخطئ من يظن أن التجديد في الخطاب الديني يعني إضافة شيء جديد إلى ثوابت هذا الدين، أو اقتطاع شيء من هذه الثوابت، فهذا هو الابتداع، أو المسخ والتجريد، وهذا ليس من التجديد، ولكن التجديد يعني تصحيح المفاهيم دون صخب إعلامي أو مفاهيم جوفاء بمنأى عن واقع الأمة ومعاناتها اليومية، ولكنه يعني مواجهة التحديات بالعقل المبدع المنضبط بالمصلحة والمستفيد من تجارب الأمم المتحضرة تمهيدا لإعادة بعث النموذج الإسلامي المفقود وفق متطلبات الأمة وظروفها الحاضرة، ودون التقوقع على مرحلة معينة باعتبارها النموذج الأفضل، أو الانزواء على هموم العصر والانشغال بقضايا هامشية.
وتأسيساً على ذلك فإن تجديد الخطاب الديني يستهدف تعريف الناس بجوهر الإسلام وحقيقته بعد أن حادوا عنه، واختلت لديهم الموازين فجعلوا الفرض نافلة، والنافلة واجبا، والدين صوراً وأشكالاً لا صلة لها بالحضارة حتى ظنوا أن أساس التدين هو الانسحاب من الحياة أو الهروب إلى أنماط تاريخية.
ومن ثم فإن التجديد في الخطاب الديني هو بمثابة تغيير للمفاهيم المترسبة في أذهان الناس عن الدين، ورسم الصورة الصحيحة له، ثم تعديل الاتجاهات والسلوكيات حينما تقتضيه أصول العقيدة، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أول من تحدث عن التجديد حينما قال ’’إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها والمجددون هم أصحاب دعوة تهذب السلوك، وتنتج العمل الحضاري النافع، وتحفز النفس على عمارة الأرض بالخير، وتبشر الأمة بغد تستعيد فيه الأمجاد وتحقق الآمال لأن تخلف الأمة أمر ثقيل، وركودها مداه طويل، وبهذا تنتفي شبهات التناقض بين اكتمال الدين وتجديده، وبين سلفية العودة إلى الأصول والثوابت.
وحتى لا ينعزل الخطاب الديني عما يجرى من أحداث على الساحتين المحلية والعالمية، فإنه لابد من مراجعة شاملة لما يجري وما هو قائم، وتقديم المقترحات التي تجعل هذا الخطاب مؤثراً وقادراً على مواجهة الأحداث، وعلى مخاطبة الناس على قدر عقولهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية مما يؤكد على أهمية إعداد القائمين على هذا الخطاب بالكفاءة التي تؤهلهم لتجلية الحقائق، وإقناع العقول في حكمة وروية، ودراسة للأوضاع الاجتماعية والثقافية لكل بيئة.
وهكذا أصبحت هناك حاجة ماسة لتعديل منهج الخطاب الديني من خلال إعداد عصري للدعاة لتمكينهم من مواجهة الأحداث المتلاحقة التي تؤثر سلباً على نظرة دول العالم للمسلمين والتي أدت إلى اتهامهم بما هم منه براء، واعتماد الخطاب الديني على الإقناع العقلي وتقديم البراهين المقنعة على عظمة الإسلام في معالجته لمتغيرات الحياة، مع استخدام الوسائل الحديثة في توصيل الرسالة إلى من يحتاجها، وتنقية ميدان الدعوة من الدخلاء الذين يسيئون إلى الإسلام بسبب الجهل وسوء الفهم، فالدعوة لابد أن تكون من أهل البصيرة والعلم، مع الاستفادة من التقنيات الجديدة في وسائل الاتصال ونظم المعلومات في إمداد الخطاب الديني، وإقامة مواقع على شبكة الإنترنت بمختلف اللغات لرد الشبهات وشرح حقائق الإسلام في سماحته ويسره وعدله.
وإذا كان التجديد هو سنة الحياة، والتغيير قانون الوجود فإنه لا يوجد مخلوق يظل على حاله إلى الأبد، والبديل للتجديد هو الجمود، والجمود يعني توقف الحياة عن الحركة، وهذا أمر مستحيل لأن الحياة والحركة صنوان لا يفترقان، والإسلام بطبيعته دين يتمشى مع سنن الحياة، ولا يصطدم مع الفطرة الإنسانية، ولهذا فإنه يشجع على التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع من أجل الوصول إلى الأفضل في جميع الميادين.
والتجديد في الفكر الإسلامي له صور عديدة، فقد يكون تجديداً شاملاً لجميع نواحي الحياة وذلك إذا أصاب التدهور مرافق الحياة كلها، وقد يكون تجديداً في أحد الجوانب التي أصابها الجمود أو الخلل لمنع انتشار عدوى التدهور أو الخلل، وقد يكون تجديداً مرحلياً، وقد يكون جذرياً، وكل صورة من هذه الصور لها متطلباتها ولها ظروفها.
وما دام الدين يعمل على تلبية مطالب الإنسان، فإن مهمة الفقه تكمن في مواجهة متطلبات هذه الحياة طالما كانت المسائل الفقهية غير قطعية وقابلة للتغيير، ومن هنا فإن التجديد في الفقه الإسلامي مطلوب دائماً لاسيما أن هناك مسائل جديدة لم يعرفها علماء الفقه السابقون، وتتطلب اجتهادا جديداً وبحثاً عميقاً لاستنباط الحكم الشرعي، الذي ينطبق عليها، ومن ثم فإن إنزال الفقه على الواقع يعد ضرورة لتطور الحياة الإسلامية في المسائل التي ليس لها نظير في السابق وتستدعى اجتهادا جديدا مثل موضوع الاستنساخ البشري، وأطفال الأنابيب، والمعاملات الإسلامية، ونقل الأعضاء البشرية ومدى شرعية الإنترنت في الزواج والطلاق والوصية وغير ذلك من المعاملات التي أفرزتها الحياة المعاصرة.
والإسلام في حاجة إلى دعاة مهرة يحسنون عرض مبادئه وثوابته وأصوله بأسلوب شيق وجذاب، فيؤثرون ولا ينفّرون، ويبسّطون ويوضحون، ولا يعقدون ويسيئون وذلك باللين والمثابرة والنصح بأسلوب دمث يفتح القلوب ويشرح الصدور تأكيداً والتزاما لما أمر به الحق تبارك وتعالى في قوله تعالى ’’ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين’’.
إلا أن كثيرا من الدعاة ينفّرون ولا يبشرون، ولا يستطيع الخطاب الديني أن يحدث الأثر المطلوب في العقل والوجدان إلا إذا كان الدعاة عالمين بفن القول ومهارة التبليغ وأصول الحوار، والقدرة على التأثير في الجماهير، وتقديم الحجج والبراهين، ولعل أخطر ما في الخطاب الديني هو الانفصال عن واقع الناس وأمور الدنيا، فيجعل الناس يعيشون في غير عصرهم، ويسبحون في بحار الماضي، وإذا انفصل الخطاب الديني عن واقع الحياة ومتغيرات العصر فلن يجد من يلتفت إليه أو يعيره أي اهتمام، ويتجاهل ما يجري في عالمنا اليوم بعد ثورة الاتصالات وثورة المعلومات والسموات المفتوحة.
والخطاب الديني المنشود كما حدده الدكتور يوسف القرضاوي هو الخطاب الذي ينبثق من القرآن والسنة، ويتحدث بلسان عصره، وبلسان قومه ليبين لهم، وهو خطاب يتميز بالمرونة والانفتاح، ويدعو إلى الحوار مع الآخر والتسامح مع المخالف، والحاجة إلى السلم لمن يمد يده راغباً في السلام، ويتجلى فيه التوازن والوسطية، وهو خطاب يؤمن بالوحي ولا يغيب العقل، ويدعو إلى الروحانية ولا يهمل المادية، ويعنى بالعبادات، ولا يغفل الأخلاقيات، ويدعو إلى الجد، ولا ينسى اللهو، ويتبنى العالمية دون أن يغفل المحلية، ويحرص على المعاصرة، ويتمسك بالأصالة، ويستشرف المستقبل دون أن يتنكر للماضي، ويدعو إلى الاجتهاد دون أن يتجاوز الثوابت، وينصف المرأة دون أن يجور على الرجل، ويتبنى التيسير ويحرص على التبشير.
وهو خطاب يؤكد على استخدام الأساليب العصرية، والاستفادة من الثورة التي يشهدها العالم في مجال الاتصال والتكنولوجيا والمعلومات، وإعادة تأهيل العاملين في مختلف مجالات الخطاب الديني حتى يتمكنوا من الاضطلاع بالدور المنوط بهم في العمل الدعوي لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين، ذلك أنه من مساوئ التبليغ عدم وعي الدعاة بروح الشريعة، وحرصهم على فرض أفكار وقناعات خاصة بهم بدلاً من الاعتماد على الإقناع والمحاجة المنطقية، والدليل اليقيني الذي يرتفع عن الظنون والأوهام والاندفاع العاطفي الذي لا يضبطه فكر ناضج أو تخطيط دقيق يراعي تمايز المخاطبين، وتفاوت درجات وعيهم الفكري ونضجهم وحسهم الحضاري والاجتماعي