قال شقيق بن سلمة: كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يُذكِّرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، لوددتُ أنك ذكّرتنا كل يوم، فقال: “أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلّكُم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله ﷺ يتخوّلنا بها مخافة السآمة علينا“. متفق عليه.
هذا الأثر عن ابن مسعود يُبين حرصه على الاقتداء بنبيه ﷺ وألا يُكثِر من المواعظ خشية ملل وضجر المدعوين، مما قد يتسبب في ضعف الأثر الدعوي لمواعظه، رغم أنه لا يُحدِّثهم إلا مرة واحدة كل اسبوع. فكيف بحالنا الآن وكثيرٌ من الناس يتلقّون – عبر (جوالاتهم) ووسائل التواصل- عشرات المواعظ كل يوم؟
حالتنا الآن لا تـتسبب فقط في حصول السآمة وضعف الأثر الدعوي للمواعظ؛ بل زاد عليها حصول البلادة الفكرية والشعورية لدى كثير من الناس؛ إذ يصل إلى الواحد منهم كل يوم تشكيلةٌ متنوعةٌ متناقضةٌ من الرسائل المرئية والمكتوبة؛ فتارة تصله موعظة بليغة، ثم تعقبها طُرفة مضحكة، ثم تليها مشاهد مؤلمة، ويتخلل ذلك كله أخبارٌ مفجعة وأخرى مفرحة. فكيف – والحالة هذه – لعقلٍ أن يتدبر، وكيف لمشاعرٍ أن تتأثر؟!
هذه الحالة المتقلبة التي تحدث كل يوم، وما تفرزه –لدى الكثيرين- من سآمة وبلادة تجاه المواعظ مهما كانت مؤثرة؛ تُحتم على المصلحين العناية والاهتمام بها، وعقد لقاءات ومشاورات مع إعلاميين ومختصين نفسيين للخروج بحلول عملية تعالج أو تحد من آثارها السلبية، لتؤتي الجهود الدعوية ثمارها، وتظهر آثارها.
نقلا عن مدونة منصور بن محمد المقرن