مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أوباما وبوش.. فوارق جوهرية؟
أوباما وبوش.. فوارق جوهرية؟
الخميس إبريل 23 2009 -
الدكتور أسعد عبد الرحمن

مع أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية يعد أقوى رجل في العالم، إلا أن صلاحياته تبقى محدودة بموجب الدستور. ورغم ذلك، فإن البعد الشخصي والأيديولوجي والديني للرئيس يلعب دورا كبيرا في السياسة الخارجية. ففي عهد الرئيس السابق جورج بوش رأينا أهمية الجانب الديني اليميني المتشدد في السياسة الأميركية وتداعياتها على العالم، شرحها (بوش) نفسه أكثر من مرة بعد أن «اكتشف الهم». وقد كثر الكلام وتعددت التعليقات حول البعد الديني لحروب بوش العبثية والتدميرية التي شملت ساحاتها وميادينها دولا اسلامية. ومع ازدياد العنف وقتل المدنيين باحتلال العراق وأفغانستان، ازداد الكره العام للسياسة الأميركية. كل ذلك ساهم في تدني شعبية بوش إلى مستوى غير مسبوق بل إن بوش عاد وحصل على لقب الرئيس الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة.

بالمقابل، نجد أن أوباما رجل براغماتي ينسجم مع العقلية الأميركية بحيث وقع العالم أجمع تقريبا في حبه . ومنذ حملته الانتخابية، التي لم تشهد لها الولايات المتحدة مثيلا من قبل من حيث التنظيم والتخطيط، برهن اوباما على انه ليس ذكيا فقط كسياسي، لكن، أيضا، كمسؤول علاقات عامة، مستثمرا التكنولوجيا للوصول إلى القواعد الشعبية، خالبا أذهان أميركا والعالم بكاريزمته. فالرجل أينما حل كان قادرا على جمع جماهير وتبرعات مالية كسرت سابق الأرقام. وهو أول أميركي أسود يصبح رئيسا. كما أنه شاب نسبيا 46 عاما استطاع دخول عالم الشهرة والسياسة بسرعة منقطعة النظير حتى صار مرشحا رئاسيا بعد أربع سنوات فقط من وصوله واشنطن في 2004. كما امتلك أوباما الجرأة لاتخاذ بعض القرارات السياسية الصعبة من بينها معارضته لحرب العراق منذ 2002، ودعوته للحوار مع دول مثل إيران وسوريا. وكانت قدراته الخطابية الهائلة، التي أشاد بها خصومه قبل مسانديه، فريدة تركز على الإيجابية والمستقبل والأمل والقيم الأميركية وبحثه عن أميركا أفضل ، ورفضه للتحزب والتشدد والحروب السياسية الأميركية الداخلية. كل هذا مهد له الطريق ليصبح زعيما أميركيا عالميا وليس مجرد رئيس للولايات المتحدة الأميركية.

غير أن أوباما تنتظره ملفات كبيرة، وتوقعات أكبر. ففيما يتعلق بالملف العراقي: كان الخلاف بينه وبين بوش جوهريا منذ البداية، حيث اشترطت الإدارة السابقة انسحاب القوات الأميركية من العراق بحدوث تقدم ملموس في الأوضاع الأمنية ميدانيا، في حين لم تشمل تصريحات اوباما مثل هذا الشرط. أما في الملف الإيراني فثمة تفاوت: يعتبر الاثنان فكرة إيران النووية غير مقبولة. غير أن أوباما وخلافا لبوش يدعو لوقف مقاطعة طهران ومباشرة الحوار معها وعدم ربط ذلك بتعليق طهران لبرنامجها النووي، رغم أن كلاهما لا يستبعد الخيار العسكري. وعلى المسار السوري: الخلاف جوهري. فإدارة بوش لم تكن متحمسة إزاء المفاوضات بين إسرائيل وسوريا، في حين صرح أوباما بوضوح بأنه يؤيد التفاوض على المسار السوري لأنه عندما قررت إسرائيل أن التفاوض مع دمشق مصلحة إسرائيلية فلا يمكن لواشنطن إلا أن تقبل ذلك وتبذل كل ما في وسعها من جهود لتحريك هذا المسار .

وفيما يتعلق بالمسار الفلسطيني، فإن اوباما يؤيد مسار انابوليس وحل الدولتين، لكنه يعارض فكرة الحوار مع حماس قبل تبني الحركة شروط اللجنة الرباعية». وهو مثل بوش يقول انه سيفعل كل ما في وسعه لإيجاد حل للقضية الفلسطينية. في هذا السياق، لا يوجد خلاف لفظي كبير بين الاثنين. أما النقطة المفصلية فقد بدأت تظهر ملامحها بين اوباما وحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية. فالأول الذي أدلى بتصريحات دعا خلالها إسرائيل لوقف الاستيطان وإخلاء المستعمرات ومنح تسهيلات للفلسطينيين، أقر مؤخرا في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض بأن الحكومة الاسرائيلية الجديدة لن تجعل السلام أكثر سهولة مع الفلسطينيين ، مضيفا: ما نعرفه هو ان الوضع القائم لا يطاق»، محذرا (نتانياهو) من أن الولايات المتحدة ستمارس ضغطا لصالح قيام دولة فلسطينية ارادت الحكومة الاسرائيلية ذلك ام لم ترد.

ورغم كل شيء، علينا أن نكون واقعيين في توقعاتنا. فمن الواضح أن عملية السلام ستستمر، لكننا نؤكد أن السياسة الأميركية نحو قضية الصراع العربي - الإسرائيلي هي سياسة استراتيجية مؤسساتية ومصلحية ليست لها دوما خلفية تفصل بين كونها جمهورية أو ديمقراطية. كما أنه ليس لها خلفية قاطعة: ليبرالية أو محافظة. إذن، سيكون التباين بينهما على مساحة الهامش المهم إن جازت العبارة وليس في الجوهر. والمسألة هنا ليست مسألة أخلاقية رغم أبعادها الأخلاقية الواضحة. فالولايات المتحدة لم تكن، ولن تكون على الأرجح، طرفا عادلا ونزيها . فهي لها التزام استراتيجي قاطع نحو إسرائيل لا تخفيه سواء عن العرب أو غيرهم، ومع ذلك تقبل الغالبية الساحقة من الأطراف ذات الصلة أن تكون الولايات المتحدة داخلة في هذه العملية لأنه ليس هنالك طرف في العالم غيرها يستطيع أن يلعب هذا الدور مثلها. وفهمنا لهذا الأمر ضروري لاستيعاب ما يمكن أن تقدمه كعامل مساعد في العملية. فهي، ربما وحدها، التي تملك الإمكانات لتترجم الاتفاقيات إلى واقع، مثلما أن لديها تصورات عن صيغة الاتفاق النهائي.

اوباما لا يختلف كثيرا عن أي رئيس أميركي سوى في الأسلوب وفي مدى اتساع الهامش المهم ، وليس بالضرورة بالأهداف. فكل رؤساء أميركا لهم الاهداف الاستراتيجية نفسها، مع أن كل رئيس يحاول تحقيقها على طريقته. مثلا، كان أسلوب بيل كلينتون أفضل من أسلوب بوش مع العلم أن أهدافهما ومواقفهما الاستراتيجية من إسرائيل واحدة، مع فارق أن كلينتون حاول تحقيق جزء من هذه الاهداف باستعمال نظرية السياسة الناعمة ، وهي النظرية التي يستعملها أغلب الرؤساء الديمقراطيين، كتمييز – ربما يكون وحيدا – عن الرؤساء الجمهوريين. وفي هذا السياق، نسأل السؤال المزدوج الكبير جدا: هل يفعلها (اوباما) ويغير من سياسات الولايات المتحدة؟ وهل يستطيع، من أبهر العالم بكاريزمته، أن يبهره أيضا بتغلبه على واقع دولته ويسبح بها عكس التيار؟! الجواب المباشر: لا نعتقد ذلك فنحن نعيش في عالم انتهت فيه المعجزات . وفي حين أننا لا نظن أن أوباما بقادر على تغيير الاستراتيجيات، فإنه مرشح لأن يكون قادرا على الاستفادة من ذلك الهامش المهم الذي توفره له فرصته التاريخية الراهنة (الناجمة عن مواصفاته الشخصية والسياسية ومواصفات المرحلة بحيث يطبق الاستراتيجية الأميركية بفهم مصلحي أميركي (وليس إسرائيليا). وقد تكون تصريحات مبعوثه جورج ميتشل قبل أيام عن كون حل الدولتين هو الحل الوحيد مؤشرا إيجابيا في هذا الاتجاه.

.القدس العربي
أضافة تعليق