مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مقومات النجاح في تكوين الداعية
مقومات النجاح في تكوين الداعية
د. علي بن عمر بادحدح

التميز الإيماني من أهم ركائز ومستلزمات الدعوة
إن الدعوة إلى الله هي مهمة الرسل والأنبياء، ورسالة الوارثين من الدعاة والعلماء{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن }، والدعوة لها مستلزمات ومتطلبات، ومن أهم ركائزها وأولى دعائمها الإيمان والعلم وهما أعظم الأسس وأولى الأولويات، ولذا فإن التوضيح لهما والتركيز عليهما له أهميته في تثقيف وتكوين الدعاة.

ونبدأ اليوم بالتميز الإيماني والتفوق الروحي باعتبارهما الركيزتين الرئيستين اللتين تعتمد عليهما الدعوة.

فالتميز في مجال الإيمان عقيدة صحيحة، ومعرفة جازمة وتأثيراً قوياً يعد- بلا نزاع- أهم المقومات وأولى الأولويات بالنسبة للدعية، لكي يكون عظيم الإيمان بالله، شديد الخوف منه، صادق التوكل عليه، دائم المراقبة له، كثير الإنابة إليه، لسانه رطب بذكر الله، وعقله مفكر في ملكوت الله، وقلبه مستحضر للقاء الله، مجتهد في الطاعات، مسابق إلى الخيرات، صوام بالنهار قوام بالليل، مع تحري الإخلاص التام، وحسن الظن بالله وهذا هو عنوان الفلاح، وسمت الصلاح ومفتاح النجاح، إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله وهي التي تجلب التوفيق من الله فإذا بالداعية مسدد، إن عمل أجاد، وإن حكم أصاب، وإن تكلم أفاد.

وهذا الباب واسع الجوانب متعدد المستلزمات، وحسبي أن أبرز أهم هذه الجوانب :
1- عظمة الإيمان بالله
فأساس كل أمر هو تجريد التوحيد والبعد عن الشرك. ولا بد أن يكون الداعية صحيح الإيمان، خالص التوحيد، وعنده من العلم ما يعرفه بالله وربوبيته وأولوهيته وأسمائه وصفاته، وان تستقر هذه المعرفة في سويداء قلبه، وتملك عليه أقطار نفسه، وتجري مع الدماء في عروقه.

وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب التي تخفي على الناس ولا يعلمها إلا علام الغيوب، إلا أن آثار ذلك تظهر بوضوح في الأقوال والأفعال، وكل ذلك ينعكس على الداعية فتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك ومن أبرزها:
أولا: التحرير من عبودية غير الله
الإيمان قوة عظمى يستعلى بها المؤمن على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حرا لا سلطان لأحد عليه إلا لله، فلا يخاف إلا من الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا في الله، ولا يتوكل إلا على الله، وللإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر وهما: الخوف على الرزق، والخوف على الحياة .

أما الأول: فلا يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال، وكم شغل الناس حب المال، لما ذهب الذهب بأبصارهم وسبى قلوبهم، أما المؤمن فحقائق الإيمان تملأ قلبه فلا يتأثر بشيء من هذا لأن في قلبه قول الحق جل وعلا {وفي السماء رزقكم وما توعدون} [ الذاريات : 22 ] .
ولأنه يعلم من بيده الرزق {فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له} [ العنكبوت : 17].

الثاني : اليقين
وأما الثاني: فيقين المؤمن أن الموت والحياة بيد الله، وأنه لا ينجي حذر من قدر، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأن الموت ليس بالأقدام وأن السلامة ليست بالإحجام بل كما قال تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [ النساء :78] .

2- الخشية من الله:
وهي من أعظم آثار الإيمان وأبرز أوصاف المؤمنين {الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون} [ الأنبياء :49]
{الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} [ الأحزاب : 39 ]
وقدوتهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ( إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ) [ أخرجه البخاري في كتاب النكاح ’’الفتح:9104’’ ] .

’’ والخشية أخص من الخوف، فهي خوف مقرون بمعرفة’’ [ تهذيب مدارج السالكين : ص:269 ]

وعندما تعمر الخشية والخوف قلب الداعية المؤمن يتميز عن الغافلين والعابثين لأن الخوف يحول بين صاحبه وبين محارم الله.

والخشية أساس مراقبة الله ترقى بالمؤمن إلى درجة الإحسان وأن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه .

الإخلاص لله
’’ الإخلاص لله روح الدين ولباب العبادة وأساس أي داع إلى الله’’ [مع الله : ص 201] .

وهو ’’ في حقيقته قوة إيمانية، وصراع نفسي، يدفع صاحبه بعد جذب وشد- إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع عن الغايات الذاتية، وأن يقصد من عمله وجه الله لا يبغي من ورائه جزاءً ولا شكورا ’’ [ صفات الداعية النفسية : ص 12 ] .

فالمخلصون ’’ أعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهرا أو باطنا لوجه الله وحده ’’ [ تهذيب مدارج السالكين : ص68 ]

والإخلاص للداعية ألزم له من كل أحد وأهميته تفوق كل أمر، وهو استجابة لأمر الله {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [ البينة :5].

3- حسن الصلة بالله
المقصود بها إقامة الفرائض، والاستكثار من النوافل، والاشتغال بالأذكار، والمداومة على الاستغفار وكثرة التلاوة القرآنية، والحرص على المناجاة الربانية، وغير ذلك من القربات والطاعات.

والخلاصة أن التميز الإيماني من أعظم أسباب نجاح الداعية، إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان ولا قوة البرهان ولا كثرة الأعوان، بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق الله الذي يخص به أولياءه ولا شك ’’ أن الدعاة الذين يكرسون أوقاتهم لله لدفع الناس إلى سبيله، لا بد أن يكون شعورهم بالله أعمق،وارتباطهم به أوثق، وشغلهم به أدوم،ورقابتهم له أوضح’’، ونحن نريد روحانية إيجابية لا انعزالية ترتكز على العبادات والأوراد بعيدة عن التفاعل مع الحياة وما فيها من هموم ومعاناة، نريد ’’روحانية إيجابية تحفزه للتضحية وتستهدف الشهادة وتعمق الحاجة إلى رضا الله لتغدو هاجسا يوميا يلاحق كل مواطن رضاه في عملية تدقيق ومعاناة تجعله يعيش مع عقيدته في أفكاره ومشاعره وفي علاقاته ومطامحه، فتتحول في داخل ذاته إلى هم يومي متحرك يراقب الأشياء من خلاله، ويحدد موفقه منها على أساسه’’.
*إسلاميات
أضافة تعليق