مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
القدس .. واقع يستدعي التحرك
د. علي بن عمر بادحدح

’’لا يعقل أن نبكي القدس اليوم وباستطاعتنا تقديم الدعم لها ولا نفعل، ونشيعها إلى مثواها الأخير وقلبها ينبض بالحياة، تستجدي الدعم وتصر على أنها عربيه إسلامية، وهنا نكون أمام الله والتاريخ الذي لا يرحم قد شاركنا المحتل بطريقة أو بأخرى بإنجاح خططه وسياساته وأطماعه في المدينة المقدسة’’ (اللجنة الملكية لشؤون القدس).

القدس.. هل تصبح ذكرى حتى نتذكرها في يوم القدس؟ القدس العقيدة والقبلة الأولى، القدس المكانة والأمانة، القدس أرض الرسالات والمقدسات، القدس آيات القرآن ومسرى المصطفى العدنان، ولأن المقدسيين يخوضون صراعاً لأجل البقاء فلم يعد يجديهم الدعم بالتصريحات والبيانات والفتاوى، وإنما ينفعهم المواقف العملية والمبادرات الشعبية والمساعدات المادية.

ولكن قبل تقديم الدعم وتحمل المسؤوليات علينا التعرف على واقع القدس الذي لم يعد يحتمل مزيداً من التأخر في الحركة قبل فوات الأوان.

القدس.. ماذا يمكن أن نكتب عنها في يومها العالمي، أوضاعٌ اقتصادية هي الأسوأ حيث الضريبة اليومية التي يفرضها الاحتلال بشكل عشوائي على أصحاب المحلات التجارية، قطاع الإنشاءات الذي يعد الأكثر شعبية يتعرض للانهيار ما يعني هروب الأيدي العاملة إلى خارج القدس، أو الهجرة إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الدول العربية والأجنبية؛ لتفريغ مدينة القدس من الفلسطينيين في القدس المحتلة بسبب إحجام الاحتلال عن إصدار رخص بناء للمقدسيين، فرغم أن المواطنين المقدسيين يشكلون 35% من السكان إلا أن عدد رخص البناء التي يحصلون عليها سنويّاً تتراوح بين 50 إلى 60 رخصة بناء فقط، مقابل 3،000 إلى 4،000 رخصة بناء لليهود؛ لتشجيع اليهود على القدوم للقدس والسكن فيها.

تزيد تكاليف المعيشة في القدس المحتلة بمعدل يتراوح من (40-50%) عن تكاليف المعيشة في مناطق السلطة الفلسطينية، 65% من سكان القدس المحتلة وفق معطيات إحصائية رسمية إسرائيلية يعيشون تحت خط الفقر، ومعدل البطالة المعلن عنه يتراوح من (11-12%).

في المجال الصحي لا يقل الأمر سوءا حيث هيمنة المؤسسات الإسرائيلية على جميع المراكز والتأمينات الصحية، وتصاعد هجرة العقول الطبية المقدسية بفعل الإجراءات الإسرائيلية التعسفية بحقهم. ومعاناة المواطن المقدسي من صعوبة تلقي العلاج اللازم في مراكزه الصحية المقدسية، بسب القوانين الإسرائيلية، ومنع دخول الأدوية العربية للقدس، وعدم الاعتراف بالكوادر الطبية والصيدلية الفلسطينية.

وفي مجال الأوقاف اعتدى الاحتلال الصهيوني على الأوقاف الإسلامية منذ عام 1948م و 1967م إلى يومنا هذا؛ واستخدم ’’قانون أملاك الغائبين’’ باقتطاع ما يقارب 40% من أوقاف فلسطين. وهناك محاولات عدة من الصهاينة لتعطيل الأوقاف وتحويلها إلى مكب للنفايات كما حدث مع مقبرة ’’مأمن الله’’.

ناهيك عن تدنيس باحات المسجد الأقصى من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال، وحواجز التفتيش العاري، والتهويد، وأعلام الاحتلال ترفرف فوق أسوارها.

وفي المجال السياحي يوجد ’’متحف التوراة’’ وهو آخر المشاريع الصهيونية وهو جزء مكمّل لمخطط حكومي يدعى ’’الهيكل التوراتي’’ الذي أقر قبل نحو ثلاثة أشهر لإقامة مبنى تهويدي ضخم في حي وادي حلوة. كما أصدرت سلطة الاحتلال قرارا حكوميا يقضي ببناء مواقع تحمل ’’الجذب التوراتي’’ في القدس خاصة في المواقع الأثرية التاريخية.

وفي مجال الاستيطان لدينا الحقائق التالية: كل عشرة فلسطينيين في محافظة القدس يقابلهم سبعة مستوطنين يقيمون في المستوطنات المبنية على أراضي المحافظة. ويبلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين في محافظة القدس 262 ألف مستوطن يسكنون في 26 مستوطنة، منها 16 في منطقة (J1) ويسكن فيها 196 ألف مستوطن، و10 في منطقة (J2) ويسكن فيها 66 ألف مستوطن.

وهناك أكثر من 20 ألف قرار على لائحة الهدم الإسرائيلية، نظرا لعدم حصول أصحابها على تراخيص بناء بسبب الإجراءات المعقدة للحصول على تراخيص.

ويلحظ المتابع أن النشاط الاستيطاني -وخاصة في مدينة القدس- قد ارتفع بوتيرة عالية خلال الأشهر الماضية من عمر الثورات العربية، حيث انشغلت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة على حد سواء بالتحولات الديمقراطية في الدول العربية.

وفي مجال التعليم تم إصدار قانون تهويد التعليم ويرمي إلى طرد أكثر من ثلاثين ألف طالب مقدسي إلى خارج مدينتهم، وتسعى من وراء استصدار القوانين المتلاحقة بشأن القدس لجعل المقدسيين أصحاب الأرض أقلية لا تتجاوز نسبتها 12% من إجمالي سكان مدينة القدس بقسميها الغربي والشرقي.

إجراءات تعزيز الصمود

الحقائق تؤكد أن قيمة الدعم الذي قدم للقدس فلسطينيا وعربيا وإسلاميا منذ احتلالها عام 1967م لا يساوي قيمة ما قدمه المليونير اليهودي (موسكوفيتش) الذي سخر كافة استثماراته لتهويد القدس العربية والاستثمار فيها بمشاريع مختلفة

ولأن المقدسيين يخوضون صراعًا لأجل البقاء، فلم يعد يجديهم الدعم بالتصريحات والبيانات والفتاوى، وإنما ينفعهم المواقف العملية والمبادرات الشعبية والتحركات اللوجستية ونذكر منها:

1) تبني مشروع اقتصادي لإعادة إحياء كامل وإنعاش للاقتصاد المقدسي بتوجيه عربي وإسلامي.

2) تقوية الاقتصاد المقدسي من خلال عمل شراكات لرجال الأعمال العرب مع نظرائهم المقدسيين.

3) دعم الأوقاف في فلسطين بما تحتاجه من نظم أو موارد أو أساليب استثمار، وإنشاء أوقاف خارج فلسطين تكون مشروطة لدعم المجتمع الفلسطيني ورعاية مصالحه وتعزيز صموده وخاصة في مدينة القدس.

4) تنويع برامج الدعم وعدم حصرها في المجال السياسي وتقديم حزمة مبادرات إعلامية وصحية وتعليمية واستثمارية وسياحية وإغاثية تسد الفجوات الموجودة.

5) تشجيع المبادرات الأهلية والشعبية في دعم المقدسيين.
*ينابيع تربوية*
أضافة تعليق