مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
تحالف طهران وموسكو.. وأسئلته المشروعة حول توازنات المنطقة
هويدي 15-1-2001

في ختام زيارته لطهران سئل وزير الدفاع الروسي عما اذا كان لزيارته ـ التي تمت قبل اسابيع قليلة ـ علاقة بمشروع «التحالف الاستراتيجي» الذي عرضه الرئيس الروسي بوتين على الرئيس خاتمي اثناء لقائهما الاخير في نيويورك، كما سئل عن مضمون ذلك التحالف. رد الوزير الروسي سيرجييف قائلا انه يزور ايران في اطار «العلاقات الدافئة» القائمة بين البلدين، وان المقصود بالتحالف المفترض هو ان تعاون البلدين بعيد المدى.
غير ان هذه الاجابة المقتضبة لم ترض وزير الدفاع الايراني، الادميرال علي شمخاني، الذي كان حاضرا المؤتمر الصحافي فتدخل في الحوار معلنا انه سيتطوع بالاجابة على السؤال وقال ما خلاصته ان التحالف بين البلدين يفتح الباب واسعا للتعاون العسكري والامني بين طهران وموسكو، الامر الذي يفترض انه سيسمح للعسكريين الايرانيين بالتدريب في روسيا، كما انه سيسمح بتعاون البلدين في العديد من المجالات العسكرية الاخرى، التي من شأنها ان تعزز قدرات البلدين وتحمي مصالحهما.
حين وصلت الى طهران لم تكن زيارة الوزير الروسي ضمن اهتماماتي، لان صدى الزيارة في الاعلام العربي كان متواضعا، بحيث عوملت بحسبانها من قبيل الزيارات الروتينية التي تتم بين مسؤولي الدول المتجاورة ذات المصالح المشتركة. غير أني سمعت خلال الاربع وعشرين ساعة التي اعقبت وصولي طنينا لا تخطئه اذن، محوره هو هذه الزيارة التي وصفت في الصحف الايرانية بأنها «تاريخية» وهو وصف لم اكترث له لاول وهلة بعدما كثر ابتزاله في خطابنا الاعلامي، حيث جرى العرف على استخدامه في اضفاء حالة من الاهمية على انشطة «المسؤولين» التي هي دائما «تاريخية». غير انني لم استطع ان اقاوم فضولا دفعني اليه استمرار الطنين، لمحاولة تحري الحقيقة في الموضوع، وما اذا كانت «التاريخية» التي تعددت الاشارة اليها بشكل لافت للنظر حقيقة أم مغشوشة.
اول ما سمعته من الدبلوماسيين في العاصمة الايرانية هو ان روسيا عرضت في مباحثات سيرجييف تزويد ايران بشبكة رادارات لمراقبة نشاط وتحركات الاساطيل الغربية في الخليج العربي التي تسبب قلقا مستمرا لطهران. سمعت ايضا حوارا بين اثنين من الدبلوماسيين حول ما اذا كانت ايران قد طلبت من الروس طائرات ميج من طراز فأو 31، وسمعت من قال ان ايران بصدد شراء غواصات روسية جديدة. الاهم من هذه التفاصيل انني لاحظت اهتماما شديدا من جانب الدبلوماسيين الغربيين خاصة في طهران بزيارة وزير الدفاع الروسي، ووجدت ان من هؤلاء الدبلوماسيين من يؤمن على تاريخية الزيارة، وحين سألته عن مبررات ذلك الوصف قيل لي ما يلي:
* ان هذه هي المرة الاولى منذ قيام الثورة الاسلامية (عام 79) التي يزور فيها طهران وزير الدفاع في روسيا. وإقدام موسكو على ترتيب تلك الزيارة في عهد الرئيس بوتين فيه اشارة الى انها بصدد فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع طهران.
* ان «الصفحة الجديدة» ليست وصفا افتراضيا وليست استنتاجا، لان الزيارة اعتبرت بمثابة تحول بمعدل 180 درجة عن الموقف الذي التزمت به موسكو منذ خمس سنوات، أعني بذلك الموقف الذي نشأ عقب الضغوط القوية التي مارستها واشنطن على موسكو لوقف أي صورة من صور التعاون مع ايران، خصوصا في مجالات بيع السلاح وقد رضخت روسيا لتلك الضغوط، ووقع رئيس وزرائها آنذاك ايجور تشيرنوميردين اتفاقا بهذا المعنى مع نائب الرئيس الامريكي آل جور وإن استمرت روسيا في تنفيذ مشروع بناء محطة بوشهر النووية محتجة في ذلك بأن العقد وقع قبل توقيع الاتفاق، وان موسكو كانت قد حصلت وقتذاك على معظم مستحقاتها المالية، فضلا عن ان المحطة ليست مزودة بامكانات تساعد ايران على تخصيب اليورانيوم ومن ثم انتاج القنبلة الذرية، هذا الاتفاق فسخ تماما الان بل ان الادميرال شمخاني قال في المؤتمر الصحافي انه «دفن الى غير رجعة» ولم يعترض الوزير الروسي على هذه المقولة.
* ان الزيارة جاءت اعلانا عن توجه جديد لروسيا في عهد الرئيس بوتين، يختلف عما جرى عليه العمل في عهد الرئيس يلتسين، الذي كان استسلامه واضحا للضغوط الامريكية. ربما ساعد على ذلك التوجه الجديد ان روسيا اصبحت تستشعر ان الولايات المتحدة الامريكية تضغط لحصارها وتمارس تحركات في المجال الحيوي الروسي بما يهدد امنها القومي، وذلك واضح في حلف الناتو لبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ومن التحركات الامريكية في مناطق البلطيق وبحر قزوين، خصوصا في اذربيجان، ازاء ذلك فان موسكو بوتين ارادت ان تعزز دفاعاتها وان تعبر عن ضيقها ورفضها للتحركات الامريكية، فمدت جسورها الى طهران والى دلهي وبكين وهي اهم عواصم القوى الاساسية في آسيا.
* ان روسيا وهي توثق علاقاتها بايران انما تتطلع ايضا الى «الحياة الدافئة» في منطقة الخليج، التي تحتل اهمية خاصة في الاستراتيجية الروسية من قديم، ليس فقط لاسباب نفطية واستراتيجية، ولكن ايضا لاسباب اقتصادية وتجارية، ولا تستطع موسكو ان تحقق ذلك الاقتراب الا من خلال ايران.
* ان لروسيا وايران موقفا متقاربا ازاء حكومة طالبان في افغانستان وان اختلفت دوافع كل من البلدين، الا ان كليهما يشعر بعدم الارتياح ازاء النظام القائم في كابول ويعتبر سياساته واستمراره من الاسباب المؤدية للقلق في موسكو وطهران، وليس سرا ان البلدين يقدمان عونا الى المعارضة الافغانية للنظام، هو سياسي الوجه بالدرجة الاولى فيما يخص ايران، وعسكري فيما يخص الجانب الروسي.
صحة ما يقول بان ايران في عهد الرئيس خاتمي نجحت في كسر العزلة التي حاولت ان تفرضها عليها واشنطن في اطار ما سمي بسياسة الاحتواء وتبدى ذلك النجاح بصورة اكبر مع اوروبا التي زار الرئيس الايراني اثنتين من دولها (ايطاليا والمانيا) وفي الوقت الذي يتعامل فيه الاتحاد الاوروبي بحذر وشك في النوايا الروسية، فان هذه الحساسية لا وجود لها فيما يتعلق بايران. يضيف المحللون هنا ايضا ان موسكو تدرك جيدا ان ثمة خيوطا تنسج الآن في العلاقات الايرانية ـ الامريكية، الامر الذي تتحسب له روسيا مستقبلا ولذلك فانها سارعت الى تأسيس واقع على الخارطة السياسية يثبت بدرجة اكبر علاقاتها مع ايران، فاستبقت الى عرض فكرة التحالف الاستراتيجي.
ليس سرا ان طهران رحبت بالعرض الروسي الى حد انها لمحت الى زيارة يفترض ان يقوم بها الى موسكو في الربيع القادم الرئيس محمد خاتمي، اي بعد انتخابات رئاسة الجمهورية، لكي يستهل بها ولايته الثانية. طهران رحبت بالعرض الروسي لاسباب عديدة:
* فانفتاحها على روسيا يعزز من موقفها السياسي في مواجهة الولايات المتحدة كما يعزز من موقفها في مواجهة حكومة طالبان الافغانية.
وثمة رأي خلاصته ان طهران تعتبر موسكو منذ قيام الثورة جارا مهما للغاية من الناحية الاستراتيجية لذلك فانها حرصت دائما على الاحتفاط بعلاقة ايجابية معها، حتى في ظل عنفوان الثورة الاسلامية، وليس خافيا ان ايران في مقدمة الدول التي تضررت سياستها من سقوط الاتحاد السوفياتي، لان الجار الواحد، اصبح الآن ست جمهوريات مستقلة نسبيا، كلها تعج بالمشاكل السياسية والعرقية، وقد ارتفعت وتيرة القلق في طهران عقب ورود شواهد تؤكد الحضور القوي للنشاط الاستخباري الاسرائيلي في دول وسط آسيا، خصوصا اذربيجان واوزبكستان، التي يقال انها اصبحت مركز «الموساد» في المنطقة.
واضافة الى ذلك فايران تريد تطور الاسلحة السوفياتية التي لديها (الدبابات والطائرات بالدرجة الاولى) سواء من خلال تحديثها أو قطع الغيار لها، وهي الامور التي علقت منذ عام 95، ولم يحدث فيها أي تقدم وليس من شك في ان التطور الذي شهدته العلاقات الان سيحدث طفرة في مجال التسليح الايراني، وهو ما ترحب به موسكو كما هو ظاهر، لان روسيا تعتبر ايران النفطية اول الاسواق الهامة لبيع سلاحها، وهو ما يعد المصدر الاهم للعملات الصعبة.
* في الوقت ذاته فان طهران تسعى بدورها الى تأسيس «كتلة آسيوية» في مواجهة هيمنة الولايات المتحدة، في تمرد على نظام القطب الواحد، لا تنفرد به، وانما تشاركها فيه دول اخرى مهمة في مقدمتها روسيا والصين والهند، ومعروف ان الرئيس خاتمي زار الصين في العام الماضي، ولفت النظر آنذاك انه اصطحب وزير الدفاع الادميرال شمخاني وعرف في وقت لاحق ان مباحثاته في بكين شملت امورا عسكرية وهو ما تكشف حين بقي الادميرال شمخاني في بكين لعدة ايام عقب عودة الرئيس خاتمي الى بلاده لاستكمال المسائل العسكرية التي شملتها المباحثات، ويبدو ان واشنطن استشعرت اهمية الزيارة في هذه الناحية، فأوفدت وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت الى بكين في اليوم التالي لوصول الرئيس خاتمي اليها حاملة رسالة من الرئيس الامريكي نستطيع ان نتصور مضمونها، خصوصا اننا لا نتصور ان ذلك التزامن هو مجرد مصادفة.
في الوقت ذاته فثمة اتفاق بين طهران ودلهي على مد انبوب للغاز من الاراضي الايرانية الى الهند عبر باكستان الامر الذي له دلالته في التعبير عن التطور الايجابي في علاقات البلدين ومعروف ان للهند موقف المعارض لنظام طالبان في افغانستان، الامر الذي يشكل نقطة لقاء اخرى مع ايران على ذلك الصعيد.
لقد حرص وزيرا الدفاع الايراني والروسي في مؤتمرهما الصحافي على التأكيد على ان تحالف البلدين الذي هو في حقيقته تعاون عسكري واسع النطاق، ليس موجها ضد أي طرف ثالث، ورغم ان ثمة اتفاقا على ان هذا الكلام موجه الى الولايات المتحدة الامريكية، التي لم تكن سعيدة بالحدث، حتى ان مجلتيها الشهيرتين «نيوزويك» و«تايم» وصفتا بوتين بأنه «رجل المتاعب».. اقول رغم ذلك فان هذا التطور لا بد ان يستدعي الى الذهن العربي سؤالا عن مدى تأثير التحالف على موقف ايران من الجزر الإماراتية الثلاث؟
أضافة تعليق