مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إنهـــــــــا الكـاشــــــــفة
هويدي 9-4-2002

إذا جاز لي أن أمد البصر إلي ما وراء السحب القاتمة التي تكاد تسد علينا الأفق الآن‏,‏ وأصف نوازل الساعة في منطقتنا فلن أتردد في وصفها بالكاشفة‏,‏ ذلك أن هذا الذي يحز في نفوسنا‏,‏ ويثقل قلوبنا بالهم والحزن حتي يكاد يزلزل فينا اليقين‏,‏ جاء كاشفا لكل شيء حولنا‏,‏ مسقطا للأقنعة ومبددا للأوهام‏,‏ ونازعا أوراق التوت عن الأوزان والأحجام

‏(1)‏
قبل أي كلام فإنني أدعو بشدة إلي الكف عن لطم الخدود وشق الجيوب وندب الحظوظ‏,‏ أهم منذ ذلك أدعو إلي وقف توزيع الاتهامات‏,‏ وتبادل الشتائم والغمز واللمز الذي يمارسه البعض بلا مسئولية في عدد من العواصم العربية‏,‏ فلا هذه ساعة القنوط‏,‏ ولا هو أوان تصفية الحسابات وشق الصفوف‏.‏
إننا بحاجة إلي إعادة قراءة المشهد الفلسطيني ووضعه في إطاره الطبيعي الذي يستحقه‏,‏ وفي هذا الصدد فإنني أتفق مع ما عبر عنه الكاتب الأردني الأستاذ طارق مصاروة‏,‏ حين قال‏:‏ إن الذي يحدث في فلسطين الآن ـ في حقيقته ـ ليس عدوانا إسرائيليا علي شعب فلسطين‏,‏ وإنما هو ثورة التحرير المتصاعدة في مواجهة الاحتلال‏,‏ والتحول الطبيعي لقوي النضال الفلسطيني من الاحتجاج‏,‏ ومعارك الحجارة‏,‏ إلي حرب التحرير‏..‏ تماما كحرب التحرير في الجزائر‏,‏ وفيتنام‏,‏ وكل إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطي‏.‏

وإذا كانت اقتحامات العدو لمدن رام الله والبيرة وبيت لحم وقلقيلية قد تجاوزت ما نظنه نحن بأنه حدود العراك‏,‏ فإن الفلسطينيين اقتحموا هم أيضا تل أبيب والقدس الغربية وحيفا وناتانيا‏,‏ ودمروا كما دمرت الدبابات الإسرائيلية وهددوا الدولة اليهودية كتهديدها للسلطة الوطنية وقيادتها‏.‏
فهذه هي حرب التحرير‏,‏ ويجب ألا يخيفنا مشهد الدبابات التي تدخل الشوارع الفلسطينية‏,‏ فإسرائيل تخاف من كل فلسطيني يدخل مقهي أو يمر في الشارع أو يشتري من محل تجاري‏..‏ تخاف من كل فلسطيني أو كل من يشبه الفلسطينين‏!(‏ القدس العربي ـ‏4/5).‏

إن هذا الذي يحدث في فلسطين الآن هو الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون لتحرير بلادهم من الاحتلال‏,‏ وهو ثمن غال حقا‏,‏ لكن لا ننسي أن الهدف كبير أيضا وأن الحلم يستحقه بامتياز‏,‏ أما الخطيئة الكبري فهي أن يهدر كل ما بذل‏,‏ ويهون من شأنه‏,‏ بحيث يكتفي في مقابلة بمجرد الجلوس علي طاولة المفاوضات‏.‏
وإذ أدعو إلي فهم ما يجري في فلسطين علي ذلك النحو‏,‏ فإن ذلك لا يعفي الأطراف العربية من مسئولية التضامن مع النضال الفلسطيني‏,‏ ليس فقط لأنه شقيق‏,‏ ولكن أيضا لأن دعم النضال الفلسطيني هو في الوقت نفسه دفاع عن الأمن القومي العربي‏,‏ وصد للغزوة الصهيونية التي هي في نهاية المطاف جزء من مشروع الهيمنة الغربية علي المنطقة‏.‏

ليس المفجع ما يحدث في فلسطين‏,‏ لكنه تلك الريح المسمومة التي لاحت نذرها أخيرا في الأفق العربي‏,‏ متمثلة في مقدمات حملة تبادل الشتائم والاتهامات بين بعض العواصم العربية‏,‏ ولئن وصفت ما بدا من تلك الحملة باعتبارها موقفا غير مسئول‏,‏ إلا أنه يستحق توصيفا أقسي وأكثر حدة‏,‏ خصوصا إذا صدر عن عواصم لها وزنها‏,‏ وعبر بعض المنابر التي يفترض أنها تتمتع ببعض الاحترام‏.‏
نعم هناك تفاوت في الحسابات والمواقف العربية نفهمه‏,‏ لكني أزعم أن الظرف الراهن يقتضي احتواء الخلافات وتذويبها‏,‏ وليس إبرازها وتعميقها واستخدامها مادة في التراشق الإعلامي‏,‏ كما أفهم أن العواصم الكبيرة ينبغي أن تستعلي فوق مثل هذه الأمور‏,‏ بحيث تشغل نفسها بالكليات والأهداف الكبيرة‏,‏ وتمتنع بحزم عن التورط في أية معارك جانبية صغيرة‏,‏ من تلك التي تجيدها وتسعد بها أبواق الإثارة المفتقرة إلي البراءة‏.‏

‏(2)‏
أريد أن ألفت الانتباه أيضا إلي أن قتامة المشهد وغزارة الدم المراق‏,‏ والقشعريرة التي تستبد بنا ونحن نسمع أنات الثكالي‏,‏ أو نري الجثث الملقاة في الشوارع‏,‏ ذلك كله ينبغي ألا يحجب عنا رؤية شعاعات الفجر الآتي من رحم ظلمة الليل الحالك‏,‏ فتلك سنة الله في خلقه‏,‏ وذلك درس التاريخ الذي يعجز الطواغيت والجبابرة عن استيعابه‏.‏

نعم‏..‏ العدو في المشهد الفلسطيني مدجج بكل سلاح‏,‏ ومدعوم ومؤيد بأعتي قوي الأرض‏,‏ لكننا لم نعرف أن مثل ذلك العدو نجح في تحدي السنن والوقوف أمام عجلة التاريخ‏,‏ ذلك أن نضال الشعوب هو الذي ينتصر في نهاية المطاف‏,‏ مهما طال الزمن‏,‏ ولئن كانت تلك سنة الحياة وقانونها الأبدي‏,‏ فإنها تكتسب وضعا خاصا حين يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني‏,‏ الذي يتمتع بقدرة مذهلة علي الثبات والمقاومة‏,‏ وفشلت طيلة نصف القرن الأخير علي الأقل محاولات تركيعه وكسر إرادته‏,‏ وبات غنيا عن القول أن الذين لا يهابون الموت‏,‏ ويتسابقون علي الشهادة‏,‏ هم الأجدر بالحياة والمؤهلون أكثر من غيرهم لتلقي بشارات النصر وبلوغ الحلم‏.‏
أحسب أن الإسرائيليين أصبحوا يعون هذه الحقيقة جيدا‏,‏ من حيث أنهم أدركوا أن إلغاء الحلم أو إجهاضه ليس ضد السنن وضد التاريخ فحسب‏,‏ ولكن كل الشواهد العملية أكدت أيضا استحالته‏.‏ لذلك فإن ما يسعون إليه الآن هو تقليص الحلم واختزاله وتشويهه قدر الإمكان‏,‏ الأمر الذي يسوغ لنا أن نقول إنهم لا يحاربون الآن من أجل هل تقوم الدولة الفلسطينية أم لا‏,‏ ولكنهم يخوضون حرب التفاصيل‏:‏ حول أين وكيف ومتي؟

‏(3)‏
مثلما كشفت الأحداث عن حدود القدرة الفلسطينية علي الصمود والمقاومة‏,‏ فإنها كشفت أيضا عن حدود القدرة العربية علي الفعل والتأثير‏,‏ سياسيا وعسكريا واقتصاديا‏.‏ إذ بوسعنا أن نقول إن تلك الحدود من التواضع بحيث إنها عجزت حتي الآن عن أن تفعل شيئا يؤثر إيجابيا علي مجري الأحداث‏,‏ وليس من شك أن تهافت القدرة العربية علي التأثير هو الذي شجع الولايات المتحدة علي أن تذهب إلي ما ذهبت إليه في الجهر بتسويغ الاجتياح الإسرائيلي والدفاع عنه‏.‏
إننا نتحدث كثيرا عما يدبره الآخرون ويفعلونه‏,‏ في حين أن ذلك كله يندرج تحت عنوان قيامهم بواجبهم إزاء مصالحهم أو تطلعاتهم‏,‏ التي نراها نحن شرورا وأطماعا‏,‏ لكننا قليلا ما نتطلع إلي المرآة لكي نري وجوهنا جيدا‏,‏ ونسأل أنفسنا عما إذا كنا قد قمنا حقا بما علينا لرفع كفاءتنا في الدفاع عن حقوقنا ومستقبلنا‏,‏ والكفاءة التي أعنيها تشمل البنية السياسية والقوة الاقتصادية والقدرة العسكرية‏.‏

لسنا نبالغ إذا قلنا إن ذلك لم يحدث‏,‏ لا علي المستوي القطري‏,‏ أو الإقليمي‏,‏ ناهيك عن المستوي القومي‏,‏ ولا أريد أن أستثني قطرا عربيا‏,‏ كما أنني لا أريد أن أدخل في الجدل حول من الذي عليه تقع مسئولية التصدي في الوقت الراهن‏,‏ دول الطوق التي لها حدودها مع إسرائيل‏,‏ أم دول النفط التي تملأ الجيوب الأمريكية بالمال‏,‏ ذلك أن المسئولية موزعة علي الجميع ربما بالتساوي‏,‏ وليس هذا أوان مزايدة كل طرف علي الآخر أو اتهامه‏.‏
غاية ما قدمه العرب أنهم أعلنوا مبادرة للسلام‏,‏ رد عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد‏24‏ ساعة فقط بقرع طبول الحرب‏,‏ وفي حين ظل العرب يرددون مقولة إن السلام خيارهم الاستراتيجي‏,‏ فإن إسرائيل ما برحت تسلح نفسها وتحشد قواها مبقية علي خيار الحرب‏.‏ وإذ فقد شعار العرب المرفوع قدرتهم علي الردع‏,‏ فإن ذلك أفقدهم تلقائيا القدرة علي إحلال السلام‏,‏ بالمقابل فإن إسرائيل استقبلت ذلك كله بثقة متزايدة مكنتها من توظيف السلام لمصلحة استمرار الاحتلال‏,‏ كما شجعتها علي السعي الحثيث إلي تحويل السلام إلي استسلام كامل‏.‏

وحده النظر الحصيف إلي المرآة‏,‏ الذي لابد أن يستصحب حوارا حرا مفتوحا‏,‏ يمكننا من أن نضع أيدينا علي مواضع الخلل في الموقف العربي‏,‏ وعما إذا كان الخلل في الإرادة‏,‏ أم في الهيكل والبنيان‏,‏ وهو ما لم يتم حتي الآن للأسف الشديد‏.‏
خذ جزئية بسيطة جسدت الانكشاف‏,‏ مثل حالة نشطاء السلام الذين قدموا من أقطار عديدة في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية‏,‏ وذهبوا إلي الأرض المحتلة للتضامن مع الرئيس عرفات وسكان المخيمات هناك‏,‏ وهم الذين تحدثت الصحف عن تطوعهم ليكونوا دروعا بشرية رمزية تقف في مواجهة العدوان الإسرائيلي‏,‏ لقد بحثت عن اسم أو وجه لواحد ممن رفعوا رايات السلام وطنطنوا باسمه في بلادنا‏,‏ فلم أجد‏,‏ لقد رأيناهم قبلا في الفنادق الباذخة يعزفون أناشيد السلام مع الإسرائيليين‏,‏ وتابعناهم وهم يدبجون المقالات في الصحف‏,‏ ويلوكون الشعارات عبر القنوات الفضائية‏,‏ لكن حين دقت ساعة الجد‏,‏ وبدا أن السلام سيتحول إلي نضال ومسئولية‏,‏ فإنهم اختفوا من الصورة تماما‏,‏ ولم نعثر لأي منهم علي أثر‏!‏

‏(4)‏
أيضا انكشف الوجه الإسرائيلي القبيح إلي أبعد مدي‏.‏ فقد أصبحت شعبية شارون تتزايد كلما أولغ في الدم الفلسطيني‏,‏ وبعد أن قام باجتياح المدن وحصارها وتجويعها‏,‏ وقطع عنها المياه والكهرباء والغاز‏,‏ وبعد أن عزل عرفات وقصف مقره‏,‏ وأصبحت جثث الفلسطينيين متناثرة في الشوارع‏,‏ وجرحاهم يمنع إنقاذهم أو يخطفون من المستشفيات‏,‏ بعد ذلك كله ارتفعت شعبية شارون‏,‏ ودلت الاستطلاعات علي أن ثلاثة من كل أربعة يؤيدونه‏.‏
ليس ذلك فحسب‏,‏ وإنما أصبح‏46%‏ من الإسرائيليين يرون أن ترحيل الفلسطينيين وإلقاءهم وراء الحدود هو الحل‏,‏ في دعوة غير خافية للتطهير العرقي‏(‏ في سنة‏1992‏ أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة التطهير العرقي الذي قام به الصرب في البوسنة واعتبرته شكلا من أشكال الإبادة‏),‏ ونقلت جريدة هاآرتس واسعة الانتشار‏(‏ في‏3/25)‏ تقريرا حول إجازة التوراة لعملية الطرد‏(‏ الترانسفير‏),‏ تحدث عن الجدل الدائر حول شرعية الطرد في إسرائيل‏,‏ مما يشير إلي تزايد الاهتمام بالفكرة باعتبارها حلا متاحا‏.‏

هذه المؤشرات تطرح علينا بقوة السؤال التالي وتشكك في إجابته‏:‏ هل المجتمع الإسرائيلي راغب حقا في السلام ومستعد له؟‏!‏
انكشفت بذات القدر لعبة حركات السلام في إسرائيل‏,‏ وكما حدث في كل مواجهة سابقة‏,‏ فإنه حين تتعرض مثل هذه الحركات لاختبار حقيقي‏,‏ فإنها تختفي من الوجود‏,‏ وتجد مكان اصطفافها الحقيقي إلي جانب مشروع الإبادة‏,‏ وتتحول إلي فصيل مقاتل تحت رايته‏.‏

أما الذي انفضح علي نحو يخرس ألسنة المتصهينين العرب ومن لف لفهم‏,‏ فهو حزب العمل الذي هو شريك أ ساسي في حكومة شارون الحالية‏,‏ ليس ذلك فحسب وإنما الذي يدير معركة الإبادة الحقيقية علي الجبهتين السياسية والعسكرية هم قيادات حزب العمل‏:‏ بيريز وزير الخارجية‏,‏ وبن إليعازر وزير الدفاع‏,‏ وموفاز رئيس الأركان‏,‏ وهو ما يبطل إلي الأبد ذريعة المهزومين والمراوغين الذين ما برحوا يراهنون علي حزب العمل‏,‏ زاعمين أن شارون وأمثاله من الصقور هم المشكلة‏,‏ وهي حجة نسفها شارون نفسه‏,‏ حيث أشرك الجميع في الوزارة‏,‏ لكي يؤكد ـ ربما علي غير رغبة منه ـ أن الفروق بين النخبة الإسرائيلية في الفروع وليس في الأصول‏,‏ وأنهم علي قلب رجل واحد في المقاصد والأهداف العليا‏.‏
هل نضيف إلي ما سبق أن مشروع السلام كله انكشفت حقيقته‏,‏ وأن شارون جاء لينفذ بالقوة ما سعي أسلافه إلي تنفيذه بالحيلة والسياسة؟ لست بحاجة لأن نفصل في الإجابة‏,‏ لأن كل ما بني خلال السنوات العشر السابقة تم تعويضه سياسيا وعمرانيا‏,‏ الأمر الذي عاد بالملف إلي نقطة الصفر‏,‏ وحول أي كلام عن اتفاقات أو تفاهمات سابقة من قبيل الثرثرة واللغو‏,‏ الذي يعد مضيعة للوقت‏,‏ وتبديدا للطاقة والجهد‏,‏ ناهيك عن أن العودة إلي تلك الأحاديث لم تعد واردة الآن‏,‏ بعد الثمن الباهظ الذي دفع‏,‏ وشلال الدم الذي أغرق الأرض المحتلة‏.‏

‏(5)‏
أم العورات التي انكشفت كانت الإدارة الأمريكية‏,‏ ذلك أننا نعرف كم هي منحازة الولايات المتحدة لإسرائيل منذ تأسيسها في عام‏1948,‏ لكننا كنا نلاحظ أن ذلك التحيز كان يتم ببعض الحياء أحيانا‏,‏ والاحتشام في أحيان أخري‏,‏ وقدرنا مواقف قيادات أمريكية حظيت بدرجات متفاوتة من الاحترام‏,‏ مثل ودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت ودوايت ايزنهاور وجون كنيدي‏,‏ لكن ما فعله الرئيس الحالي جورج بوش وفريقه فاق كل ما كان متوقعا‏,‏ سواء في انفضاح الازدراء بالعرب أو الاستخذاء أمام الإسرائيليين‏.‏
لم يعد سرا أن الاجتياح الإسرائيلي للمدن الفلسطينية وحصار عرفات ما كان له أن يتم ما لم يكن هناك ضوء أخضر من واشنطن‏,‏ ودخل السر حيز العلن رسميا يومي‏29‏ و‏3/30‏ ـ مع بداية الاجتياح ـ حين تحدث أولا وزير الخارجية كولين باول وبعده جاءت تصريحات الرئيس بوش في اليوم التالي مباشرة‏,‏ وبدا كلامه معبرا عن استهتار واضح‏,‏ حتي بقرار مجلس الأمن الأخير‏(‏ رقم‏1402)‏ الذي صدقت عليه الولايات المتحدة‏,‏ قدمت تصريحات الرجلين دعما واضحا للغزو الإسرائيلي‏,‏ حيث ألقت مسئوليته علي كاهل الرئيس عرفات‏,‏ وأعربت عن التعاطف المدهش مع الدوافع الإسرائيلية وراء الغزو‏,‏ وتجاهلت الآلام الفلسطينية والرأي العام العربي كله‏.‏

وفي التعليق علي تلك التصريحات قال أحد الكتاب الدكتور بشير نافع‏:‏ إن من تابعها من العرب علي خلفية الدمار والدماء التي اجتاحت شوارع رام الله لابد أن يتساءل بدوره‏:‏ لماذا يكرهوننا إلي ذلك الحد أولئك المسئولون الأمريكيون؟ أما الشاعر محمود درويش فقد وصف موقف البيت الأبيض بأنه ألغي واو العطف النسبية التي كانت تقع بين إسرائيل وأمريكا‏!‏
في هذه الأجواء ما كان يتصور أحد أن يوفد الرئيس الأمريكي مبعوثا إلي المنطقة لمناقشة التفاهمات التي قبلها الطرفان‏,‏ ثم يحدد شارون إقامته في أحد فنادق تل أبيب‏,‏ ويمنعه من الاتصال بالرئيس عرفات‏.‏ وحين يسمح له بالالتقاء مرة يتيمة‏,‏ ويحاول الجنرال زيني معاودة الاجتماع بعرفات مرة ثانية‏,‏ فإنه يمنع من ذلك بأمر من شارون‏,‏ حدث ذلك كله بينما البيت الأبيض ملتزم بالصمت‏,‏ بل إن الرئيس بوش نفسه حين دعا مرتين إلي انسحاب إسرائيل من المدن التي احتلتها‏,‏ بعد أن حمل أبو عمار بالمسئولية عن العنف‏,‏ فإن شارون ضرب بالكلام عرض الحائط واستمر في اجتياح المزيد من المدن‏.‏

كل ذلك والرئيس الأمريكي معتصم بسكوت عالمثالثي مدهش‏,‏ الأمر الذي يحير المرء بحيث لا يعرف سر السكوت‏,‏ وهل هو عن استقواء واستكبار من شارون‏,‏ أم انكسار واستخذاء من بوش‏,‏ أم أنه تفويت من الأخير حتي يضمن أصوات اليهود في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في الخريف المقبل‏.‏
أيا كان الأمر فمجمل الموقف الأمريكي من هذه الزاوية يرشح بجدارة لأن يأخذ مكانه في أية جريدة تحت عنوان‏:‏ صدق أو لا تصدق‏!‏
أضافة تعليق