مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/01/09 01:41
دعيني أمسح دمعتك

دعيني أمسح دمعتك…

لم تقولي لي حجم الجرح في قلبك لكني أحسست به فهممت بقراءة رسالتك المرسلة إلي ونور شمعتي يضيء لي ما أفسده عني المصباح من انقطاع للكهرباء.. لكن لم يختل توازن هدوئي لأني أهدأ في الظلام استجابة لوحشة المنظر.

قرأت السطر تلو الآخر وأعدت التركيز في بعضها لأفهم عنك سر ضعفك وهذا ما يهمني حينما أجيب عن قرائي. بدا لي الليل طويلا وقاسيا وأنا أتأثر لأسطر تمايلت أمامي يمنة ويسرة من شدة هول المحن التي مررت بها، احتجت لمزيد من الهدوء بل هدأت أكثر لأن كلمات عذابك أسقطت كبريائي في لحظة تخمين حيث فقدت نوعاً ما تماسكي بيني وبين نفسي، لكن فهمت في نهاية المطاف كل شيء.. وبدأت لأجيبك أختي عن رسالتك، وإليك محتواها.

إن القلب ليحزن والعين لتدمع والعقل ليشرد والصدر ليضيق حين تباغتنا الحياة بأمور ومشاكل لم تكن في الحسبان ولم نكن لحظتها أهلاً لذاك التردي في مستوى العيش وفي مستوى المحبة والطمأنينة، ما أخبرتني به أنك ألفت مستوى راق في العيش ومحبة منقطعة النظير من أهلك وبالأخص من والديك وفجأة تحولت حياتك إلى جحيم كلها كراهية وفرقة ومرض تبعه ضعف وفشل في تحصيلك الدراسي والسبب لا تعرفينه على الإطلاق ولكن الظروف تغيرت إلى النقيض وأكسبتك حيرة وكرها للحياة.

أخيتي: أقولها لك بكل صراحة وليس يثنيني أن أمد يدي إلى خدك لأمسح دمعتك الصادقة فلو لم تكن صادقة لما أصريت على معرفة الحقيقة، ومن يصر على الحقيقة حتما يلح على معرفة الحل بعد ادراكه لخطئه أو تقصيره أو تجاوزاته، دعيني أمسح دمعتك بكل حنان وأقولها لك خيراً تلقينه وأنت في ريعان شبابك تنتابك حيرة من هذا النوع ومن حقك أن تحتاري ووصال العائلة في شقاق عنك، من حقك أن تبكي وصحتك اغتالت فيك نضارة شبابك، من حقك ان تبكي وانت تغادرين مدرجات الجامعة ولا تعرفين إلى أين بالضبط! هل الفرار إلى أحضان المجتمع الذي لن يرحمك مهما وصفت له آلامك، أم الفرار إلى جوار العائلة التي لم تحسن احتضانك في محنتك.

أقولها لك بعد أن أقطع عنك لقطة التيه إن تفري إلى الله، توقفي عن التفكير في تشتيت طاقة لن تصلي بها إلى راحة بغير أن تعودي إلى الله لتنكسري إليه في سجودك وتقري له بكل ما تشعرين به وبكل ما تحسين من يأس وانكسار، فأول صدماتك كانت في أسرتك والسبب غير واضح بالضبط سوى أنه تحول طرأ فجأة على حياتك، هذا التحول جعل من يومياتك جحيماً يوقد ناره صباحاً ويلهب حريقه مساءً لتنامي على فراش الاحباط وكيف لا تحبطين وبوصلة الأمان في الأسرة في تيه هي الأخرى، فهل سيكون لربان السفينة وضوح في الرؤية حتى يدير سفينته في الاتجاه الصحيح؟

هوني عليك ولا تحزني فيا ما تحطم شباب أمام تيه أفقدهم طعم الحياة فانحازوا إلى لذة المخدرات والفساد الأخلاقي علهم يتخلصون من عقدة الضياع، ولم ولن يتخلصوا مهما نوعوا من أساليب المتعة، لذلك فليكن الفرار إلى الواحد الأحد من يسمع مناجاتك ويرحم ضعفك ويبدل حزنك فرحاً، هوني عليك في البدء وانطلقي في صفقة جديدة مع الله ولتكن مطيتها حسن التوكل عليه واجعلي مجدافيك يقينك به أنه مخلصك ومنجيك مما أنت فيه، ضعي برنامجا جديدا يوميا في حياتك فيه ورد من القرآن تقرئينه كل يوم، وتقربي أكثر من الله، أقول أكثر من ذي قبل بصلاة النوافل وقيام الليل والاستغفار.

اجعلي هذا البرنامج مخططا جديدا في حياتك، اسألي الله حاجتك وأهلك نيام، ابكي على سجادتك حيث لا أحد يراك ما عدا الله، ابكي له بخشوع وبصدق رغبتك أنك تريدين رحمته وكشف الضر عنك، وليتخلل الصبر هذا البرنامج ولا تقطعيه مهما كانت ظروفك، مهما قست عليك رياح الغربة، مهما أردتك رياح الفتن أرضاً واسكبت عليك قطرات الأسى شوقاً، قومي من جديد وارفعي رأسك إلى السماء ولتتركي دمعتك تنهمر في يقين منك أن الله سيكشف عنك هذا الهم يوما ما، قد لا تعرفينه متى لكنه منكشف بإذنه تعالى ما صدقت معه وما ألحقت نيتك في التغيير بمراجعة صريحة لمسيرة حياتك إذا كانت ثمة أخطاء ارتكبتيها مع أشخاص صدقوا معك فلم تحسني العشرة معهم، أو ربما ظلمت شخصا في مكان ما وفي موقف من المواقف ولم تتطلبي صفحا وعفوا، أو ربما كسرت خاطر والدتك فانعزلت بنفسها في صمت رهيب كان بمثابة الغضب منك لكنها لم تخبرك به.

راجعي نفسك في لقطة مع جارة لك جرحت شعورها أو تجاوزت حق العشرة معها، نعم راجعي نفسك ربما أكلت اكلاً لم يكن من حلال أو امتدت يدك إلى أمانة ليست لك وتصرفت فيها وكأنها لك، اعيدي الحوار مع نفسك فيما إذا قصرت مع الله في عباداتك أو ابتعدت عن التقرب منه حبا ورجاء في رحمته، كرري مخاطبة نفسك إن سولت لك في لحظة من اللحظات أن تغشي في امتحان أو أنك كنت في موقف لنصرة أختك ولم تقومي بواجبك معها، نعم قفي مع نفسك وقفة صدق ولا تخافي من الخطأ إن عرفته بل خافي أن لا يستيقظ ضميرك في علاج المشكلة التي قمت بها أو الخطأ الذي ارتكبته، وليست القيامة تقوم هنا حينما تعرفين سبب مشكلتك لأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وليس عيباً أن ما بدر منك سلوك ينافي أخلاقك بل العيب أن لا تصححيه التصحيح الأمثل الذي يعيد لك سعادتك وطمأنينتك وصفاء بالك في أسرتك ومع أخواتك في الجامعة.

وأنصح أن لا تتركي للشك منفذاً فتقولي فلان فعل بي كذا أو فلانة قامت بكذا بل ارم بحملك إلى الله وتوكلي عليه واتركي الخلق للخالق يدبر أمورك كيفما يشاء وما فيه الخير لك وأنت طبعا لست تعرفين مواطن الخير واصرفي عن ذهنك مواضع الشر واستخيريه في أمورك واسأليه العفو والعافية وأن يكشف همك ويفرج كربك ويرزقك الخير ويصرف عنك السوء ويبدل حزنك فرحا، ثقي في عظمة الله، ثقي في خالقك وتقربي إليه بنية صادقة، وأكيد يوم الفرج آت وخلاصك بيد الرحمن وحده عز وجل..

أرجو أن أكون قد أوصلت نصحي لك بعد أن مسحت دمعة الضعف فيك لأني لا أحب أن تطال من هنائك.. تذكري دائماً أن هناك قوة أخرجت سيدنا يونس من ظلمات ثلاث وتذكري أن هذه القوة أخرجت سيدنا يوسف من السجن وجعلته وزيراً في مصر، سعيدة أخيتي بمراسلتك، لا تنسيني من دعائك ولست أنساك منه بإذنه تعالى..

 


أضافة تعليق