مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/12/29 20:21
بالرفق و الرحمة يستقيم عود الطاعة
بالرفق و الرحمة يستقيم عود الطاعة
سميرة بيطام

 
أغرب ما يعيشه أولياء هذا العصر هو محاولة عجن أبنائهم عجينة من فكرهم حتى لو كان خاطئا و نسوا بالمقابل أن العقل المعاصر يفكر بنسق آخر ، أما العقل الملتزم فهو القوي في صرامته و الرافض لكل ما من شأنه ذبذبة الدين بداخل من جبل نفسه على صوت فطرة قوية يستمع لرنينها من حين لأخر.
و الأغرب أن أولياء الأمور يكررون مضغ أفكارهم و يحاولون الصاقها في أبنائهم بالقوة ، القوة لا تنفع مع فكر تابع تكونه باستحضار خشية الله و ان لم تتوافق الطاعة مع منطق العقل لن يكون فيه قول نعم لكل شيء..لا أعرف لما يحاول أولياء الأمور تطبيق العنف بالعنف و توجيه العقل بالحرمان كعقاب و تطويع القلب بالكراهية و لو كانت آنية  لأجل ترويض الرفض من الأبناء و جعله انصياعا بالقوة.. ألا يوجد شيء آخر بغير القوة ..صدقا لا أفهم لكني سأفهم مع الوقت كلما بحثت في حالات اجتماعية اشتكت و تعبت و قررت الفرار الى الله في عزلة و أراها أنفع بكثير من مخالطة العباد أو الدخول في صراع مع الأولياء فعواقب هذا الصراع وخيمة  و هم لا يتفهمون و لا يساعدون و لا يحبون و لا يرحمون وبل أحيانا كل همهم بسط القوة في كل شيء لتبدو السلطة متفرعنة باسم الأبوة خاصة ،لأن الأم أحيانا تتراجع و تنحني لعاطفة الحب في كبدها فتعفو و تصفح و تتجاوز..هذا عن أشخاص عاديين فما بالك ان كان أصحاب القوة في سلطة ما ،صدقا هم لا يرون الا أنفسهم و يعجبون بها كثيرا و يبجلون من يمدحهم و ينبذون من ينتقدهم و يضعون ربطة العنق على النحو الذي يزيدهم غرورا ، و ليكن ما كان اكيد سيكون من يكسر هذا
 التجبر من أحد الأولاد و لو أني أكره أن يبدر أي سلوك مناف لتعاليم ديننا الحنيف ، فالبر واجب و لا نقاش فيه ، و لكن فيه نفوس تتعب بسهولة و تنجرح لأدنى كلمة و تحتاج للحماية و الحنان أكثر ما تحتاج اليه الى مال أو كفاية للدراسة لأجل أن يقال بن فلان تفوق و فقط  أو بسط البذخ من باب التبذير أو استعمال جهد الغير كالخدم و الحراس لإرضاء جوع نفسي لا يشبع ، و ليست التربية السليمة في الأمر و النهي او في استعمال العنف و الضغط المتكرر و الأوامر الثقيلة و الغير منتهية ، الأولاد ليسوا آلة تقول حاضر لكل شيء ، بل هي أرواح تحتاج للفتة حب حانية تتجلى  في احتواء طاقة الابن أو البنت و توجيهها التوجيه الصحيح بالتربية الاسلامية  و اعطائها العناية الكافية و الاهتمام بالمشاعر لأجل خلق نفسية متوازنة مشبعة و ليست محرومة متفائلة و ليست كئيبة..متفوقة و ليست منكسرة الخاطر..جميلة الروح منشرحة الصدر و ليست معذبة الفكر و ميؤوس من شفائها نفسيا..صدقا مطلوب وقفة نظر و تدقيق في معاملة الأولياء لأولادهم ، ثم امداد الولد أو البنت بعقيدة سليمة منذ الصغر يتغاضى عنها الأولياء و لا يرون ضرورة للمساءلة في ذلك و لكن ينظرون الى  التوبيخ و التأنيب عما لم يعطوه واجبا بل حقا في أيديهم من باب أنه يجب أن يطيعهم الأبناء..طيب أقولها للأولياء أنتم مسؤولون عما زرعتم و أنتم مسؤولون عن كل اهمال و حرمان و سوء معاملة و تفرقة بين الأولاد و لا أرى ضرورة لتعذيب الأبناء في فترة ما من فترات حياتهم..لا أرى أن النجاح في التربية أو التحكم في الأولاد هو بسط نفوذ غير موزون و بسط احتكار للمشاعر من باب أن الابن ابنك أو البنت بنتك..طيب هو لك لكنهم معذبون تحت جناح  الخوف منك..هم يحملون لقبك لكنهم يشعرون بالغربة معك و يفرون الى حيث يسكن خاطرهم و كم يشتد اعجابي بمن يفر الى الله..يفر الى الله لأنه يبحث عن حقيقة أن يوازن بين البر فلا يرتكب معصية أو يفتح بابا من أبواب العقوق و بين أن يرحم نفسه فيعطيها حقها من الهدوء في العبادة و أظنها أحسن طريقة و أجمل حل حينما تشتد الضغوطات و تكثر القلائل و يصبح الرأس مصدعا من الأوامر و النواهي من غير حلم و طيبة قلب و تفهم عقل واع...ترى متى يعي أولياء الأمور ان التربية هي حب و ثقة و حرية موزونة و مراقبة ، متى يعي أولياء الأمور أن العلاقة بينهم و بين أولادهم هي علاقة صداقة و تبادل لفكر البناء و التحضر و المضي قدما لحمل المشعل على أسس من راحة و رضى و كفاءة عالية في الآداء و ليس ضغط و شتم و قهر و تجريح..فمن كان في السياسة و يريد لابنه أو ابنته أن تكون كذلك ، يجب أن تحب هذا الميدان نفس الشيء للمهن الأخرى ، فضلا أيها الأولياء اتركوا أبنائكم يختارون طموحاتهم بهدوء و قناعة و ميولات شخصية و زنوا تصرفاتكم لكي لا تندموا يوما على فقدانكم لعزيز غالي في الخلق و الطاعة و لم تعرفوا استثمار الكنز الخفي ..لا تضيعوا جواهرا من أبنائكم بسبب سوء تقديركم للأمور..فالبنت الملتزمة جوهرة تنير بيتك و الابن المطيع سند تتكل عليه في كبرك...فارحم ترحم..و إلا فمن يقرر ليمضي في معية الله يكون له هداية و تقوى و اعتدال بدل التصرف بتصرفات تعود بالندم فالعقل يتحمل حدا محدودا من الفهم و الصبر بكأسه يفيض أحيانا ..فضلا  ازرعوا الحب و الرحمة و المساواة بين الأولاد  تجنوا ثمار تعبكم في الدنيا و الآخرة..افهموا معنى البر و استمعوا لرغبة أبنائكم ما لم تخالف شرع الله..و حفزوا طاقة الابداع لديهم و لا تكسروها بتهوركم الغير موزون..

يكفي أن تطبقوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
"إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَهُ ، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَه". 
 و عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق . ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف  وما لا يعطي على ما سواه" .رواه مسلم 2593.


 
 

أضافة تعليق