مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2018/01/02 09:01
مشيت علي الصراط قبل الموعد
في 3 جويلية 2017 فزت بالشراكة مع المكتب الإستشاري شبكة التنمية البشرية الجزائري* بمنحة سفارة أمريكا بالجزائر لأطبق تكوين مكونين في مجال الوساطة و تحسيس ضحايا العنف الأسري بحقوقهم طبقا لقيم الإسلام و قوانين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. لم أكن أعلم حينها و أنا احتفل بالأمر مع أخواتي نوال قلال و مريم حفيظ أنني سأدخل جهنم الأرضية بمليء إرادتي لأكثر من ثلاثة أشهر ، المدة التي تعاقدت فيها مع الجهة الرسمية الأمريكية و التي تمتد بين 15 أكتوبر 2017 إلي 15 جانفي 2018. كنا قد وضعنا خطوط عريضة للمشروع و فكرنا في تفعيل الوساطة الأسرية قبل أن تتوجه ضحية العنف الجسدي إلي القضاء لتقتص من الظالم كان زوجا أبا أو أخا و هذا طبقا لمرجعيتنا القيمية و كنا نود أيضا الخوض في التعديات الجنسية التي تتعرض لها المرأة و الطفل كالجماع بالدبر قهرا أو زنا المحارم و قد قررنا إشراك كل الفاعلين في المجتمع الجزائري من وزارة العدل و وزارة الشؤون الدينية، وزارة التضامن و وزارة التعليم، المجتمع المدني، أجهزة الأمن، القطاع الصحي بالأطباء الشرعيين و الأطباء النفسانيين و القابلات و و و... فإذا بنا نجد أنفسنا في دوامة لا نهاية لها، تتعامل الوزارات الجزائرية بطريقة بدايات القرن العشرين لا بد من فاكس و تنقل إلي مقراتها و نحصل علي وعود براقة ثم نفق علي السراب، وزارة واحدة فقط شرفتنا بإرسال لنا خبراء فاعلين و هي وزارة التضامن و أما جهاز الأمن الوطني طلب رسالة رسمية و تسلم في المكان للمسؤول الذي سيسلمها بدوره للسيد المدير الأمن الوطني و قد أتحفنا ب : "مبادرة فريدة" إلا أننا لم نري يوم تنظيم لقاء الفاعلين الخبراء في فندق حيدرة يوم 14 أكتوبر الماضي خبير فاعل من جهاز الأمن الوطني الجزائري، بسلامتهم رجالنا مشغولين بما هو أهم... و قد أردنا إحضار كمراقبين نواب الأغلبية أي جبهة التحرير الوطني حزب التجمع الوطني الديمقراطي و الكتلة الخضراء كمراقبين للقاء الخبراء الفاعلين/ تصوروا ماذا وقع ؟ وجهنا الدعوات للسيدات النائبات لم ترد علينا ممثلة الكتلة الخضراء و كان علي الإتصال هاتفيا يومين قبل اللقاء للتأكيد علي وجوب حضورهن فإذا بنائبة حزب رئيس الوزراء الحالي تعتذر عن عدم حضورها لإنشغالها بإستدعاء من هيئتها الحزبية فقلت لها : -طيب سيدتي إبحثي لي عمن تعوضك فلا بد أن يكون هناك نائبة عن حزبك في لقاء الخبراء الفاعلين. فقامت مشكورة بالتنسيق مع أخت لها لترسل لي كفاءة جزائرية عن الحزب كانت علي قائمة المترشحات للإنتخابات التشريعية الأخيرة و صراحة سعدنا جدا بوجودها و أستمعنا بإهتمام لوجهة نظرها و أما ممثلة حزب جبهة التحرير الوطني تغيبت دون أن تسمي من تعوضها و قد حاولت مرارا الإتصال بها دون جدوي. فالسيدة النائبة كانت جد مشغولة و قد تجاوزتها الأحداث. و بعض الأطراف حينما نقول لهم منحة سفارة أمريكا ينظرون إليك كأنك مرسول الشيطان. فأمريكا في أذهان الكثيرين في الجزائر هي رديف إسرائيل و سمعت كلام مثل : عفاف سبحان الله أنت تفوزين بمنحة من أعداءنا لتطبقي برنامج يتجاوب مع أجندتهم كيف خنت مبادءك ؟ و عندما أشرح لهم أنني فزت بمنحة و فرضت مشروعي وفق قيمي و قوانين بلدي ينظرون إلي متشككين. و كوني تربيت علي قول الحقيقة فلا طابوهات في ذهني و لا في مخيلتي وجدت نفسي أمام اشخاص يأولون كلامي الحر علي أنه خيانة عظمي؟؟؟؟؟؟؟ أجمل موقف عشته و كان شؤم علي عندما إلتقطت صورة للمكونين المترشحين أمام صورة الرئيس كنيدي فهم قبلوا أخذ صورة معه كونه صديق الجزائر فصححت لهم بتلقائيتي الكارثية : الرئيس كنيدي أخونا رحمه الله و معذرة علي إستعمالي رحمه الله فأنا أقولها بعفوية شديدة. آه يا رب لماذا تعلمت الحديث علي سجيتي دون أن أدور لساني ألف مرة في فمي قبل أن أنطق ؟ و عند إعتراف الرئيس ترامب بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل اصبحت الأجواء مكهربة حولي و كأن عفاف مسؤولة عن قرار الرئيس ترامب السيادي. هو حر في بلده و ما دخلي أنا ؟ هذا و سفارة أمريكا بالجزائر تعرف موقفي من قضية فلسطين إما تحرير كل الأرض من بني صهيون و إما من الأفضل أن تبقي لهم بالكامل. لم أؤمن في حياتي بحل الدولتين الغير الموجود بين قوسين في القرآن الكريم. و تساءلت صديقة و أنا اخبرها بانني سأتغيب نهاية يوم 13 ديسبمر الماضي لأنني سأحضر يوم حقوق الإنسان في سفارة امريكا و كيف لا يجب أن يكون تمييز في اماكن العمل بين المرأة و الرجل. لاحظت لي بلكنة مستنكرة : -عفاف يعقل أن تحضري مناسبة سخيفة مثل هذه و واشنطن تدوس علي حقوق الإنسان في فلسطين ؟ فأضطررت للقول لها : -و ما مشكلتي أنا، فدولة الجزائر لم تقطع علاقاتها الديبلوماسية بدولة أمريكا العظمي ؟ هذا و كانت أيام التكوين رائعة لكن ختامها كان جحيم سقر. و هذا ما جري : وزعنا في اليوم الأول من التكوين البرنامج و قد وضعنا فيه أن المكونين سيتلقون تكوين من مكونة أمريكية في الجزء الأخير من اليوم الثالث و الأخير و قد وضحنا أننا سنعرف بالمكونة إيف سوليفان و منتدي الآباء الذي أسسته في ولاية ماساشوسيتس و البدء معهم الجزء الأول من التكوين :"تعالوا نتقاسم قوتكم" و لحظة ما حان موعد التكوين شرحت شخصيا لماذا تغيبت المكونة الأمريكية السيدة المحترمة إيف سوليفان لأن دولتنا دولة العز و الكرامة لم تمنح إيف التأشيرة و فورا علت وجوه بعض المتكونين ملامح الشك : "لماذا لم تمنح التأشيرة ؟ فيها "إن" و من سيكوننا إذن ؟" قلنا لهم أن المكونة الجزائرية التي كانت معهم من أول يوم و التي تطبق التكوين الجزائري ستتولي عمليه طرح أسئلة التكوين الأمريكي و عليهم بالإيجابة و فقط و من خلال أجوبتهم سيتعلمون شيء جديد عن أنفسهم. فلم يرتاح البعض للأمر و أعتبروا الأسئلة الستة التي طرحت عليهم مريبة و أنهم غير ملزمين بالرد عليها لأنها تدخل سافر في شؤونهم الشخصية. كنت أحاول ضبط أعصابي لأقول لهم بإبتسامة باردة أن أجوبتهم لن تخرج من القاعة و لن تسافر إلي أمريكا و أن هذه الأسئلة هي جزأ من التكوين و ستساعدهم علي تشخيص الطباع العنيفة بين أفراد الأسرة و محاولة علاجها. فسمعت مع أختي مريم حفيظ شريكتي في هذا المشروع المتواضع دروس في الوطنية في غير محلها و كيف أن الإسلام دين متسامح و قد كنت استمع إلي المتدخلين بنوع من الغيظ. فالسيدة الأمريكية أرسلت مع أخ جزائري وصل للتو من أمريكا أدوات ضرورية نحتاجها للتكوين، فإذا به يجد نفسه المسكين محل نظرات الإرتياب من إخوانه في المواطنة. كنت أتمتم بين نفسي "أكبر كارثة في الجزائر نخبة شابة غير واعية غير متحضرة و غير متسامحة" و الحمد لله وجدت عناصر شابة بين المتكونين ممن أنقذت الموقف و تلطفت اجواء الشك و التخوين و كل أحد يدافع عن نيته الصافية بينما أنا ندمت علي اليوم الذي دخلت فيه مسابقة سفارة أمريكا كوني عضو ألومناي. آه يا رب علي ضيق أفق الجزائريين ؟ يعطون دروس في التسامح و قد كنت أود أن أري أخلاق التسامح في التسعينيات، تري لماذا تقاتل الجزائريين من جراء خلاف سياسي ؟ كل أحد يقول أنا الأولي بالسلطة، بسم الله ما شاء الله علي تسامحنا و نحن نعيش يوميا دروس حية في اللاتسامح و العنف اللفظي و الجسدي في حركة المرور و بين الزوجين و بين الزملاء. و بعد إنتهاء التكوين، كان علي كتابة تقرير مختصر و قد تكلف مكتب السيدة نوال قلال شبكة التنمية البشرية بأخذ العديد من الصور و سجل كاميرامان لحظات خالدة من التكوين و بعد مغادرة المكونين، كل واحد إلي ولايته، شعرت بأن حمل و إنزاح من علي كاهلي و سينتهي إشرافي الرسمي علي هذه المباردة في 15 يناير المقبل و الردود التي وصلتنا من الموكنين و حماسهم في إعادة التكوين و هذا شرط وضعناه ليحصلوا علي شهادة النجاح جعلني أسعد و في نفس الوقت أيقنت بأن شعرة معاوية التي ربطتني بالجزائر لثلاثين سنة قد إنقطعت بشكل نهائي في هذا الإلتزام المهني و الإنساني و بت أنعم بحرية قلما تذوقتها من قبل. كانت كل حياتي إلي يومنا هذا مركزة علي خدمة بلدي الحبيب الجزائر، الجزائر معجزة الله في خلقه، الأرض التي يشعر المرء علي أديمها بطعم مقدس للحرية. الأرض التي روتها دماء الشهداء لأكثر من سبعة آلاف سنة من قبل الفتح الإسلامي و من بعده، قوافل من البشر إستشهدت حماية لهذه الأرض من الغزاة، من كل الغزاة. صليت ركعتين لأحمد الله علي نعمه و في نفس الوقت حدثته عن شعوري العميق بالإمتنان ناحيته تعالي هو الذي رافقني كل هذه السنين "حان الوقت يا رب لأغير وجهتي دون أن أخون حبي لهذا البلد المبارك..." بعد صلاتي هذه و دعائي هذا جاءني رد خالق العباد بانه تعالي راض عن قراري الأخير... فاللهم يحفظ هذا البلد و رحلة إنصاف نساءنا و اطفالنا من عنف ذكوري ظالم متواصلة طبعا إلي لحظة دخولي القبر مع فارق هام، أنني أتهيأ لرحلة أعظم و اللهم التوفيق من الله عز و جل. لنوال قلال، لمريم حفيظ عميق إمتناني، بفضلكما حلمي أصبح حقيقة، لمريم حفيظ أنت أيقونة الجمال و الإستقامة المهنية، أقول لك أختاه الجزائر تفخر بك. لإيف سوليفان الصديقة الأمريكية أصدق عبارات التقدير، بفضل الله و بفضلك كان التكوين في مرحلته الأخيرة إضاءة رائعة و قد تحمست متكونة من وهران لعملك الجبار عبر منتدي الأولياء و هي تتحرق لمجيئك إلي الجزائر قريبا إن شاء الله، إيف سعيدة جدا بأن هذا التكوين أتاح لي فرصة التعرف عليك، إلي السيد جمال بكاي بيار إحترامي العميق لك و العون الثمين الذي تقدمت به عن طيب خاطر في ميزان حسناتك. إلي كل من ساهموا من بعيد و قريب في إنجاح هذا التكوين كانوا من السلطات الجزائرية و المجتمع المدني و النخبة المتأصلة المبدعة أقول لكم : بارك الله فيكم و اللهم يجازيكم عنا كل خير. الجزائر : 12 ربيع ثاني 1439 30/12/2017 * بين أمريكا و الجزائر حلف من الدم، فإحدي الأسباب الرئيسية لإغتيال الرئيس جون فيتزجيرالد كنيدي كان تأييده لحق إستقلال الجزائر، ما بين أمريكا و الجزائر قصة إحترام متبادل و صداقة قوية و ما ربطني و يربطني كإنسانة بأمريكا غير قابل للوصف. أتوجه بالشكر الجزيل للمستشارة الثقافية لدولة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر السيدة سمية أبو دوليه و طاقم عملها المحترم. Special Thanks to Mrs Nawel Guellal founder of HDN Algeria Human Development Network and special* thanks to Miss Meriem Hafid for her wonderful work and help
أضافة تعليق