مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2022/05/12 17:23
عندما (تغيب العقول) في( حاضر العالم الإسلامي)!
انتهيت قبل قليل من تصحيح أوراق طلابي في امتحان نهاية هذا الفصل لمادة حاضر العالم الإسلامي، وقد رأيت إجابات لبعض الطلاب الدارسين في المستوى الرابع من قسم الدراسات الإسلامية، يشيب لهولها شَعر العقلاء والأحرار، هذا رغم أن كافة المعلومات المطلوبة وردت في كتاب مقرر الّفه كاتب هذه السطور المتوجعة، وذكرها بأساليب مختلفة في محاضراته الأكاديمية، ثم إن أغلبها تدخل ضمن إطار الثقافة العامة المتعلقة بحاضرنا الإسلامي الذي تمتلئ وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأخباره وتطوراته الدراماتيكية، وفي هذه العجالة سجلت نماذج من الإجابات التي تدل على غياب العقول، لعلها تكون صيحة نذير ليشعر من يهمه الأمر على الأقل بحجم الكارثة!
ورغم وجود إجابات نموذجية بين أوراق الطلاب، إلا أن الأكثرية مصابة بداء الغثائية واللامبالاة. 
وعلى سبيل المثال هناك من عدّد الدول التي يشملها مصطلح القرن الإفريقي، لكنه لم يذكر أي دولة إفريقية، وأورد دولا آسيوية مثل إندونيسيا وإيران وباكستان وبنجلاديش، وأتى بعضهم ببلدان إفريقية تقع في شمال إفريقيا كمصر أو في غربها كنيجيريا التي تكررت مرات عديدة هي ومصر!
 وهناك من جعل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان والصين دولا إسلامية، وفي سؤال عن البلدان الثلاثة التي كانت تمثل الصومال تأريخيا، فقسمها الإنجليز  والفرنسيون والإيطاليون بينهم؛ وجدت من اعتبر الولايات المتحدة الأمريكية جزءً من الصومال الكبير! وعدّد آخر البلدان الثلاثة للصومال الكبير، فجعلها: إفريقيا، أوروبا، اليابان، في خلط فاضح بين الدول والقارات، وبين البلدان الإسلامية وغيرها!
 وهناك من أوردوا أسماء الجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينات، فذكروا أسماء لبلدان أوروبية أو عربية متعددة بما فيها السعودية واليمن الشمالي، كما فعل أحدهم، وذكر آخر أن الولايات المتحدة الأمريكية من بين الدول الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي!
وفي سؤال عن سبب عجز بريطانيا عن إخضاع أفغانستان عندما كانت الشمس لا تغرب عن إمبراطوريتها وكانت تحكم الهند حينئذ، ظهرت إجابات عديدة تقول: بسبب قوة حركة طالبان، مع أن الحركة لم تظهر إلا منذ ثلاثة عقود، وذهب طالب إلى أن السبب يعود إلى أنه لم يكن قد تم اختراع الصواريخ والطائرات والقنابل في تلك الأوقات، بينما رأت طالبة أن السبب هو أن أفغانستان كانت محتلة من قبل الاتحاد السوفيتي، مع أن الاتحاد السوفييتي لم يكن قد ظهر إلى الوجود في تلك الأثناء بالطبع ! 
ومن العجيب أن أهم منطقة إسلامية في إنتاج النفط على مستوى العالم الإسلامي ليست الخليج العربي ولا بحر قزوين، وإنما هي منطقة شبوة عند واحدة من الطالبات، وأهم دولة إسلامية في إنتاج اليورانيوم هي اليابان عند طالبة ثانية، أما سبب اعتماد جزء كبير من المسلمين على العالم الخارجي في غذائهم فهو قلة الأيدي العاملة عند طالبة ثالثة، وذهبت طالبة أخرى إلى أن المعضلات الخمس الكبرى التي يعاني منها العالم الإسلامي هي: الزنجي، المغولي، القوقازي، غير مفرقة بين معضلات التخلف وبين الأجناس العرقية !
وكنت في أحد أسئلة إكمال الفراغات قد أهديت الطلاب فقرة ظننت أن الجميع سيجيبون عنها، وهي: عنوان الكتاب المقرر هو: .... ليذكر الطلاب عنوان الكتاب الذي درسوه خلال أكثر من ثلاثة أشهر، لكنني فوجئت بأن  هناك من لم يعرفوا الإجابة أو من جاؤوا بجزء من العنوان أو من استعاروا فصلا من فصول الكتاب ليجعلوه عنوانا للكتاب، ولأن الكتاب من تأليفي، فقد ذكر أحد الطلاب أن الكتاب المقرر هو: (الدكتور الفاضل فؤاد البنا أستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز )، فأنا الكتاب والكاتب في آن واحد وكأن عقيدة وحدة الوجود قد حضرت!
ولوجود عدد لا بأس به من الطلبة الذين خبطوا خبط عشواء وكأنهم لم يدرسوا المادة قط، فسأورد نماذج من إجابة طالبة بقي لها بضعة أشهر حتى تتخرج من الجامعة وتصبح مرجعا لمجتمعها في الدراسات الإسلامية! 
ونبدأ بكتابي المقرر الذي يحمل عنوان (حاضر العالم الإسلامي ومعضلاته)، فقد جعلته هذه الطالبة العجيبة (حضارة العالم الإسلامي)، وفي سؤال عن تقسيم الاستعمار الغربي للصومال بين ثلاث دول استعمارية جعلت الطالبة الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من القطع الصومالية الثلاث التي استعمرها الغرب!
وجعلت هذه الطالبة إمارة البحرين أكبر دولة إسلامية من حيث المساحة مع أن مساحتها حوالي ستمائة كيلو متر مربع وتساوي أقل من ربع مساحة جزيرة سقطرى اليمنية!
 واعتبرت الطالبة مصر من دول القرن الإفريقي، وذهبت إلى أن (السعودية واليمن وفرنسا والأردن وليبيا وألمانيا) هي الجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي في التسعينات، وذكرت أن أهم منطقتين لإنتاج النفط في العالم الإسلامي هما (العراق والصين)!
وفي سؤال عن المعضلات الخمس الكبرى التي يعاني منها العالم الإسلامي، ذكرت الطالبة النابهة أن هذه المعضلات هي (الثروات الغذائية، التأريخ المشترك، الموقع الاستراتيجية، الثروات السمكية، الثروات الحيوانية)، هكذا بالنص!
ولم تتورع طالبة الدراسات الإسلامية عن العبث حتى بالقرآن الكريم، حيث أوردت قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} هكذا: {كذلك حعلناكم الأمة واسطة}، مؤكدة أن هذه الآية تعني (تحويل القبلة من جهة مكة المكرمة إلى جهة القدس..)!!
أما في السؤال المقالي فقد أوردت طلاسم تشبه أحاجي شعراء الحداثة، بل هي أقرب إلى الحروز التي يكتبها المشعوذون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! 
ويعلم الله أنني دائم التفاؤل ويميل تفكيري دوما إلى تغليب الرجاء وحسن الظن بالله، لكن تفاؤلي ينخفض بشدة في مواسم الامتحانات الجامعية، ليرتفع في المقابل الضغط ويضطرب القولون وتصاب المعدة بالحموضة، ولا سيما حينما أفكر كيف سيكون مستقبل بلادنا على أيدي هؤلاء، بعد ما رأينا مخرجات من درسوا بقدر من الجدية حينما استلموا مقاليد البلاد!
والغريب بعد هذا كله أن تجد أناسا يقفون أمام هزائم أوطاننا وخزايا مجتمعاتنا مستغربين وهم يقولون: أنى هذا؟!
فهل نعتبر هذه المقالة جرس إنذار، ومفتاحا لبحث الأسباب والبحث عن عوامل الخلاص؟ أم سنجعلها مادة للتندر ونمضي غير عابئين بشيء؟!
أضافة تعليق