مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2023/11/13 17:17
تأثيرات الثقافة الغربية على المرأة المسلمة.. مظاهر المشكلة والحلول

لقد تسللت الثقافة الغربية إلى حياة المسلمين وبيوتهم وهددت حصونهم من داخلها عبر وسائل الإعلام المسموعة والمشاهدة والمقروءة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي والعوالم الافتراضية ومناهج التعليم والرموز السياسية والثقافية والفنية والاجتماعية التي باتت ترى الغرب قبلتها ووجهتها.

وكان للمرأة الحظ الأوفر في الهجمة الغربية؛ فهي العمود الفقري للأسرة، لبنة المجتمع، ولدورها العظيم في صناعة مستقبل الأمم، وبات للثقافة الغربية آثار لا تنكر في حياة كثير من نساء المسلمين.

من آثار الهجمة الغربية

يلمح الباحث المدقق آثار الهجمة الغربية على سبيل المثال لا الحصر فيما يلي:

أولًا: اضطراب المفاهيم الرئيسة التي حرص الإسلام علي إقرارها في المجتمع المسلم فيما يخص دور المرأة في الحياة ومشاركتها الرجل في القيام بالاستخلاف وحمل الأمانة وعمارة الأرض بالحق.

ثانيًا: ترسيخ القناعة لدى المرأة بأنها مهضومة الحق وعليها أن تخوض معركة التحرر من الدين والعادات التقاليد.

ثالثًا: المساهمة في تشويه قوامة الرجل ومسئوليته عن المرأة، تلك القوامة التي كانت بهدف  تكريمها وإعزازها وتجنيبها مشاق الحياة.

رابعًا: التأثر بالفكر النسوي الذي يدفعها للاستقواء والاستغناء عن الرجل والأسرة.

خامسًا: الانجذاب إلى المواثيق والقوانين الدولية التي تمنع ممارسة الرجل والدًا لمسؤولياته في القيام على تربية أولاده وحسن تنشئتهم.

سادسًا: الانسياق خلف المواثيق والقوانين الدولية التي تمنح المرأة حق شكاية زوجها والتمرد عليه والتحلل من واجباتها كزوجة.

سابعًا: الالتهاء بفنون الزينة والموضة وانتزاع لباسها وحيائها.

مظاهر المشكلة 

أما عن مظاهر المشاكل التي تعيشها المرأة ضمن تأثير الثقافة الغربية فيمكن الإشارة إليها فيما يلي: 

أولًا: غياب وتغييب الفهم الصحيح للإسلام كدين ينتظم مظاهر الحياة جميعًا.

ثانيًا: حرمان المرأة من فهم دورها الرسالي في الحياة بطريقة صحيحة.

ثالثًا: افتقاد المحاضن المجتمعية الإسلامية التي تعزز الهوية والانتماء للإسلام في ظل الإسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام).

رابعًا: افتقاد الدور الواعي للرجل والدًا وأخًا وزوجًا في بعض المجتمعات والأسر.

خامسًا: افتقاد المرأة في كثير من البيوت لروح المودة والرحمة والعاطفة والحب. 

سادسًا: إبراز النماذج المشوهة والبعيدة عن تعاليم الإسلام الحنيف دين الفطرة.

سابعًا: تغليب العادات والتقاليد غير ذات الصلة بالتعاليم الإسلامية أحياناً في التعامل مع المرأة.

ثامنًا: الانفتاح غير الواعي علي وسائل التواصل الاجتماعي عبر العالم الافتراضي.

ويؤكد على ذلك توصيف الروس والأمريكيين لمجتمعاتهم بعد تبني السياسات الغربية سالفة الذكر، ففي كتابه (بيروستورويكا) يقول الروسي ميخائيل غورباتشوف: “إن المرأة لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل وتربية الأطفال، وإقامة جو أسري طيب، لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال، والشباب، وفي معنوياتنا، وثقافتنا، وفي الإنتاج تعود جزئيًا إلى تدهور العلاقات الأسرية، والموقف المتراخي من المسؤوليات الأسرية”. 

ويقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر: “إن الإباحية الاجتماعية أفرزت لنا أجيالًا غير مسؤولة، تحولت إلى الجريمة، ففي أمريكا كل خمس دقائق تقع ثلاثة جرائم (جريمة قتل، وجريمة سرقة، وجريمة اغتصاب)، إن الجريمة اليوم تكلفنا باهظاً، إننا ننفق على مكافحة الجريمة سنوياً ما يزيد عن 80 مليار دولار، وتضيف لإساءة استخدام الثروة والفساد الاجتماعي بلايين أخرى لا تحصى، ولكن الثمن الإنساني الذي يدفع موتًا وتدميرًا لحياة الإنسان، هو أغلى بكثير”.

عودة إلى المنبع الأصيل

ويكمن علاج هذه المظاهر الواردة من الثقافة الغربية وتأثيراتها فيما يلي: 

أولًا: فهم مكانة المرأة في الإسلام؛ فالله- تعالى- أولى المرأة عناية عظيمة، ولم يشهد التاريخ دينًا ولا شريعة تعتني بالمرأة مثل الإسلام، فإن الله تعالى حفظ لها منزلتها ومكانتها، وأعزها وكرمها وأولاها اهتمامًا كبيرًا ونظر إليها نظرة تكريمٍ واعتزازٍ، وقد قال تعالي: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (النساء: 1).

فالمرأة في الإسلام هي الأم والأخت والابنة والعمة والخالة والجدة والزوجة شريكة الرجل في تَحَمُّل مسؤوليات الحياة، وقد كلَّفها الله مع الرجل في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض، وتربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة سوية، وجعلها على درجة واحدة مع الرجل في التكريم والإجلال بعد أن عانت في الجاهلية (ما قبل الإسلام) من ضياع  أهم حقوقها ألا وهو الحق في الحياة، قال تعالي: (إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا) (الأحزاب: 35).

فالإسلام هو الذي كرم المرأة أُمًّا، وأعلم الابنَ بأنَّ أحقَّ خَلْقِ الله بإكرامه وتعظيمه وحُسْن مُعاملته بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هي أمُّه، وأنَّ الجنة تحت أقدام الأُمَّهات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: (أُمُّكَ)، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ)، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: (ثُمَّ أبُوكَ). رواه مسلم.

وكرَّمها أختًا، فعن أنس بن مالك قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) رواه أبو داود. وكرمها بنتًا؛ عن أنس- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: (مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ) رواه مسلم.

وأعلم الإسلامُ الزوجَ بأن الزوجة الصالحة من أكبر نعم الله عليه؛ فقد روى عبدا لله بن عمرو أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) رواه مسلم.

ثانيًا: حفظ حقوقها، فقد فرض الإسلام للمرأة حقًا في الميراث: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} (النساء: 7).

وحفظ الإسلام للمرأة حقوقها الزوجية فلها الحقُّ في الموافقة على الخاطب أو رفضه، ولا يجوز إجبارُها على الاقتران برجل لا تريده، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ إذْنُها؟ قالَ: أن تصمت” متفق عليه.

وأوجب لها المهر في النكاح وجعله ملكًا لها، وجعل المعاشرة بينها وبين زوجها قائمة على المعروف، وجعل نفقة الزوجة حقًّا واجبًا على الزوج.

ثالثًا: الوصية بهن؛ فمن يتدارس سيرة الرسول- صلى عليه وسلم- فيما يخص تعامله وتوجيهاته بخصوص المرأة في كافة أطوارها العمرية والاجتماعية؛ يرى الرحمة؛ فقال في حجة الوداع:

(استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي) رواه الترمذي وغيره.

كانت المعاملة الكريمة من رسول الله للمرأة تصورًا جديدًا لا عهد للعرب والناس به، فقد قدم رسول الله  المدينة وفيها اليهود، وكانت المرأة عندهم إذا حاضت لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها، فماذا فعل الرسول إزاء هذا الأمر؟، سئلت السيدة عائشة- رضي الله عنها-: هل تأكلُ المرأةُ معَ زوجِها وَهيَ طامثٌ؟ قالَت: “نعَم، كانَ رسولُ اللَّهِ يدعوني فآكلُ معَهُ وأنا عارِكٌ (أي: حائض)، وَكانَ يأخذُ العِرقَ فيُقسِمُ عليَّ فيهِ فأعترقُ منهُ ثمَّ أضعُهُ فيأخذُهُ فيعترقُ منهُ ويضعُ فمَهُ حيثُ وضعتُ فمي منَ العِرقِ ويدعو بالشَّرابِ فيُقسِمُ عليَّ فيهِ قبلَ أن يشرَبَ منهُ فآخذُهُ فأشربُ منهُ ثمَّ أضعُهُ فيأخذُهُ فيشربُ منهُ ويضعُ فمَهُ حيثُ وضعتُ فمي منَ القدَحِ” وهذه رواية الإمام النسائي وقريب منها في صحيح مسلم وسنن أبي داوود. 

وقد تجاوز الأمر الطعام والشراب إلى المودة والمحبة والمشاركة النفسية والقلبية وإدخال الألفة والسرور وإيناس المرأة، وإشعارها أنها محبوبة ومرغوبة، فعن أم سلمة- رضي الله عنها- أنها قالت: “بيْنَما أنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الخَمِيلَةِ، إذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ، فأخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ: ما لَكِ؟ أنَفِسْتِ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَدَخَلْتُ معهُ في الخَمِيلَةِ. وَكَانَتْ هي ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَغْتَسِلَانِ مِن إنَاءٍ واحِدٍ، وَكانَ يُقَبِّلُهَا وهو صَائِمٌ”. رواه البخاري.

فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب من زوجه يؤانسها ويُدخل السرور على قلبها ويرتل القرآن يسمعه لها فتقول السيدة عائشة: “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَتَّكِئُ في حَجْرِي وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ” رواه البخاري. وهذه أمثلة لتعامل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع المرأة تعاملًا راقيًا يراعي فيه نفسيتها ومشاعرها، يرفق بها ويحنو عليها.

وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك: “أنَّ جَارًا لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَارِسِيًّا كانَ طَيِّبَ المَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقالَ: وَهذِه؟ لِعَائِشَةَ، فَقالَ: لَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَا، فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَهذِه؟ قالَ: لَا، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَا، ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَهذِه؟ قالَ: نَعَمْ، في الثَّالِثَةِ، فَقَاما يَتَدَافَعَانِ حتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ”.

فهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم يرفض إجابة الدعوة وحده، وهو يعلم طيب طعام الداعي وأن زوجه تحب هذا الطعام، فيرفض أن يذهب وحده ويتركها، فرفض إجابة الدعوة حتى أذن الرجل له بصحبتها فوافق وذهبا معًا، فهل رأيت مشاعر كريمة رقيقة كمشاعر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تجاه زوجه التي يحبها ولا يجد حرجًا حين يسأله عمرو بن العاص: “من أحب الناس إليك؟ فيقول: “عائشة”. صحيح ابن ماجه.

وتقول عائشة في ما رواه البخاري ومسلم: “خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، حتَّى إذَا كُنَّا بالبَيْدَاءِ أوْ بذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فأقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى التِمَاسِهِ، وأَقَامَ النَّاسُ معهُ ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، فأتَى النَّاسُ إلى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقالوا: ألَا تَرَى ما صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أقَامَتْ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسِ ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واضِعٌ رَأْسَهُ علَى فَخِذِي قدْ نَامَ، فَقالَ: حَبَسْتِ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسَ، ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أبو بَكْرٍ، وقالَ: ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُولَ وجَعَلَ يَطْعُنُنِي بيَدِهِ في خَاصِرَتِي، فلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ أصْبَحَ علَى غيرِ مَاءٍ، فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقالَ أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ: ما هي بأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يا آلَ أبِي بَكْرٍ، قالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذي كُنْتُ عليه، فأصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ” رواه البخاري.

فها هو رسول الله يرفق بزوجه ويقيم في مكانه يبحث عن عقد لها قد استعارته من أختها أسماء ولا يجد حرجًا أن يبحث عنه ويبحث معه أصحابه فهو رقيق الحس والمشاعر.

وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: “أنَّهُ أَقْبَلَ هو وأَبُو طَلْحَةَ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفِيَّةُ، مُرْدِفَهَا علَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا ببَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمَرْأَةُ، وإنَّ أَبَا طَلْحَةَ -قالَ: أَحْسِبُ قالَ:- اقْتَحَمَ عن بَعِيرِهِ، فأتَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، هلْ أَصَابَكَ مِن شيءٍ؟ قالَ: لَا، ولَكِنْ عَلَيْكَ بالمَرْأَةِ. فألْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ علَى وجْهِهِ، فَقَصَدَ قَصْدَهَا، فألْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَقَامَتِ المَرْأَةُ، فَشَدَّ لهما علَى رَاحِلَتِهِما، فَرَكِبَا، فَسَارُوا حتَّى إذَا كَانُوا بظَهْرِ المَدِينَةِ -أَوْ قالَ: أَشْرَفُوا علَى المَدِينَةِ- قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. فَلَمْ يَزَلْ يقولُهَا حتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ” رواه البخاري.

فهذا رسول الله  يوجه أبا طلحة ليهتم بصفية أولاً ويتركه هو رغم كبر سنه وثقل جسمه فيضع أبو طلحة ثوبه على وجهه حتى لا يرى شيئاً من صفية وهي على الأرض ويتجه نحوها ويلقي عليها ثوبه ليسترها حتى تصلح شأنها وتقوم من الأرض.

فدائماً تطالعنا مشاعر رسول الله  الرقيقة تجاه المرأة، إن تعامل رسول الله  مع المرأة إنما هو تعامل يقوم على فهم نفسيتها وطبيعتها ودوافعها النفسية والقلبية.

وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: “كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فجَمَع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ. ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حتَّى أُتِيَ بصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتي هو في بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِ الَّتي كَسَرَتْ”. رواه البخاري.

فلو أن أحدنا فعلت زوجته مثل هذا أكان يطلقها أم يضربها؟ فتصرف النبي  بالعدل فأعطي صحفة عائشة لأم سلمة وصحفة أم سلمة لعائشة.

وكان رسول الله يقدر حاجة امرأته وكانت صغيرة السن للترويح عن النفس فتقول عائشة: “دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَعِندِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ علَى الفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَانْتَهَرَنِي وَقالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ! فأقْبَلَ عليه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: دَعْهُمَا، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا، فَخَرَجَتَا. قالَتْ: وَكانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإمَّا قالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقالَتْ: نَعَمْ. فأقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي علَى خَدِّهِ، ويقولُ: دُونَكُمْ بَنِي أَرْفِدَةَ، حتَّى إذَا مَلِلْتُ، قالَ: حَسْبُكِ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: فَاذْهَبِي” رواه البخاري.

فها هو رسول الله يعطيها حظها من سماع الغناء العفيف ويدعوها إلى مشاهدة اللعب بالحراب وهي تقف خلفه في ود وحب خدها على خده تأخذ حظها من المشاهدة ويتركها رسول الله  حتى تمل وتكتفي.

وعن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: “قدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، من غزوةِ تبوكٍ – أو خيبرٍ – وفي سهوتِها سترٌ ، فهَبَّتْ ريحٌ، فكَشَفَتْ ناحيةَ السِّتْرِ ، عن بناتٍ لعائشةَ – لَعِبٌ – فقال : ما هذا يا عائشةُ ؟ قالت : بناتي ! ورأى بينَهُنَّ فرسًا له جَناحانٍ مِن رِقاعٍ ، فقال : ما هذا الذي أرى وَسَطَهُنَّ ؟ قالت : فَرَسٌ . قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جَناحان . قال : فرسٌ له جَناحانِ ؟ قالت : أما سَمِعْتَ أن لسليمانَ خيلًا لها أجنحةً ؟ قالت : فضَحِكَ حتى رَأَيْتُ نواجذَه!” رواه أبو داوود.  

وعنها أيضا- رضي الله عنها- قالت: “كُنْتُ ألْعَبُ بالبَنَاتِ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ لي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ منه، فيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي” رواه البخاري. 

فها هو رسول الله يضاحكها ويؤانسها ويشجع صواحب عائشة على الذهاب إليها واللعب معها بلُعب البنات مُقدرًا سنها وحاجتها للترويح.

بل يجعل رسول الله حُسن التعامل مع الأهل مقياسًا لخيرية الفرد، فيقول: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. رواه الترمذي.

فكان في خدمتهم ومعاونتهم ومؤانستهم والترفيه عنهم مراعاة لمشاعرهم وحاجاتهم النفسية والقلبية، فهي قوامة رحمة وبر وخير ومودة وحب، لا قوامة تسلط وقهر وغضب، فما عُرف عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه ضرب امرأة أو أهانها أو أساء إليها. 

يقول عالم النفس الاجتماعي الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: “فضل الإسلام لم يقتصر على رفع شأن المرأة بل هو أول دين فعل ذلك”.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
*نقلاً عن المنتدى اللإسلامى العالمى للتربية*

أضافة تعليق