مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2024/01/17 16:46
الأبد السحيق(قصيدة)

أنا نبتُ أرضِ القدسِ .. أمثالُ الجبالْ
وأنا ابنُها … وأنا ابنُ أبطالِ الرجالْ
___

وطن بأقداحِ الصواعق يسكرُ
ويزورُ محرابَ الدما فينوّرُ

ويقيمُ قدّاساً بكلّ ربيةٍ
وعلى ثراها كلّ جرحٍ يزهرُ

وطنٌ مداهُ مهاجرٌ عن نفسِهِ
وبه أحابيلُ الدّعاةِ تثوّرُ

تسقيه أكهلةٌ صدى شهقاتِها
ولكلّ مُعضلةٍ هواها تعْصرُ

وتمدّ للويلِ المريعِ بيارقاً
لتظلّ ملحمةٌ ورانا تهدرُ

وطنٌ رؤى نخلاتِه قد طوّحَتْ
وحشودُه بربى الملاحم عسكروا

يا نخلَ الصحراء الذي لا ينحني
أضواؤك الخضرا بريقا تمطرُ

ما زال نفحك رائقا أشتمّه
وعليه ترتيل الألوهة أبصرُ

ما زلت غطرسة تقاوم حَيْنَها
وبنوك أفعى في دمائك تبذرُ

وشفيف لونك لي عباءة غيمة
جنحت وناداها نبيٌّ أطهرُ

اقصى البلاد وما تزال بنا الربى
غضبى بآساد المعامع تزأرُ

ما زلت فالوطن المدمّى خيمة
فيها نلمّ صغارنا ونسوّرُ

ما زلت تحيا في شفاهي نخوةً
تعنو الخطوب لهولها وتكسّر

كل الغزاة وإن تجمّع حشدهم
ستظلّ فيهم نارنا تتسعّرُ

لن تنطفي ياقدس كل جراحنا
سيظل ويلُ خطوبنا يتضوّرُ

ستقهقه الدنيا وفوق رمالها
كل الغزاة مع الغزاة ستقبرُ

يا أنت يا أرض الميعادجهنّمٌ
ستغصّ فيهم والحوادث تكبرُ

يا أنت صحرائي تجالد وحدها
مثل الشهيد بطفّه يتنمّرُ

حربٌ قحمناها نلوك حصاتها
غيظاً ونزدردُ الحتوفَ ونصبرُ

بدم الشباب الصائلين عزائماً
ستهلهل الدنيا وليليَ يُقمرُ

وستزهِرُ الآفاق حول مدارها
أمماً ليلمعَ في ثرانا الجوْهرُ

صحراءُ وحدك بالأريج ترابها
يبقى بأنفاس الشهيد يعفّرُ

وطنٌ وحادي العيس صوتٌ واحدٌ
بالراكضين إلى المنون تفجّروا

وطنٌ وأنت ولا سواك المبتغى
يا صابراً برجاله لا يُقهرُ

أبدا وأنت سراج قنديل السرى
تبقى على وجع اليتامى تسهرُ

تمتدّ تاريخا وفجر حكاية
تروى ويكتبها الزمان الأنْوَرُ

ستدوسهم أقدام آساد الشّرى
ولهم سراديبُ الغياهبِ تحُْفَرُ

فلأنت ميلادٌ يلوح مبشّرا
ولأنت راياتٌ ووحدك منبرُ

ولأنت ميلاد العواصفِ ما علَتْ
ولكلّ عاديةٍ تشبّ ستدحرُ

ستقهقهُ الصحراء حين تدوسها
خيلٌ ويهتف بالفوارس الابجرُ

اقصى البلاد ونحنُ كفٌّ ضاربٌ
للغارمين وللنوازلِ نجأرُ

سرنا الخطى وعجاجَ كل ملمّة
نجتازُه ولكلِّ هولٍ نعبرُ

ضجّت بنا السبع الطباق وأرعدتْ
وتلاحمت صيدٌ عراةٌ بكّرُ

الزاحفون العاقدون إلى الوغى
مذ أقسمت أنّا لها وسَنُنصَرُ

بدماء كل الراكضين عوابساً
ليمرّ أبناء البلادِ ويعبروا

للنار قد ولدوا وكل كريهة
ومن التراب إلى التراب تفجّروا

حملوا الأقصى على أكفّ صمودهم
وبه حقول الأقحوان ستزهرُ

جاؤوا من الأبد السحيق غمائما
هطالةً وإلى المنون تحدّروا

جاؤوا بكورا حاسرينَ صدورهم
وبهم رعودُ النائبات تزمْجرُ

ولدوا قصيدة شاعرٍ في عمقها
مددُ السماء على الملا لا تخطرُ

بيضاء ناصعة البياض تنزلت
بالمعجزات وبالمفاخر تفخرُ

كنتم بها قدرا أزاح عن الثرى
ظللا بأنواع الغلال تبشّرُ

كنتم مفاتيح العلا بيد العلا
وبكم عواليها التي لا تقهرُ

يا اسود يا سورنا يا فخرنا
يا من بكم سودُ النوائب تصغرُ

يا أيها الغضب الذي لا ينحني
أبناؤهُ خير الملاحم سطروا

فمن الجنوب الى الشمال تحشدوا
كفٌّ بكفّ باللقا ما قصّروا

يا اسود قرنٌ وأنت منافحٌ
عن أمة ماتت وأنت تشمّرُ

من كل رابية طلعت وحارةٍ
من كل واد بالطيوب يذرذرُ

ميلادك العربي يا اقصى الفدا
بالياسمين وبالمباهج يخطرُ

بالأمس كنت وما تزال لرأدها
بدماك ملحمة البقاء تسطّرُ

 
*نقلاً عن موقع منار الإسلام للأبحاث والدراسات

مقالات اخرى
أضافة تعليق