مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
كيفية نسيان الذكريات المؤلمة
2014/08/17 20:16

أ. مروة يوسف عاشور
السؤال

تقدَّم لي شاب من حوالي عام عن طريق أصدقاء والدتي، فبرغم أنَّني أعمل في مركز مرموق في المجتمع، لكن لم يتقدَّم لخطبتي كثيرٌ من الشباب، بالرَّغم أنَّني على قدر من الجمال، ومن أسرة كبيرة، ربَّما لهذه الأسباب، فإنَّ الكثير يتراجع في اتِّخاذ قرار أنْ يتقدم لي، أنا عمري 28 عامًا، لي أخ وحيد يعمل في مركز مرموق أيضًا، لكنَّنا بَعِيدَانِ في التفكير عن بعض، أحس كثيرًا بالوحدة؛ ربَّما لأن كل أصدقائي تزوَّجوا، وإليكم قصتي، فهذا الشاب الذي تقدَّم إلِيَّ في بداية حياته، ولديه شَقَّة في بيت أسرته، ولديه كثيرٌ من الأخوات والإخوة، ارتحت في البداية لهذا الشاب، وافقت على الخطبة، فوالداي قد سألوا عن أسرة هذا الشاب، فشكر الناس في أخلاقهم في البداية، فاطمأننت، وفرحت كثيرًا، خاصَّة أنَّه في البداية قد أبدى لي حبًّا وحنانًا كنت أفتقده، فكنا نتكلم بالساعات.



ولكن لاحظت بعد فترةٍ ارتباطَه الشديد بأسرته، فهو يحمل هَمَّهم جميعًا، فأحسست أنَّ هذا الحبَّ سوف يُشاركونني فيه، أنا لست أنانية، ولكن في كثير من الأحيان يَجعلني آخر اهتماماته، وبالرغم من هذا، كنت راضية بهذا، فكنت لا أنام حتى أطمئنَّ عليه حتى يصلَ منزلَه في أي وقت، ولأنَّني أحبَبْت كلامَه كثيرًا، كان القليلُ منه يكفيني، على الرَّغم من حُزني ومُعاتبتي له كثيرًا بأنَّني آخر اهتماماته، المهم بعد فترة من الخطبة بدأنا نستعدُّ للزواج، فحدث أنَّه بعد ستة أشهر، أصبح يستعجلُ الزواجَ في شهر واحد، ونظرًا لخوفي أن يغضب منِّي، وافقته، وبدأت والدتُه تتدخَّل في كلِّ صغيرة وكبيرة، في أماكن وضع الأشياء في الشَّقة مثلاً، فبعدَ رأيها تطلُب رأيي، وطبعًا كنت أوافقها؛ خوفًا من إحداث المشاكل.



وبالرغم من أنَّ خطيبي كان يتظاهر بالاهتمام برأيي، وكنت أقاومُ بشدة الشدَّ والجذبَ بين أهلي وأهله، لدرجة أنَّ والدي قام بشراء (فستان الزفاف) لي، وخطيبي لم يعرض مجرد دَفْع نصفِ المبلغ؛ لأن اتفاقنا كان بالمناصفة في كلِّ الأمور، وقد قدمت أمي الأشياء التي قد اشترتْها لي هدية، ولم تطلُب ثَمنها أو أشياء بنفس قيمتها.



وعندما قامت والدته بشراء بعض الأجهزة والأشياء دون أخذ رأيي، طلبت أن نشتري الباقي، وبعد شدٍّ وجذب وافق أهل خطيبي أن نقوم بشراء كلِّ الأجهزة من جديد، ولكن قبل أن نشتري الأثاث بيوم واحد، وقبل كتب الكتاب بأسبوع فاجأني خطيبي بكارثة لم أكن أتصوَّرها، وحكاها لي كأنَّها أمر عادي.



إنَّ بعض الأشخاص قد قاموا بالنَّصب عليه، وقام بإمضاء إيصال أمانة بحوالي نصف مليون جنيه، وحُكِمَ عليه غيابيًّا؛ لأنَّ هؤلاء الأشخاص قد حالوا بينه وبين إعلامه بالقضية، وأنَّه لن يُسجَن، ولو اقتدى الأمرُ، فسوف يقوم بدفع النقود كاملة لهؤلاء الأشخاص، وقد علَّل لي أنَّه كان لا يريد أن يُحملني همَّه؛ حتى لا أقلق، فبكيت وأنا قد جَهَّزت كل شيء للزِّفاف، وقمت بدعوة جميعِ الأهل والأصدقاء، فقال لي: إنَّه سوف يشرح كلَّ شيء بالتفصيل، ولكنِّي لم أحتمل صُدِمْت صدمة قوية.



وعندما عاد والدي، وجدني مُنهارة، وقام بالرد عليه، فرد: إنَّه آسف؛ لأنِّي قد فهمته خطأً، وأنه لا يتاجر في المخدِّرات، ومع ذلك تَماسك والدي، وأوقفَ كلَّ شيء، حتى الانتهاء من هذه المشكلة، ولكن ماذا أفعل، فقد بقي أسبوعان على الزِّفاف؟



وبعد أنْ قُمنا بسُؤال عن القضية، وعن طريق أحدِ المعارف قد قُمنا باستخراج الحكم الذي وقع عليه، فقد حُكِمَ عليه بثلاثِ سنوات مع الشُّغل حين استعجل الزِّفاف، وقد دفع كفالةً؛ حتى لا يُسجن، وحُدِّدَت جلسة لاستئناف الحكم بعد توقيت الزِّفاف بأسبوعين.



أربعة أيام تركني وأنا في حَيْرَة، فبعد أنْ رد والدي عليه لم يقم بأي مُحاولة للاتِّصال بي، لم أقدر أن أتحمل أن أستمر، فكيف أرتبطُ بإنسان أخفى عليَّ، وضغط عليَّ، فقام والدي بفسخ الخطبة في اليومِ الخامس، وقام بردِّ الشبكة وجميع الهدايا، ومع ذلك رَفَضَ والدي أنْ يأخذ الأشياء التي قُمنا بشرائها معًا مناصفة؛ حفاظًا عليَّ، وأيضًا لأنَّها بالنصف معهم، فهو لا يريد لي الدخول في أي مشاكل.



ومع ذلك لم يُحاولوا أن يضعوا هذه الأشياء عند أحد المعارف، واستحلوها لأنفسهم، وحاولوا بعد ذلك مَرَّات عديدة عن طريق الوُسطاء أنْ أرجع إليه، فهو قد قام بدفع النقود كاملة، وسَوَّى الموضوع، وحاول الاتِّصال بي مَرَّات بالضعط بأنَّه أكثر شحصٍ يُحبني، وأنِّي سوف أخسره، ومرات بالنَّدم، وأنني سوف أحكم عليه بالإعدام عندما أتركه، هذا عن طريق رسائل (الموبايل)؛ لأنَّه حاول الاتصال بي كثيرًا، فلم أجبه؛ لأنِّي ضعيفة، خفت أن أنساق وراء مَشاعري، وأغضب أهلي، ولأنَّني صدمت في أول إنسان أحببته بكل مشاعري، فهو لم يُحاول أن يقابلني في عملي، واكتفى بإرسال بعد المعارف من بعيد إلى بعيد فقط، فهل هذا حب؟



المشكلة هو أنَّني بعد ما رفضت الرجوع إليه، دائمًا يراودني سؤال: هل ظلمته حين لم أردَّ عليه، ولم أعطِه فرصة؟ ولكن كيف؟ فالوضع أصبح متأزمًا بين أسرتي وأسرته، وخصوصًا بعد علمنا أنَّ والده قد سبق أن اتُّهِم في قضيه تبديد منقولات، وأنه كان خاطبًا قبل أن يَخطبني، ولم يُصارحني أيضًا، وربَّما أعطاني بعضَ الهدايا التي كانت لخطيبته الأولى.



جميعُ الأصدقاء والأقارب كانوا مُؤيدين لي في مَوقفي تجاه هذا الإنسان، ولكنَّ البعضَ قال: إنَّ هذا الأمر عادي بين التُّجار، مع العلم أنَّه يعمل طبيبًا، ووالده كان مديرًا، وبعد المعاش يُتاجر ببعض الأراضي، ولكنَّه لم يُخبرني بأي شيْء عن هذا الأمر، فمُشكلتي أنِّي حتى الآن أفكر في كلامه، وأنِّي أحاول أن أنساه، حتى بعد أدائي لفريضة العمرة، وبالرغم أنه فات وقتٌ كبير على هذا الموضوع، وأيضًا أنا متأكدة أنه نسي كل شيء كان بيننا، أدعو اللهَ أن يُعوضني بإنسان يُحبني بصدق.
الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله أن يتقبَّل عمرتك، ويجعلها مباركة، آمين.



كم هو مُؤلم أن يعيش الإنسانُ في عالم الماضي، يقاسي ذكرياته الأليمة، ويتجرَّع كؤوس أحزانه وهمومه!



الأمرُ قد انتهى يا عزيزتي، ولست بحاجة الآن للاستشارة حول تركه أم الرجوع إليه، ولكنك بحاجة للتخلُّص من قيود ذلك الماضي، وطَيِّ هذه الصفحة من حياتك بقوة وشجاعة، وبدء حياة جديدة مفعمة بالأمل والتفاؤل.



من الطبيعي أن تَمر علينا بعضُ المواقف التي تبقى عالقة في أذهاننا تأبى إلاَّ التنغيص علينا، وتذكيرنا بأمور لا تُجدي نفعًا، فالحياة ما هي إلا سلسلة من الابتلاءات.



لكن كيف يقف الإنسان في وجهها، ويتعامل معها بإرادة قوية؟



من المستحيل أن نغيِّر الماضي، ونجعل منه ذكريات سعيدة، تنعش قلوبنا وعقولنا إذا ما مَرَّت بخواطرنا، ولكن بإمكاننا التعامُل معه بشكل إيجابي، كيف يكون ذلك؟



هذه التجربة التي مرت عليك - بسلام بفضلِ الله - لا شكَّ أنه كان بها بعضُ الدروس، أليس كذلك؟



تعالَي نستعرض الأمر من أوله، وننظر في أي المواقف أخطأتِ، وكيف تستفيدي منها في مستقبلك - إن شاء الله - لكن قبل ذلك أودُّ لفت نظرك لأمر مهم:



عمر الزواج اختلف الآن بشكل كبير عما كان عليه في السابق، فثمانية وعشرون سنة لا تعني أبدًا أنك متأخرة، أو أن القطار قد فاتك؛ بل هناك الكثيرات – وأقول: الكثيرات فيما أعلم فقط، وإلاَّ فهن أكثر مما أعلم بلا شك - قد تزوَّجن قرب الثلاثين، أو حتى فوق الثلاثين، وكان زواجهن بفضلِ الله سارًّا، وقد مَنَّ الله عليهن بشباب في أعمارٍ مُقاربة لأعمارهن، ولا يعيبهم شيء؛ أي: رجال تتمناهم كثير من الفتيات الصَّغيرات.



إذًا؛ فالعُمر لا يُعَدُّ عائقًا، وأرجو ألاَّ تفكري بهذه الطريقة؛ لأنَّ الزواجَ - يا عزيزتي - رزق، يَهَبُ الله - تعالى - مَن يشاء لمن يشاء، وهو القائل - سبحانه -: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].



وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].



فلا العمر، ولا المركز، ولا غيره يقف حائلاً مانعًا لرزقٍ كتبه الله لك، فلا تشغلي بالَك بأمور لا حيلةَ لك فيها، وليس بإمكانك تغييرها، وحاولي أن تَجعلي منها مَعينًا، وليس عائقًا، كيف؟



المركز المرموق والمكانة الاجتماعية الطيبة قد تتيح لكِ إقامةَ علاقات أكبر مع فئات مُختلفة من الناس، فلِمَ لا تحاولي توسيعَ نطاق معارفك بالتعرُّف على صديقات من مُختلف الفئات، والتعايش معهن، والتقرُّب إلى الجميع بروح طيبة ونفس كريمة، وإعلامهن بأسلوب غير مباشر أنَّك لا تنظرين للمكانة الاجتماعية، ولا تبحثين عنها في أمر الزَّواج؛ بل ما يهمُّك هو الخلق والدِّين في المقام الأول؟



هذه التجربة - أخيَّتي الفاضلة - رغم ما فعلت في نفسك، ورغم التأثير السيِّئ الذي خلفته على مشاعرك الرقيقة، إلاَّ أنِّي أرى فيها الخير الكثير؛ ((إنَّ أمرَه كله خير))، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ’’صحيح مسلم’’.



أولاً: ستدخلين - بإذن الله - عالم الحياة الزَّوجية، وأنت أقوى مما سبق؛ أعني: القوة النفسية والعاطفية، فكما أخبرتِ أنَّ أول تجربة يكون وقعها على النفس أشد ألمًا.



ثانيًا: سيكون لديك من الخبرة ما لم يكن في السابق؛ لولا التعرُّض لتلك المحنة اليسيرة ما اكتسبت هذه الخبرة.



ثالثًا: اكتسبت خبرة في التعامُل مع الناس، والتدرُّب على تهدئة النُّفوس، وتسوية النِّزاعات، وكثير من الناس يَحتاج لسنين طويلة للتدرُّب على ذلك.



رابعًا: رأيت بعين الخبرة أنَّ الناس فيهم الحسن والقبيح، وأن الحياة لا يكتمل نعيمها، فلن تنتظري الكمال في زوجك القادم بإذن الله؛ مما سيجعلُ حياتَك أسهلَ، وتقبُّلك للأمور أكثر واقعية.



وغيرها من الفوائد التي يعلمها الله، ومنها أجر الصبر على البلاء، وتفويض الأمر إلى الله.



هذا بالنسبة للاستفادة المتحققة منها، وأمَّا عن الأخطاء، والتي عليك تفاديها في المرة القادمة - بإذن الله - فمنها على سبيل المثال:



1- قد يضايقك قولي، لكن يتحتم علي أن أكون في مُنتهى الصَّراحة والصدق والأمانة معك، فأرجو أن يتَّسع صدرك لكل ما أقول.



الحديث مع الخاطب على انفراد لا يَجوز، فهو إنسان أجنبيٌّ عنك تمامًا كغيره من الرِّجال، ولا شكَّ أنَّك لم تُحبيه إلاَّ بعد الأحاديث والمقابلات، واستشعار حنانه، وغيرها.



2- أهل الزوج لهم حقوق، ولهم احترام ومكانة عالية، لكن لا يعني هذا أنْ نسمح لهم بالتدخُّل المفرط في حياتنا، والتحكُّم في كل صغيرة وكبيرة.



وعليك بالتأدُّب معهم، لكن دون أن تُمْحَى شخصيتُك، ويتمُّ تشكيل بيتك أنتِ على غير ما تحبين.



3- عليك بالتَّحري أكثر حول الخاطب وأهله من جميع الجوانب، وسؤاله حول حياتِه، وما إذا كان قد سبق له الارتباطُ، ولا تنتظري أن يقوم بإخبارك، والأمور التي يُخفيها الخاطب أو أهله تختلف، فمنها ما يُمكن التغاضي عنه، ويعد من حقهم الشخصي الاحتفاظ به، ومنه ما يعد غشًّا يَجب إظهاره من البداية.



بالنسبة لسؤالك: ’’دائمًا يراودني سؤال: هل ظلمته حين لم أرد عليه، ولم أعطه فرصة؟’’.



فقد أحسنت الإجابة بقولك: ’’ولكن كيف؟ فالوضع أصبح متأزمًا بين أسرتي وأسرته’’.



وعلى كل حال، فلا داعيَ لاسترجاع تلك الذكريات الآن، ولا مجالَ للتفكير؛ إذ قد انتهى الأمر، ولا سبيل لاستعادته، أليس كذلك؟



وبالنسبة لسؤالك الأخير، وأظنه رأس الأمر: ’’الآن أفكر في كلامه، وأحاول أن أنساه حتى بعد أدائي لفريضة العُمرة... أدعو الله أن يُعوضني بإنسان يُحبني بصدق’’.



مشكلة نسيان الماضي والتغلُّب عليه ليست مُشكلتك وحْدَك، بل هي مُشكلة الكثير منَّا، وليس من السهل التغلُّب عليها، لكنه ليس مستحيلاً أبدًا، وإليك بعضَ المقترحات اليسيرة التي أتَمنى أن تسعَي جاهدة لتطبيقها، والزِّيادة عليها بما آتاكِ الله، وأنعم عليك من عقل واعٍ ناضج، وقلب مؤمن قوي.



4- كثرة الدعاء بصدق ويقين، وتذكري قوله - تعالى -: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62].



﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].



وذلك مع العلم يقينًا أن ما عند الله خير لعباده، ومع التقرُّب إليه - عزَّ وجلَّ - بشتى الطاعات والحرص عليها، والبُعد عن معاصيه، فذلك أحرى أن تكون الدعوة مجابة؛ ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].



5- الأخذ بالأسباب في عدم التخلُّف عن حضور جميعِ المناسبات، وكثرة الزيارات، وإقامة صداقات مع أخوات صالحات، والتقرُّب إليهن بحسن الخلق، والاهتمام بهن؛ فمن يهتم بالآخرين يثير اهتمامهم به.



6- شغل الوقت بكل ما ينفع، فالنَّفس إن خلت كَثُرَت عليها الوساوس، وتكالبت عليها الهموم، وأمَّا إن شُغلت بالحق، فلن تجد لذلك سبيلاً، ولا أجد لك خيرًا من كتاب الله تقضين معه أجمل الأوقات، وأعذب اللحظات، وصدق الشاطبي - رحمه الله - في قوله:


وَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ
وَأَغْنَى غَنَاءً وَاهِبًا مُتَفَضِّلاَ
وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ
وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاَ



7- النَّظر إلى هذه الذِّكرى بعين الاعتبار، وليسَ بعين التحسُّر والتندُّم، فأنتِ بفضلِ الله لم تكوني السببَ فيما حدث، والأمر وقع بقَدَرِ الله، فعلامَ الحزن؟!



﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].



8- تفريغ الأفكار والعواطف بكتابتها من شأنه أن يُهوِّن على نفسك بعضَ الأحزان، وقد يساعد على نسيانِها بمجرد أن يتم تمزيق الورقة، فجرِّبي أن تكتبي بعضَ الخواطر المؤلمة، وبعد مدة انظري إليها ومَزِّقيها، ومزقي معها كلَّ ما يتعلَّق بها، وسترَيْنَ نتيجة طيبة بإذن الله.



9- لا تكثري من الانفراد بنفسك، وحاولي أن تكوني دائمًا مع الجماعة.



10- أكثري من القراءة في الكتب التي تتحدث عن الإيمان بالقضاء والقدر، فهي من أجمل وأروع ما يثبِّت النفس، ويُذهب همها وغَمَّها، ومنها كتاب ’’القضاء والقدر حقٌّ وعدل’’، للأستاذ هشام عبدالرزاق الحمصي، ورسالة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في القضاء والقدر، وهي رسالة مختصرة ونافعة، وكتاب ’’القضاء والقدر’’، للدكتور عبدالرحمن بن الصالح المحمود.



11- جرِّبي أشياء جديدة، كتعلُّم فن مُعين تميل إليه نفسك، أو الاشتراك في بعض المنتديات الإسلامية (النسائية)، أو مُحاولة اكتساب أصدقاء جُدُد، أو تعلم الرَّسم على الكمبيوتر باستخدام برنامج الفوتوشب Adobe photoshop، أو كتابة الخواطر والقصص القصيرة، ولا تَخافي من النتيجة، فلا شكَّ أنك مُبدعة في أحد الجوانب، لكن الحزن يَحول دون التعرُّف عليها.



12- تذكري أنه كلما حاولنا تجنب الأشياء، قَلَّت قدرتنا على ذلك، فخيرُ وسيلة للنِّسيان مع شغل النفس هو إهمالُ تلك الأفكار والذِّكريات، وليس مُقاومتها والتصدي لها.



وأخـيرًا:

أبشركِ أنَّ الحالَ لن يَدوم - بإذن الله - وأنَّ نعمةَ النسيان لن تلبث أنْ تقضي على تلك الذكريات، فتأملي في رحمة الله، وتفكَّري في مُستقبلك المشرق - بإذن الله - واطوي تلك الصفحة بكل عزيمة وجد، وانظري إلى نفسك في المرآة، وقولي من قلبك: الحمد لله الذي رزقني مَنظرًا حسنًا جميلاً، وصحة طيبة، وعقلاً واعيًا، وأسرة كريمة، و... ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].



وبالنسبة لي سأدعو الله لك أنْ يُعوِّضَك بمن تنسين معه كلَّ لحظة أليمة، وتسعدين معه بكلِّ دقيقة، ويكون عونًا لك على طاعة الله، ويكرمك، ويكون لك قُرَّة عين، وتكونين له كذلك، أساله – تعالى - أن يرزقك خيرًا مما تتمنين، وتصبو إليه نفسك، إنه - تعالى - لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأعتذر إن كنت قد أطلت عليك.
استشر الان