مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2017/08/05 17:43
حوار مع فضيلة الشيخ ناصر العمر

فضيلة العلامة الأســتاذ الدكتــــــور ناصــــر بن سليمان العمر، من أعلام العلماء المعاصرين، أستاذ في قسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمـــد بن سعود الإسلامية ـ سابقاً ـ.

تخرج في كلية الشريعة، وحصل على درجة الأستاذية في القرآن وعلومه، وله العديد من المؤلفات؛ منهــا: (الوســـطية في القـرآن الكــريـم)، و (سورة الحجرات: دراسة تحليلية وموضــوعية)، و (العهد والميثاق في القرآن الكريم)، وله العديد من الرسائل؛ من آخرها: (رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية)، ويعكف منذ مدة طويلة على تعليق فوائد على صحيح الإمام مسلم.

كما أن له دروساً علمية من أشهرها شرح (منار السبيل)، وفضيلته هو المشرف العام على موقع (المسلم) على شبكة الإنترنت، والذي سيبدأ انطلاقته بمشيئة الله ـ تعالى ـ في مطلع العام الهجري الجديد.

ويسعدنا في مجلة البيان أن نلتقي فضيلته؛ لنتحدث في بعض القضايا الدعوية، والمستجدات السياسية.
( البيان ): كان لأحداث (11 سبتمبر) آثار عميقة في جسم الصحوة الإسلامية، وظهرت اتجاهات عديدة لتجاوز هذه الأزمة؛ منها اتجاهان متباينان؛ أحدهما: يحاول جاهداً تطويع الإسلام للواقع؛ حتى لو أدى ذلك إلى تأويل النصوص الشرعية وتعطيلها. والآخر: يتجاوز الواقع ويتعامل مع الأحداث بسطحية شديدة غير مدرك لكثير من جوانب الكيد والمكر؛ فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
(*) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد، فإني أشكر للإخوة القائمين على مجلة البيان حسن ظنهم بي، وإتاحتهم لي هذا المجال، في هذه المجلة المتميزة بطرحها ـ حتى غدت مرجعاً لكثير من الدعاة في العالم الإسلامي ـ في زمن تميز فيه الغثاء، وراج فيه الغث إلا قليلاً.

ثم أقول جواباً عن السؤال: تكمن المشكلة في عدم تحديد حجم الأزمة؛ حيث إن اختيار أي طريق لمعالجتها نابع من تصور الفريق المعالج لحجم المشكلة، والذي أراه ـ بغض النظر عن الحدث والحكم الذي ينطبق عليه - أن باطن الحدث (11 سبتمبر) فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، فالأذى نتيجة طبيعية للحدث في المنظور القريب، أما على المدى البعيد ـ وآمل أن يكون قريباً ـ فسوف تتحقق انتصارات ضخمة على جميع المستويات ـ بإذن الله ـ وهذا مرتبط بكثير من العوامل والأسباب التي إن أخذنا بها تحقق ذلك الفتح المبين.

والمشكلة التي تعاني منها الأمة عند الأزمات؛ هي أنها لا تفكر إلا بأسلوب الخروج من الأزمة، بينما الأحرى بها أن ترتفع في مستوى تفكيرها من البحث عن سبيل الخروج من الأزمة إلى استثمارها واعتبارها منطلقاً لعز الأمة ومجدها، فتتجاوز ظاهر الحدث إلى الغوص في باطنه والبحث في أعماقه؛ فإن كل محنة تنطوي على منح عظيمة، فلا يصرفنا مظهر المحنة عـن حقيقـة المنحـة؛ فإن الله ـ سبحانه ـ لم يخلق شراً محضاً.

أما بالنسبة للاتجاهات المتباينة التي أشرتم إليها؛ فإن العبرة بمقدار حجم كل اتجاه ومدى تأثيره ونفوذه، أما مجرد الاختلاف فهو سنة كونية وطبيعة بشرية {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ #(811# إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119]، ومن هنا؛ فإننا بعد أن نحدد الاتجاه المؤثر والفاعل في الساحة؛ يجب أن ننظر في مدى قربه أو بعده عن الحق، ومن ثم يكون مدار البحث في أسباب نمو هذا الاتجاه، والعوامل المؤثرة في بقائه، والأسباب التي أدت إلى بروزه، وبعدها يأتي العلاج المناسب.

وتباين الاتجاهات المذكورة في سؤالكم هو إفراز طبيعي للمناهج الدعوية السائدة، ومن المعروف أن مناهج الرخاء لا تخرّج قادة الأزمات..

فكيف يُنال المجد والجسم وادعٌ *** وكيف يُحاز الحمد والوفْر وافِرُ؟

فأي فضل يحصل مع غير مشقة؟ وأي مجد لم تبعد بطالبه الشقة؟!

لولا المشقة ساد الناس كلهُمُ *** الجــود يُفقِــر والإقــــدام قــَــتّالُ

وليس المهم حديثنا عن مناهج الآخرين، وإنما العبرة في قدرتنا على صياغة المنهج الحق، والأسلوب الأمثل الذي يقود الأمة في أزماتها، ويستثمر مواطن القوة فيها، وعندها لن تكون للمناهج الخاطئة تأثيرات يُخشى منها.
( البيان ) : كان علماء السلف الصالح نماذج متميزة في الجمع بين التخصص الشرعي، والاهتمام بمصالح الأمة، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكيف نعيد سيرة علمائنا إلى الواقع؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والعز بن عبد السلام... وغيرهما؟
(*) تميز النتيجة خاضع لتميز الوسيلة والهدف.

وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبـت في مرادها الأجسامُ

وإخراج قادة للأمة هدف عظيم وأمنية سامية؛ منطلقها وجماع أمرها قوله ـ تعالى ـ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَـمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، ومما يساهم في تحقيق تلك الغاية، وإبراز مثل تلك النماذج مراعاة ما يلي:

1 - إعادة النظر في مناهجنا الدعوية والتربوية والعلمية؛ حيث إنها غالباً تتسم بالتجزئة بدعوى التخصص؛ فيكون المولود خداجاً، أو تصاغ بشمول ينقصه الطموح، ويرضى بالأمر الواقع؛ فتخرّج أنصاف متعلمين.

2 - إيجاد مدارس خاصة لإعداد قادة الأمة وتربية المجددين.

3 - الجدية والواقعية، وعدم الركون إلى الدنيا، والبعد عن المماطلة والتسويف، والإفراط أو التفريط.

4 - عمق التأصيل، وتجاوز المحلية، وعدم الاستغراق في اللحظة الحاضرة، مع استشراف ما وراء الأفق.

5 - تحويل العالم النصوص التي تلقاها إلى واقع ماثل، وذلك بتفاعله مع الأمة، ومعايشة قضاياها، ومشاركتها في شؤونها وشجونها، مع عدم الانعزال عن المجتمع، والعيش في برج عاجي، بل لا بد من النزول إلى أرض الواقع، وصنع المبادرات والمواقف المنهجية التي يحتسب بها على الباطل وأهله، وفي الوقت نفسه تُقاد بها الجماهير، وتُضبط بها انفعالاتهم.

6 - علو الهمة، والصدق مع الله، والاستعداد للتضحية، وأن يصوغ العالم حياته وفق النص القرآني: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ #(261# لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163].

7 - تجاوز عقلية البطل المنتظر، وأن يهيِّئ كل واحد من أفراد الأمة نفسه ليساهم في صنع بطولة الإسلام؛ فما أضر وأضل كفار قريش إلا عقيدتهم {لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8]، ومن مظاهر انحراف الرافضة استكانتهم عبر القرون لكذبة الغائب المنتظر، ومن جملة ضلال النصارى عقيدتهم في مخلص البشر!
( البيان ) : الجهاد رأس سنام الإسلام، وفي خضم الواقع المؤلم لأمتنا الإسلامية؛ هناك محاولات جادة من بعض المنتسبين للإسلام، ومن أعداء الإسلام للدعوة إلى إلغاء هذه الشعيرة؛ حتى من المناهج الدراسية، وذلك بدعاوى باطلة؛ فماذا تقول لهؤلاء؟
(*) مشكلة هؤلاء عبر التاريخ هو الغباء المتذاكي! وتكمن مأساتهم في عدم فهمهم وإدراكهم لطبيعة هذا الدين وسر الجهاد فيه، ولنا أن نسألهم وعليهم أن يجيبوا: هل الجهاد في أفغانستان منبعه المناهج الدراسية؟ وقل مثل ذلك في البلقان، وفي فلسطين، وفي غيرها من مواطن الجهاد.

وليعلموا أن الجهاد ليس سلعة تجارية تُحجب بقرار من هيئة الأمم، أو نظرية هندسية تحتاج إلى كتاب ومعلم وطالب، وإنما هو سنة ربانية، وضرورة بشرية، وحاجة فطرية؛ متى ما وُجدت بواعثه انطلق كالسيل العرم لا يوقفه شيء، سره وعظمته أنه يُخضع الآخرين ولا يخضع لهم، وغايته تطويع الأرض لله، وإخضاعها لشرعه وأمره ونهيه.

وإذا كانوا جادّين في إيقاف الجهــاد ـ وأنّى لهم ذلك ـ فليتجهوا صوب أسبابه وبواعثه من الظلم الذي تمارسه جبابرة القرون؛ من فرض إرادة البشر على البشر، ومنعهم من أن يختاروا الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وإلا فَهُم كما قال الله عن أسلافهم: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

ومن العجب أن من خصائص هذا الجهاد أنه ينمو ويقوى كلما حاول أعداؤه النيل منه، والحد من انطلاقته ومسيرته، وبيننا وبينهم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29]، وجواز المرور إليهم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39]، وغاية الأماني: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].

وحقيقة هؤلاء أنهم: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْـمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، ونقول للمسارعين فيهم: {فَعَسَــى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْـــرٍ مِّــــنْ عِنــــــــــــدِهِ} [المائدة: 52].
( البيان ) : التقلب والاضطراب في المواقف والمبادىء آفة يزداد ظهورها في الأزمات والشدائد؛ فما السبيل للثبات على الحق والصبر على الأذى فيه؟
(*) هذه آفة راسخة في عمق التاريخ، فقد أشار إليها القرآن في أكثر من موضع؛ حيث ذكر الله عن بني إسرائيل أنه لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْـحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

وذكر الله قصة الذي آتاه آياته فانسلخ منها: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175].

وعاتب الله صحابة محمد #، وحذرهم من التقلب بعد نبيهم # فقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

أما في العصر الحاضر؛ فقد أصبح الاضطراب سمة من سمات هذا الزمن بسبب الابتلاءات والمحن، ومن هنا؛ فإن هذه القضية لا يمكن استيعابها من خلال إجابة عن سؤال في عدة أسطر، وإنما تحتاج إلى بسط وتفصيل وبيان، وقد شغلني هذا الموضوع طويلاً، ومن ثم قمت بكتابة مفصلة تبين أسباب الاضطراب وآثاره، وركزت فيه على موضوع الاطراد في المنهج، وبيان ثمار الاطراد وكيف يتحقق، وسينشر الموضوع قريباً بإذن الله؛ سائلاً الله التوفيق والسداد، والثبات على دينه في الشدّة والرخاء، وأن يجعلنا ممن قال فيهم: {مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23].
( البيان ) : المحن التي تصيب الأمة يرى فيها بعض الناس كل أبواب التشاؤم والإحباط، ويرى فيها آخرون طريق الفلاح والتمكين؛ فما رؤية فضيلتكم في ذلك؟
(*) المحن هي الجامعة الكبرى التي تُخرّج القادة والمجددين والمصلحين؛ حيث لا يتحقق التمكين إلا بعد الابتلاء، وقد سئل الشافعي ـ رحمه الله ـ: أيهما أفضل للرجـل أن يمكن أو يبتلى؟ قال: لا يمكن حتى يبتلى(1). قال ابن القيم: «سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين، ثم تلا قوله ـ تعالى ـ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَـمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] »(2).

وقديماً قال ورقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرجك قومك!»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أَوَ مخرجيَّ هم؟» فقال ورقة: «نعم! لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً»(3).

وقد بين الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن دخول الجنة مرهون بتجاوز المحن والبأساء والضراء، كما قال ـ سبحانه ـ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

ولذلك قال أحــد الدعـاة المعاصـرين ـ عندما سئل عما أصابه من بلاء ومحنــة ـ: ألم تصدك هذه المحن عن الطريق إلى الله أو توهن من عزيمتك؟ فقال: لولا هذه المحن والابتلاءات لشككنا في طريقنا. وقرأ: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2]، ومن هنا؛ فإن هذه المحن التي تصيب الأمة هي علامات الطريق للوصول إلى العز والكرامة والسؤدد؛ فإن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل(1).

وقد يكون البلاء عقوبة على ذنب وقع من الأفراد أو الأمة، ومع ذلك فلا يخلو من خير إن تاب الناس وأنابوا، أما إذا تمادوا في ظلمهم فربما كانت القاصمة: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ نَ} [الأنبياء: 11 - 15] .
( البيان ) : من المحن التي تمر بنا هذه الأيام الحملة الأمريكية على العراق؛ فما أبعاد هذه الحملة؟
(*) الحملة الأمريكية على العراق حلقة من سلسلة الحملة الصليبية على الأمة الإسلامية، والتي ابتدأها الغرب النصراني بقيادة أمريكا في أفغانستان، ضمن مخطط مرسوم أعلنوا بدايته ولم يحددوا نهايته، لكنهم حددوا أهدافهم وغاياتهم مصداقاً لقوله ـ تعالى ـ: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].

وما يجري هو لون جديد من ألوان الاستعمار الصليبي؛ وذلك أن الغرب بعد فترة الاستعمار العسكري بدأ في مشروعات استعمارية مثل الانقلابات العسكرية، ثم إنشاء منظمات دولية تخضع في النهاية لإرادة الغرب، وكذلك التحالفات بين دول الغرب وحكومات العالم الإسلامي؛ سواء التحالفات الفردية أو الجماعية، ثم جاء النظام العالمي الجديد. ومع ما لعبته هذه المشروعات والصيغ الاستعمارية من دور مهم ومؤثر في تاريخ المنطقة؛ فلم يحقق ما ترجوه هذه الدول الاستعمارية، وحدثت أمور كثيرة على مستوى الدول والشعوب اعتبرتها الدول الغربية تجاوزات لا يجوز السكوت عنها، وتزامن هذا مع ضعف المنظمات الدولية وتأثيرها، ونشوء تكتلات جديدة، وقوى مؤثرة كالصين والكوريتين واليابان وغيرها؛ مما ينازع الغرب هيمنته وسلطته، وبخاصة بعد تنامي المدّ الجهادي في العالم الإسلامي، وسقوط المعسكر الشرقي بعد خروجه من أفغانستان خاسراً، بالإضافة لما أحدثته الانتفاضة في فلسطين من هزة عنيفة تجاه المخططات اليهودية خصوصاً والغربية عموماً، مما جعل الغرب بقيادة أمريكا يأخذ بزمام المبادرة؛ وذلك بإعادة الاستعمار العسكري القديم بثوب جديد لا يختلف عن سابقه إلا في المظهر والشكل، والحقيقة واحدة.

وما أعلنوه ليس إلا جزءاً يسيراً مما تخفي صدورهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]، وحقيقة لم أستغرب أن ينهج الغرب هذا النهج، أو يسلك هذا الطريق؛ لأن هذا من بدهيات معرفة حقيقة اليهود والنصارى، كما بين الله ـ سبحانه وتعالى ـ في كتابه، وقد قيل:

تلك العصا من هذه العصية *** هل تلــد الحيــة إلاّ الحــية؟

وإنما مكمن الاستغراب أن يتجاوز بعض أفراد الأمة الغفلة عن هذه الحقيقة إلى الدفاع عن أولئك، وإنكار أهدافهم ومراميهم! وهل أُتينا إلا من داخلنا، وممن هــم من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا؟!
( البيان ) : ولكن كيف يرى فضيلتكم الدور الذي يجب أن يقوم به العلماء والدعاة في مواجهة هذه الأزمة؟
(*) قناعتي أن المشكلة ليست في تحديد هذا الدور، ولا في بيان الطريق وسبل النجاة، فهي أوضح من الشمس في رابعة النهار، كما قال #: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك..»(2). وإنما تكمن المشكلة في السؤال الكبير: هل لدينا الاستعداد لمواجهة تلك المحنة؟ وهل الأمة على قدر المسؤولية؟ وهل نحن على استعداد للتخلي عن الدنيا وزخرفها، والتضحية بذلك في سبيل عقيدتنا ومبادئنا؛ لاستعادة مجدنا وعزتنا وسؤددنا؟

لقد سئمت الأمة من التنظير واجترار الكلمات، وآن الأوان أن نقبل التحدي بصدق ويقين وتفاؤل؛ فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد ذم الله القائلين ما لا يفعلون: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، وبيت القصيد ونقطة البداية والنهاية في الآية التي تليها: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4].

ونبراسنا الذي يضيء معالم طريقنا قوله ـ تعالى ـ: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وإلا فهو الذل والصغار، و (على نفسها جنت براقش) .. «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»(1). وأقول بكل ثقة ويقين: إن المعركة مع الغرب محسومة لصالح الأمــة ـ بإذن الله ـ والعدو يحفر قبره بيديه، {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْـحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْـمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، ولكن الأمر يحتاج إلى خطة استراتيجية كبرى؛ نعي فيها أن في المعركة صولات وجولات، وكر وفر، قد تصاب الأمة بجروح وقروح في أولها، ثم يكون الانتصار العظيم في نهايتها؛ إذا صدقنا مع الله، وأخذنا بالأسباب الشرعية لذلك، {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } [آل عمران: 140 - 141].
( البيان ) : يسعى بعض الكتاب والمفكرين إلى الاصطياد في الماء العكر، حيث يدفع في اتجاه التخويف من المناهج التعليمية، والكليات الشرعية، والمؤسسات الخيرية ... ونحوها؛ فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ وهل من سبيل للمحافظة على هذه المكتسبات؟
(*) دون تقليل أو استهانة بما يفعله هؤلاء؛ لماذا نحصر أنفسنا بالأزمات ؟ ولماذا ندع لخصمنا تحديد بداية المعركة ومكانها ومدتها؟ ولماذا لا نغزوهم في دورهم ومؤسساتهم؟ ومع أهمية تلك المرافق الحيوية وتأثيرها الضخم في حياة الأمة؛ فإنه يجب أن لا تنحصر جهودنا فيما يحدده لنا أعداؤنا.

إننا بحاجة إلى تغيير عقليتنا ومنهجنا واستراتيجيتنا في مواجهة تلك الأزمات، فَلِمَ لا نغزوهم قبل أن نُغزى؟ فما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، ولماذا لا نشغلهم قبل أن نُشغل؟ يؤسفني أن كثيراً منا يقفون دائماً موقف المدافع، والسنة الكونية أن كل شيء متحرك.. إما أن يتقدم وإما أن يتقهقر، فمن لم يكن متقدماً فهو يقيناً في تأخر، ومن لم يربح فهو حتماً يحقق الخسائر الواحدة تلو الأخرى.

لقد أدرك عدونا سر ضعفنا ومكمن الداء فينا؛ فأشغلنا قبل أن نشغله، وهاجمنا قبل أن نهاجمه، وغدا ينقلنا من مصيبة إلى أخرى، ومن بلية إلى كارثة؛ دون أن نعي كيف نخرج من تلك الحلقات المفرغة، مسلِّمين بنقاط ضعفنا؛ مع أننا لم نبرز جوانب القوة فينا، ضخّمنا دور عدونا دون أن نعي أن الذل لا يفارق جباههم؛ وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فنصرناهم على أنفسنا بقذفنا الرعب في قلوبنا، فشتان شتان بين أسلافنا الذين نُصروا بالرعب، وبين مَنْ قُذف في قلوبهم الوهن، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها..

ومـن يتهــيب صعــود الجـبال *** يعـش أبــد الدهر بين الحـفر

إن من أعظم الخطط والاستراتيجيات في المعارك هو إيجاد البدائل تحسباً لأي طارئ؛ ولذا فإنني أتساءل: ألم نكن ندرك أن عدونا يتربص بتلك المؤسسات الرائدة ويحيك لها المؤامرات؟! فإن كانت الإجابة بالنفي فيا لها من مصيبة! وإن كان الجواب بالإيجاب فالمصيبة أعظم؛ فلِمَ لم نعدّ البدائل، ونقم المؤسسات التي تحمي أجيالنا وأمتنا؟ لماذا نضع البيض في سلة واحدة ثم نتحسر إذا تكسر؟ لماذا نبني حياتنا على ردود الأفعال في عالم يبني استراتيجيته الكبرى على المكر، وأخذ المؤمنين على حين غرة؟ فهل نفيق من سباتنا؟
( البيان ) : كان بعض المحللين يرى أن الصحوة الإسلامية سوف تتراجع وتنحسر كثيراً بعد الحملة الأمريكية على الإرهاب، وتشاءم كثير من الصالحين بسبب الضغوطات الكثيرة، ومع ذلك فانتصارات التيارات الإسلامية في الباكستان والمغرب وتركيا قلبت الموازين؛ فما تفسيركم لهذه الظاهرة؟ وهل من أمل يلوح في الأفق؟
(*) مَنْ هؤلاء المحللون؟ وما مستوى ثقافتهم؟ وإلى أي بلد ينتمون؟ ولحساب أي جهة يعملون؟ إنَّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وقد أصبحنا ننظر إلى كثير من الآراء التي تصدر من غير المتخصصين بنظرة الريبة والشك، والخطورة في تصديق بعض أصحاب الشأن لمثل تلك التحليلات التي لا تُبْنى على علم ويقين، وإنما هي مجرد ظن وحدس وتخمين. ومأساة أصحابها أنهم لا يفقهون حقيقة هذا الدين، وقد يكونون من المرتزقة المأجورين، وإلاّ فقد أثبت التاريخ أن الضربات التي تُوجَّه إلى الأمة لا تزيدها إلاّ صموداً وثباتاً، وهي وإن ترنحت أمام تلك المحن ساعات معدودة، ولأيام وشهور محدودة؛ فإنها سرعان ما تثبت على قدميها، مفاجئة أقرب الناظرين إليها، وهي وإن غابت عن الساحة لحظات؛ فإنما هي استراحة المحارب، وغفوة المجاهد.. {إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: 11]، تتلو ذلك صولات وجولات تحقق أعظم الانتصارات، ولو كانت هذه الصحوة تخضع للظنون والتحليلات لكبَّرنا عليها ـ منذ زمن ـ أربع تكبيرات، ثم ووريت التراب منذ سنوات، ولكن {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نـُـــــــــــــورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
( البيان ) : الواقع الدعوي وتشققه حتى في الاتجاه الواحد؛ إلى ماذا يعزوه فضيلتكم؟
(*) عندما لا يكون المصدر الوحيد لصهر النفوس البشرية وإخضاعها المطلق هو الكتاب والسنة؛ فحينئذ يكون للمؤثرات الأخرى نصيبها في بناء التوجه وتحديد المسيرة، فيكون للبيئة الاجتماعية سلطانها الذي لا ينكر، وللتربية الأسرية تأثيرها الذي لا ينازع فيه، وللمؤثرات البشرية الأخرى من سلطة أو جماعة أو مدرسة نصيبها في بناء الفرد وتكوين شخصيته، ويزداد الأمر سوءاً عندما تُكوِّن النفس البشرية ذاتها بذاتها، فتكون نفس الإنسان هي مربيته ومعلمته وقائدته؛ فيسير في دروب الانحراف وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.

ومن هنا؛ فبمقدار تأثير أي عامل من هذه العوامل تكون صياغة الإنسان، وتبرز ملامح طريقه وأهدافه، ولذلك عندما خضع الجيل الأول الذي تربى على يد المصطفى # خضوعاً مطلقاً للوحي، وأسلموا قيادهم لمحمد # دون منازعة أو حظوظ نفس، أو تأثير بيئة أو قبيلة أو مجتمع، كان ذلك الجيل الرائع الذي لم ولن يأتي مثله على مر التاريخ، وعبر السنوات والقرون.

وما أشرت إليه في سؤالك هو نتيجة طبيعية لتلك المؤثرات التي تُنازع الوحي سلطته وهيمنته؛ فمنهم مستقل ومستكثر.. {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
( البيان ) : هناك بعض طلاب العلم الذين هــمُّهم التنقيب عن عثرات العلماء وتكبيرها، والاشتغال بها عن العلم الحقيقي، بل يصل بهم الأمر إلى تجريح المخالفين ومحاولة إسقاطهم من أعين الناس؛ فهل من سبيل لعلاج هذه الظاهرة والتقليل من آثارها؟
(*) أخي الكريم! إنني أخالفك؛ فلا أعد هؤلاء طلاب علم إذا كان همهم التنقيب عن عثرات العلماء وتكبيرها كما ذكرت! بل يزداد عجبي من وصفك لهم بهذا الوصف (طلاب علم)، ثم تقول: وهم منشغلون بهذه العثرات عن العلم الحقيقي! فأي علم يُحسبون عليه، أو يتشرفون بالانتماء إليه؟ وسؤالك يحمل السؤال والجواب معاً؛ فلو كانوا طلاب علم حقاً لما انشغلوا ببُنيَّات الطريق، وأكاد أجزم أن هؤلاء شغلتهم حظوظ النفس والهوى عن الانشغال بميراث النبوة وفهم الكتاب والسنة.

وهذه من أعظم البلايا التي ابتليت بها الأمة في قرونها المتأخرة؛ فعاقت مسيرتها، وشغلتها عن تحقيق أهدافها، ومما زاد الأمر سوءاً استمرار المعركة بين رادٍّ ومردود عليه؛ الأمر الذي جعل الناس في متاهة؛ لا يدرون أين يكمن الحق وأين يكون الباطل؟ ولن نستطيع أن نتخلص من هذه المحنة إلاّ بالتجرد المطلق، والصدق مع الله، والابتعاد عن حظوظ النفس، وإقامة ميزان العدل والقسط على النفس أولاً قبل أن ندعي إقامته على خصومنا ومخالفينا؛ التزاماً بقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135].

ومما يحز في نفوس المؤمنين عدم وصولنا في العدل والقسط مع من خالفنا الرأي، إلى ما أمر الله به من عدل مع المشركين الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وصدوه عن المسجد الحــرام، فقال ـ سبحانه ـ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب} [المائدة: 2].

وقال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].

ولنكن صرحاء مع أنفسنا: هل عدلنا مع من يخالفنا من إخواننا كما أمرنا الله بالعدل مع أعدائنا؟ أين الرحمة بالمخالف والدعاء له، وإظهار الشفقة عليه؟ مأساة بعضنا أنهم يشكون الظلم وهم يمارسونه صباح مساء، ثم يدّعون أنهم البرآء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، فخير لهم أن يراجعوا أنفسهم، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21]، خيراً لنا أن نصحح ما بأنفسنا قبل يوم الفصل {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9]، ويُحصّل ما في الصدور.

من السهل اتهام الآخرين وقد يكونون أهلاً لذلك، ولكن من الصعب الاعتراف بالحقيقة والتجرد عن الهوى إذا كان الأمر يتعلق بأنفسنا وذواتنا.
( البيان ) : تشهد الصحوة الإسلامية انتشاراً محموداً ـ ولله الحمد والمنة ـ، ولكن ألا يرى فضيلتكم أن هناك قصوراً ظاهراً في توظيف الطاقات واستيعابها لخدمة الأمة؟
(*) نعم! هناك قصور واضح وظاهر في استخدام المكاسب التي حققتها الأمة في سنواتها الأخيرة متمثلة في هذه الصحوة المباركة، ولولا ذلك لكنَّا قاب قوسين أو أدنى من قيادة الأمم، ومع ذلك؛ فلا أرى أن نضيع الأوقات في البكاء على الأطلال، والنياحة على ما مضى وفات؛ فإن ذلك لن يزيدنا إلا تقهقراً وتأخراً، وإنما أدعو إلى سرعة المبادرة واغتنام الفرصة، واستخدام ذلك التفريط قوة دافعة إلى الأمام؛ فإن المؤمن لا يُلدغ من جحر واحد مرتين، وليست العبرة كيف كنا؟ وإنما المهم كيف نكون؟ وكم أتمنى أن نستفيد من بعض ما لدى أعدائنا من نقاط القوة والتمكن، فقد استطاعوا أن يسيطروا على أماكن كثيرة من المعمورة، مع أنهم أصحاب أهداف دنيوية، وما ذاك إلاّ لأخذهم بالأسباب التي حققت لهم ما يصبون إليه وما يريدون، ونحن أصحاب دين ودنيا حري بنا أن نأخذ بأسباب النجاة والسؤدد.. {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْـحِسَابِ} [البقرة: 201 - 202].
( البيان ) : الواقع الدعوي يشهد منذ زمن تشققاً حزبياً وصراعاً مؤلماً في وقت تحالف فيه العدو لمواجهتنا؛ فهل من سبيل لإصلاح ذات البين؟ أو على أدنى الأحوال لكف الأذى بين العاملين في الحقل الدعوي؟
(*) مرت الأمة في تاريخها بمراحل من التعصب والتحزب، فبعد القرون المفضلة نشأت الفرق البدعية، كالمعتزلة والخوارج والجهمية وغيرها من الفرق المعروفة التي أحدثت شرخاً في جسم الأمة، ثم بعد ذلك نشأت مرحلة أخرى؛ وهي مرحلة التعصب المذهبي واستمرت قروناً عديدة، وكان لها من الآثار السلبية ما لا يخفى، ثم في هذا العصر بدأت الجماعات والتنظيمات الدعــوية، والتي لا تُنكر جهودها في مقاومة الاستعمار، والمحافظة على دين الأمة وتربية أجيالها، ولكنها ـ للأسف ـ وقع كثير منها في التعصب المقيت الذي فرَّق الأمة شيعاً وأحزاباً، ثم بدأ في السنوات الأخيرة التعصب للأفراد، وضعف تأثير الجماعات؛ فكانت المصيبة أشدّ وأنكى، وهذا وإن كان قدراً كونياً، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق؛ فإن الواجب على الأمة أن تتعامل مع هذا القَدَر الكوني بالقَدَر الشرعي؛ وهو وجوب جمع شمل الأمة وتوحيد كلمتها امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]، مع التحذير من التفرق والتشتت نظراً لما يـؤدي إليه التنازع والخــــلاف، قال ـ تعالى ـ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

وأنبه هنا إلى أن الاختلاف الذي أشرت إليه في سؤالك على نوعين:

النوع الأول: من قبيل اختلاف التضاد، وذلك عندما يكون الاختلاف في المنهج، وهو موطن الخطورة الذي يُخشى على أصحابه من أن يكونوا داخلين فيما حذر منه النبي # في حديث الافتراق، وهذه مسألة يغفل عنها كثير من أصحاب التنظيمات والجماعات.

النوع الثاني: وهو ما يكون من اختلاف التنوع، وذلك عندما يكون الاختلاف في وسائل مشروعة لا في المنهج، أو من باب اختلاف ما يناسب الأماكن والبلدان؛ فهذا الاختلاف لا تثريب على أهله، ولكن الخطورة نشأت فيما دخل على تلك الجماعات من أمور غير مشروعة؛ كالتعصب، والتحزب، والتنابز، وافتعال العداوات، وجَعْل مسائل الاجتهاد ميداناً للولاء والبراء.

ومع أهمية التعامل مع كل تلك الجماعات والأحزاب بنوعيها وفق منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع المخالف والموافق، وإنزال كل واحد منـزلته مع البعد عن البغي والظلم والعدوان؛ فإنني أتطلّع إلى مرحلة جديدة تتجاوز فيها الأمة هذا الواقع المرير؛ وذلك بأن يقوم العمل الدعوي على طرح المنهج الحق والدعوة إلى العلم بدلاً من الجماعات والأحزاب؛ مع التنبيه إلى أن الخلل ليس في الاجتماع والترتيب والانتماء؛ فهذه أمور مشروعة إذا تخلصت من بدعيات التجمعات المحدثة، وهناك فرق بين الأمرين. وإنما الخلل فيما يفعله بعض ممن يخلطون بينهما لنقص فقههم وعلمهم؛ فتجدهم يحملون على أصحاب التجمعات والتنظيمات لمجرد التجمع والتنظيم والانتماء، فوقعوا في شر مما حذروا منه؛ إذ أنشؤوا مجموعات وتكتلات حزبية متعصبة نسبوها إلى السلف ظلماً وزوراً.

والخروج من هذا المأزق الذي وقعت فيه الأمة يحتاج إلى تجرد وصدق، مع التضلع في العلم، وصدق الانتماء لمنهج أهل السنة والجماعة، مع البعد عن الظلم والهوى والكيل بمكيالين، فكثير ممن حذر من تلك الظاهرة وقع في شر مما حذر منه كما أشرت آنفاً، وأُذكّر الجميع بقوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة: 119].
( البيان ) : من أبرز جوانب الصراع مع الغرب في المرحلة القادمة: مسألة الحرب على الأسرة والأخلاق الفاضلة، وتغريب المرأة المسلمة... أليس كذلك؟ فكيف يُقَوِّم فضيلتكم دورنا في الدعوة النسائية؟ وهل هو مواز لمقدار التحدي؟
(*) لقد قصَّر الدعاة وطلاب العلم والمؤسسات الدعوية كثيراً فيما يتعلق بالواجب تجاه المرأة المسلمة، ومواجهة الحملة الشرسة من الغرب والشرق عليها، ولكن الذي يخفف من المعاناة ويزيد من التفاؤل؛ هو هذه الالتفاتة الظاهرة من الدعاة إلى المرأة تعليماً وتربيةً وإعداداً، مع تلك الاستجابة الواضحة في صفوف النساء؛ مما جعلني أقول في أكثر من مناسبة: إن كانت الصحوة في العقود الماضية في صفوف الرجال؛ فقد أصبحت في السنوات الأخيرة «صحوة النساء»؛ وذلك لما أراه من إقبال كبير من الفتيات على الحجاب، واعتزازهن بقيم الفضيلة، ولما أراه من إقبال عظيم من المرأة على كتاب الله تعلماً وتعليماً، عبر مؤسسات متعددة، كالدور والجمعيات النسائية الإسلامية، وجماعات تحفيظ القرآن، بالإضافة للنشاط الظاهر في إقامة الدورات المتخصصة في الدعوة والتربية والتعليم، وإلقاء المحاضرات الخاصة للنساء، وكثير منها تُلقيها داعيات معروفات، وطالبات علم موفقات، مع أن الأمر بالنسبة للنــساء لا يزال في أوله.

ولذا؛ فإنه لا بد من عناية فائقة، واهتمام خاص بهذا المرفق الدعوي المهم؛ لأن المرأة إذا ربيت تربية صالحة كانت سداً منيعاً تجاه الضربات التي توجه نحو الأمة عموماً ونحو الأسرة خصوصاً، كما أن المرأة الواعية تحمل عن زوجها وعن ولي أمرها أعباء كثيرة من العمل الجاد في الصفوف الخلفية، بل وفي الأمامية أحياناً، «ومن خلف غازياً في سبيل الله بخيرٍ فقد غزا»(1)، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

ونظراً لحداثة العمل «في الجانب النسوي»؛ فربما عرضت أخطاء أو حدثت ثغرات، وربما نقص جانب من الجوانب التي يحتاج إليها في قيام البناء، وحتى يتم ذلك على وجهه الشرعي الأكمل؛ فلا بد من حسن التوجيه، وسلامة المنهج، مع التركيز على الجوانب التي تتعلق بطبيعة المرأة ومهمتها، والحذر مما وقع في بعض البلاد الإسـلامية مــن إقحـام المرأة فيما لا يعنيها، وتكليفها بما لم تُخلق له.

ومن بدهيات ذلك: إشراف العلماء وأهل الورع والديانة إشرافاً مباشراً على كل ما يتعلق بشؤون المرأة ومؤسساتها؛ التزاماً بقوله ـ تعالى ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

كما أننا بحاجة إلى يقظة تامة في التعامل مع المرأة؛ حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، أو نسيء من حيث أردنا الإحسان.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الهجمة العلمانية التي يشنها الغرب وحلفاؤه على المرأة المسلمة؛ تتعدى أهدافها إلى تقويض المجتمع المسلم؛ وذلك بحرب الفضيلة، وإشاعة الرذيلة، وإغراق الأمة في الشهوات، وصرفها عن الجادة والأخذ بمعالي الأمور، وإخراج أجيال جل عنايتها وغاية مقصدها إشباع غرائزها والانهماك في ملذاتها وشهواتها؛ غافلة عن المعركة الدائرة بين الحق والباطل، مشغولة بالسفاسف عن مواجهة أعداء الله والدفاع عن دينها وحرماتها ومقدساتها؛ فيسهل على العدو إشعال الفتنة داخل صفوفها، ويتيسر له زمام قيادها.

وبمثل هذا ضاعت الأندلس، ودخل اليهود والنصارى إلى كثير من بلاد المسلمين، وما حرب يونيو 7691م عنّا ببعيدة، فقد ضُربت الجيوش العربية وطائراتها الحربية وهي جاثمة في مطاراتها، ولا عجب فقد كان قادتها يتابعون أغنيات كوكب الشرق، ويسهرون في المسارح والحانات، فكانت تلك الكارثة التي سودت تاريخ الأمة ولم تتخلص من آثارها.

وآمل أن لا يعيد التاريخ نفسه.
( البيان ) : مع استمرار الانتفاضة المباركة في أرض الإسراء، وارتفاع حدتها؛ هناك العديد من الأسئلة التي تفرض نفسها؛ لعل من أهمها: التساؤل حول قدرة الأمة على مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، وخاصة في ظل تعالي أصوات المطبعين على شتى المستويات السياسية والفكرية والاقتصادية، وهل هناك رؤية لمواجهة التطبيع؟
(*) نعم نحن قادرون ـ بعون الله ـ على مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي وغيره من مشاريع الكفر، وبوادر هذا اليقين أصبحت أمراً واقعاً.. والحمد لله؛ فدولة إسرائيل لا تملك مقومات الدولة المستقرة الآمنة، وإنما تعتمد على الدعم الخارجي غير المحدود عسكرياً واقتصادياً وسياسياً من الشرق والغرب.

وإدراكاً لهذا الواقع من قبل إسرائيل وحلفائها؛ طرحت عدة مشاريع استراتيجية لحماية إسرائيل وترسيخ أقدامها؛ أهمها:
1 - إسرائيل الكبرى.
2 - تفتيت المنطقة.
3 - مرحلة السلام.
4 - الـ (شرق أوسطية).

النظرية الأولى ثبت عدم نجاحها واستحالتها؛ وذلك أن إسرائيل لم تستطع أن تحافظ على أمنها واستقرارها في نسبة صغيرة من الأرض؛ فكيف تحافظ على أضعاف ذلك؟!

وأما الثانية؛ فمع ما تحقق فيها من نجاح محدود فقد أدرك الجميع صعوبة الاعتماد عليها؛ وخاصة بعد حرب لبنان.

أما مرحلة السلام فتحتاج إلى حديث خاص؛ أما مرحلة الـ (شرق أوسطية)؛ فهي نظرية سياسية حديثة جاءت من قبل حلفاء إسرائيل عندما أدركوا صعوبة نجاح الاستراتيجيات الأخرى، وقد تزعمها شمعون بيريز، وقد بدأت هذه النظرية قبل عدة سنوات، وكان من أبرز ميادينها المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في المغرب والقاهرة والدوحة، وهي تقوم على أن تندمج دول المنطقة في استراتيجية اقتصادية وسياسية لا ترتكز على القومية أو الدين؛ بل على رقعة جغرافية محدودة (الشرق الأوسط)، وهذه النظرية ترعاها أمريكا وتدعمها دول الغرب، ويصعب الجزم بمستقبلها.

لكن من أجل مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي، وتحرير فلسطين، وعودة بيت المقدس؛ لا بد من توافر عوامل عدة أخذاً بالأسباب الشرعية، وانسجاماً مع السنن الكــونية؛ فما أخــذ بالقــــوة لا يسترد إلا بالقوة، وما ضاع في عشرات السنين لا يسترد بأيام وشهور، ولذلك لا بد من تضافر الجهود، والأخذ بأسباب النصر، والتوكل على الله.

ومن المعالم المهمة في ذلك:
1 - العودة الصادقة إلى الله.
2 - تربية الأمة على الإسلام.
3 - الإيمان المطلق بأن الإسلام هو المنطلق الوحيد لتعاملنا مع قضية فلسطين.
4 - توعية الأمة بأن الجهاد هو الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين.
5 - وحدة الكلمة واجتماع الصفوف.
6 - وجود خطة محكمة واستراتيجية واضحة تراعى فيها الظروف والإمكانات، وتدرس فيها العوائق.

أما التطبيع؛ فإنني على ثقة ـ بإذن الله ـ من أنه لن يتحقق كما أراد له مخططوه، وأنى للزيت أن يمازج الماء، عقيدة اليهود تأبى، بل عقيدة المسلمين تأنف، والضدان لا يجتمعان، وفي تجارب بعض الدول القريبة أقوى دليل وأظهر برهان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [يوسف: 21].

مجلة البيان

 

أضافة تعليق