مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/27 18:42

بسم الله الرحمن الرحيم

أولا: مقدمة البحث:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله’’( ) أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ما دام الليل والنهار،وسلم تسليماً كثيراً. ثم أما بعدُ:
لقد فتح الإسلام منابع عديدة لنفع الآخرين، فمنها ما هو واجب كالزكاة والكفارات والنذور. ومن المنابع ماهو ذو طابع تطوعي بحت مثل الصدقات التطوعية والوقف، فالمسلم حين يتنازل عن حر ماله طواعية فهو يتمثل الرحمة المهداة في الإسلام للبشر أجمع و يتحرر به من ضيق الفردية و الأنانية متجازوآ الأنا إلى الكل شاملأ المجتمع بخيرية الفرد وبانيآ الجسد الواحد بكرم العضو، وهذا التفاعل تحقيقآ لحديت رسول الله: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) (رواه البخاري).
و’’الوقف’’ من أبرز صيغ العمل التطوعي الذي حض عليه الإسلام ومارسه المسلمون على مر العصور وتعاقُب الدهور، وجوهر الوقف هو فكرة الصدقة الجارية، كما جاء في الحديث النبوي: ’’إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له’’.[رواه مسلم].
وفكرة الوقف بهذا المعنى تنتمي إلى منظومة العمل التطوعي وفقًا لتعاليم الإسلام الحنيف، وقد جاء الأمر بالوقف على سبيل الترغيب والندب إلى فضائل الأخلاق والأعمال، وليس على سبيل الإلزام أو الأمر الجبري الذي لا يملك المخاطب به إلا الانصياع له.
إن التطوع هو ما تبرع به الإنسان من ذات نفسه، والمتطوع هو الذي يفعل الشيء الإيجابي تبرعًا دون انتظار مقابل مادي، بل ابتغاء مرضاة الله ونيل ثوابه، والوقف كما قلنا هو -في جوهره- نوع من التبرعات، وإن كان يتميز بأنه دائم لا ينقطع طبقًا لمفهوم ’’الصدقة الجارية’’.
وقد قال العلامة السيوطي في الوقف شعراً( ):
إذا مات ابن آدم ليس يجري
عليه من فعال غير عشـــر

علـوم بثهـا ودعاء نجـل
وغرس النخل والصدقات تجري

وراثة مصحف ورباط ثغـر
وحفر البئر أو إجراء نهــر

وبيت للغريب بناه يــأوى
إليـه أو بنــاء محل ذكــر

وتعليــم لقــرآن كريـم
فخـذها من أحاديث بحصــر


ويعد الوقف بمفهومه الواسع أصدق تعبيرآ وأوضح صورة للصدقة التطوعية الدائمة، بل له من الخصائص والمواصفات مايميزه عن غيره، وذلك بعدم محدوديته واتساع آفاق مجالاته، والقدرة على تطوير أساليب التعامل معه، وكل هذا كفل للمجتمع المسلم التراحم والتواد بين أفراده على مر العصور بمختلف مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها الأمة الإسلامية خلال الأربعة عشر قرنآ الماضية، فنظام الوقف مصدر مهم لحيوية المجتمع وفاعليته وتجسيد حي لقيم التكافل الاجتماعي التي تنتقل من جيل إفى آخر حاملة مضموناتها العميقة في إطار عملي يجسده وعي الفرد بمسؤوليته الاجتماعية ويزيد إحساسه بقضايا إخوانه المسلمين ويجعله في حركة تفاعليه مستمرة مع همومهم الجزئية والكلية.

ثانياً: تاريخ الوقف ( ).
يذكر القرآن الكريم أن الكعبة المشرفة ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) آل عمران: ٩٦ فعلى قول من يقول أن الكعبة بناها آدم ، وإنما رفع قواعدها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، يكون بيت الله المعظم أول وقف ديني عرفه الناس ، أما على القول بأن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة ، فإنها تكون أول وقف ديني وضع في الإسلام دين إبراهيم الحنيف.
1. تاريخ الوقف عند غير المسلمين: ( ).
الوقف معروف عند الأمم السابقة قبل ظهور الإسلام وبعده، وإن لم يسم بهذا الإسم، فالإنسان في القدم عرف المعابد ورصد عليها العقارات، والأراضي، للإنفاق عليها من غلتها، وعلى القائمين بأمرها، ولا يفسر هذا إلا على أنه في معنى الوقف.
ومن هنا يمكن القول، إن فكرة الوقف كانت موجودة قبل الإسلام عند كثير من الأمم الكفارة، فقد وجدت عند قدماء المصريين فكانت الأراضي ترصد على الآلهة والمعابد والمقابر، وتؤخذ غلتها للنفقة عليها، كذلك ينفق على الكهنة والخدام من هذه الأموال، وكان الناس وقتها مدفوعين إلى هذا التصرف بقصد فعل الخير والتقرب إلى الآلهة كما زعموا.
وكان هذا الشيء موجوداً عند قدماء العراقيين، وعند الرومان وغيرهم( ).
ومن الأوقاف التي اشتهرت عند العرب قبل الإسلام، الوقف على الكعبة المشرفة، بكسوتها وعمارتها كلما تهدمت، وأول من كسا الكعبة، ووقف عليها (أسعد أبو كريب ملك حمير) ( ).
أما قول الشافعي رحمه الله: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته داراً، ولا أرضاً تبرراً بحبسها، وإنما حبس أهل الإسلام( ) فالإمام الشافعي هنا لم ينف وجود الأحباس في الجاهلية قطعاً، بل نفى وجود الأحباس التي يقصد منها القربة والبر آنذاك، وعلى هذا فإن فكرة الوقف أو حبس العين عن التمليك والتملك، وجعل منافعها مخصصة لجهة معينة، فكرة قديمة معروفة قبل ظهور الإسلام بزمن بعيد( ).
وفي العصر الحاضر: في بعض الأنظمة الغربية ما يشبه الوقف، ومن ذلك أن النظام الألماني جعل هناك ذمة مالية لمجموعة من الأموال، يصرف ريعها وغلتها على الأعمال الخيرية، ويوجد هناك مشرف لهذا المال، يشبه الناظر على الوقف في النظام الإسلامي.
كذلك يوجد ما يعرف بالإنفاق على الكنائس والمعابد من قبل الناس، بقصد القربة.
2. تاريخ الوقف عند المسلمين:
لقد عُرف الوقف عند المسلمين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان صلى الله عليه وسلم من أجود الناس في بذل الخير، والصدقات، والإحسان إلى الناس، حتى أن من تناول سيرته صلى الله عليه وسلم ذكروا أبواباً خاصة في بيان صدقاته صلى الله عليه وسلم وإنفاقه في الخير( ).
إلا أن علماء الإسلام اختلفوا في تحديد أول وقف وصدقه في حياته صلى الله عليه وسلم.
فذهب بعضهم ـ وهم من المهاجرين ـ إلى أن أول صدقة في الإسلام هي صدقة عمر رضي الله عنه.
وقال الأنصار: إن أول صدقة في الإسلام هي صدقة النبي صلى الله عليه وسلم يدل لذلك ما رواه عمر بن شبه عن عمرو بن سعد بن معاذ قال: سألنا أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون: صدقة عمر، وقال الأنصار: صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ).
ثم تتابع المسلمون في حبس أموالهم في أعمال الخير إلى يومنا هذا .
ثالثاً: أهمية الوقف الإسلامي:
ينظر كثير من الباحثين إلى نظام الوقف باعتباره أحد الأسس المهمه للنهضة الإسلامية الشاملة بأبعادها انحتلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية. و نظام الوقف باعتباره نظاماً خيرياً موجود منذ القدم بصورة شتى، إلا أنه من المؤكد أن نظام الوقف في الإسلام بشكله الحالي يبقى خصوصية إسلامية لا يمكن مقارنتها بصور البر في الحضارات أو الشعوب الأخرى . ومن أهم الأسباب التي أدت إلا تميز الوقف الإسلامي عن غيره من الأوقاف في الديانات والأنظمة الوضعية التالي:

1. التعلق الشعبي به وامتداد رواقه ومظلته إلى أمور تشف عن حس إنساني رفيع.
2. عدم اقتصار الوقف على أماكن العبادة كما هو في الأديان السابقة، بل امتد في نفعه إلى عموم أوجه الخير في المجتمع.
3. شمول منافع الوقف حتى على غير المسلمين من أهل الذمة، فيجوز أن يقف المسلم على الذمي لما روي أن صفية بنت حيي- رضي الله عنها- وقفت على أخ لها يهودي.
4. امتناع التصرف في أصل الوقف، وقد تحقق بهذا المبدأ حماية الوقف وعدم تعريضه لطيش المتولين عليه أو سوء نيتهم .
5. ما استقر لدى الفقهاء من أن شرط الواقف الصحيح مثل حكم الشارع فتحققت بذلك حماية الوقف واطمئنان الواقف إلى استمرار صرف وقفه في الأغراض التي تهمه ويُعنى بها .
6. ولاية القضاء على الأوقاف، فتحققت بذلك حماية الوقف من تدخل السلطات الإدارية.


وسوف نتحدث بمشيئة الله تعالى عن جزئية مهمة من متعلقات الوقف ألا وهي (أوقاف المساجد وكيفية تفعيلها ) والكلام على الوقف كلام كثير النيل وطويل الذيل أيضا بسبب ما للوقف من مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية ودور تاريخي كبير في القيام بالتغطية المالية لكثير من الواجبات الدينية، وكان سببا لبقائها إلى يومنا هذا رغم التردي الذي اصاب الدول الإسلامية ومع هذا بقى الوقف كحصن أمان لكثير من المظاهر الإسلامية في أماكن تواجد المسلمين في أنحاء العالم بشكل عام.
إن إحياء الأوقاف والترغيب بها في عصرنا الحاضر ضرورة حيوية وحضارية مهمة جداً، فلقد أسهم آباؤنا بإسهامات شاملة لمختلف شؤون الحياة المدنية الاجتماعية والجهادية، والعلمية،والصحية بما لا يعرف لـه مثيل في التاريخ، ثم أعرض الناس في الخمسين سنة الأخيرة على الوقفيات، بسبب مصادرة بعض الدول العربية والإسلامية لأموال الأوقاف ، وسوء الإدارة، وأيلولة بعضها للخراب أو قلة الريع، وعدم توافر نفقات الترميم، وإلغاء الوقف الأهلي ( أو الذُري ) لدى بعض الدول بسبب كثرة مشكلاته وكثرة المستحقين وضآلة الحصص .
ومما سبق يتضح لنا أهمية البحث في جزئيات الوقف المختلفة في هذه الأيام ، وتوضيح وسائل المحافظة عليه وتفعيله في كل الجوانب التي يتصل بها .وكانت الجزئية التي سنتكلم عنها (أوقاف المساجد وكيفية تفعيلها )
وحديثنا عن هذا الموضوع كان على عجالة وضيق في الوقت (لا يتعدى أسبوعا واحدا)،و انشغالٍ في الأعمال، ولذا لا أدعي استيفاء جوانب البحث وإنما فتح باب لمن يرد فهم أسس هذا الموضوع ، ومن أراد التوسع في أي جزئية من أجزاء فالمراجع في هذا كثيرة و لعل ما يزيد من أهمية هذا الموضوع قيام كثير من الندوات والمؤتمرات حول الوقف.

ومما سبق نقول أننا سوف نتناول هذا الموضوع بشكل مختصر لكن بمشيئة الله تعالى غير مخل ومن خلال ثلاثة مباحث كالتالي:
1. المبحث الأول:بيان ماهية الوقف.
2. المبحث الثاني: تنمية و استثمار الوقف.
3. المبحث الثالث: تفعيل أوقاف المساجد.
والمباحث المذكورة هي خلاصة مؤتمرات وحلقات دراسية وورش عمل وندوات أقيمت في أماكن متعددة .
فأحببت أن أبدأ من حيث انتهى الآخرون واسأل الله عز وجل الإعانة والتوفيق والسداد ،ثم القبول وأولا و أخيرا الإخلاص في القول والعمل .
وما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ أو تقصير فمن نفسي ومن الشيطان.
والله ولي في الدنيا والآخرة فنعم المولى ونعم النصير.
محمد يحيى محمد الكبسي



المبحث الأول : بيان ماهية الوقف.
أولاً: الوقف فـي اللغة:
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: الواو والقاف والفاء أصل واحد يدل على تمكث في شيء ثم يقاس عليه( ).
ويطلق الوقف ويراد به الحبس كما أنه يطلق ويراد به المنع.
فأما الوقف بمعنى الحبس فهو مصدر من قولك: وقفت الشيء وقفاً أي حبسته، ومنه وقف الأرض على المساكين، والحُبس بالضم هي ما وقف.
وأما الوقف بمعنى المنع: فلأن الواقف يمنع التصرف في الموقوف فإن، مقتضى المنع أن تحول بين الرجل وبين الشيء الذي يريده، وهو خلاف الإعطاء( ).
والجمع أوقاف وأحباس.
وسمى وقفاً: لأن العين موقوفة، وحبساً؛ لأن العين محبوسة( ).
ثانياً: الوقف فـي الاصطلاح: ( )
عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة، باعتبارات مختلفة، حتى أننا نجد لفقهاء المذهب الواحد أكثر من تعريف.
أولاً: تعريف الحنفية:
أختلف فقهاء الحنفية في تعريف الوقف، والسبب في هذا يرجع إلى اختلافهم في الوقف هل هو لازم أم لا؟ ولذلك فإن فقهاء الحنفية في تعريفهم للوقف يفرقون بين تعريفه على رأي أبي حنيفة وبين تعريفه على رأي الصاحبين.
وتعريف أبي حنيفة للوقف هو: حبس العين على حكم ملك الواقف، والتصدق بالمنفعة على جهة الخير.
وبناء عليه يصح للواقف الرجوع عن الوقف وله بيعه؛ لأن الوقف عند أبي حنيفة غير لازم كالعارية( ).
أما عند الصاحبين الذين يريان أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف فالوقف هو: حبس العين على ملك الله تعالى، وصرف منفعتها على من أحب( ).
ثانياً: تعريف المالكية للوقف:
عرّف فقهاء المالكية الوقف بأنه:
إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيها ولو تقديراً( ).
وعليه فإن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي، وتبرع بريعها لجهة خيرية شرعاً، لازماً، مع بقاء العين على ملك الواقف، فلا يشترط فيه التأبيد.
ثالثاً: تعريف الشافعية:
من أشهر تعاريف الشافعية للوقف هو تعريف الشربيني حيث قال: إنه حبس مال يمكن الإنتفاع به، مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود.
وعليه يخرج المال عن ملك الواقف، ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى( ).
رابعاً: تعريف الحنابلة:
عرفه فقهاء الحنابلة بأنه: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة( ).
وبهذا التعريف تخرج العين عن ملك الواقف وتكون في سبيل الله، لا يجوز بيعها ولاهبتها، ولا الرجوع فيها،
خامساً: تعريف الزيدية: ( ).
حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ . وهم بهذا التعريف يتفقون مع الشافعية والحنابلة عموما. ولكن المعتمد في المذهب عند انقطاع الوقف رجوع الوقف لمالكه فيكون الوقف ملكا لواقفه. وقد بين الإمام الشوكاني هذا التناقض فقال ( ) ’’
أقول الوقف تحبيس مؤيد ورجوعه إلى الواقف ووارثه عند انقطاع مصرفه يخالف التحبيس والتأبيد فإن قلت إذا زال مصرفه الذي وقفه عليه الواقف فماذا يكون وإلى أين يصير قلت ينبغي أن يصرف في مصرف مماثل لذلك المصرف الذي كان الصرف إليه كما يقتضيه قوله لعمر إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها وفي لفظ حبس أصلها وسبل ثمرتها فبقاء العين الموقوفة على ما يوجبه الوقف هو معنى التحبيس وزوال مصرفه لا يرفع هذا التحبيس لأنه تحبيس مطلق ولو كان مقيدا ببقاء المصرف لم يكن وقفا وسيأتي للمصنف أن رقبة الوقف النافذ وفروعه ملك لله محبسة للانتفاع فكيف يعود ما قد صار ملكا لله للواقف أو وارثه وهكذا لا يعود بزوال شرطه لأن هذا شرط يخالف موجب الوقف ويرفعه’’
واختار الدكتور محمد بن أحمد الصالح تعريف حديث للوقف بأنه ’’تحويل الأموال من وظيفتها الاستهلاكية إلى استثمارها في أصول رأسمالية إنتاجية تنتج المنافع والخدمات والإيرادات التي تستثمر في المستقبل في أوجه البر والخير’’.( ).
ثالثاً: حكم الوقف: ( )
الوقف جائز شرعاً، وهذا قول جماهير أهل العلم من الحنفية( )، والمالكية( )، والشافعية( )، والحنابلة( )، والزيدية ( ) وهو قول الظاهرية( ).
قال في المغني: وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف( ).
رابعاً: أدلة مشروعية الوقف:
دل على مشروعية الوقف الكتاب، والسنة، والإجماع، وعمل الصحابة.
1 – الكتاب.
قوله تعالى:          [آل عمران:92].
يقول أنس رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية          [آل عمران:92].
قام أبو طلحة إلى رسول الله  فقال يا رســول الله: يقول الله في كتابه           وإن أحب أموالي إليَّ بيرحى، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عندالله، فضعها يارسول الله حيث شئت، فقال رسول الله : ((بخ ذلك مال رابح، ذلك مال الرابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)) ( ).
وفي لفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أجعلها في قرابتك)) فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب.
البر هو جماع الخير,l_subject= وقيمة إيتاء المال على حبه لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل هي الانعتاق من قيود الحرص والشح والأثرة، انعتاق الروح من حب المال الذي يقبض الأيدي عن الإنفاق فهي قيمة ثمينة يشير إليها ذلك النص على حب المال وقيمة شعورية أن يبسط الإنسان يده وروحه فيما يجب من مال فهي قيمة إنسانية كبرى في نظر الإسلام الذي يسعى لتحرير الإنسان من وساوس نفسه وحرصها وضعفها ويعمل على تقوية صلتها بذوي القربى لما فيها من تحقيق مروءة النفس وكرامة الأسرة وتقوية وشائج القربى والأسرة هي النواة الأولى للجماعة هي لليتامى تكافل بين الكبار والصغار وبين الأقوياء والضعفاء وتعويض لهؤلاء الصغار عن فقدان الحماية والرعاية الأبويتين وحماية للأمة من تشرد صغارها وتعرضهم للفساد، وهي للمساكين الذين لايجدون ما ينفقون,pub= وهم مع ذلك ساكنون لا يسألون ضناً بماء وجوههم,page_c= احتفاظ لهم بكرامة نفوسهم وصيانة لهم من البوار وإشعار لهم بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المسلمة التي لا يهمل فيها فرد ولا يضيع فيها عضو( ).
2– ونستدل أيضاً على مشروعية الوقف بقول الله تعالى:  آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (الحديد:7)
3 – وقوله تعالى:  مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد:11)
4– وقال تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد:18) 
في هذه الآيات تتجلى دعوة الله جل وعلا للمؤسرين ببذل المزيد من أموالهـم في البذل والعطاء إنه هتاف مؤثر عندما يقول للعباد والفقراء المحاويج  مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا (الحديد:11) ومجرد تصور المسلم الفقير أنه يقرض ربه المليء الغني كفيل بأن يسارع إلى البذل والسخاء بالمال إن الناس ليتسابقون عادة إلى التعامل مع الثري منهم لأنهم على يقين في استرداد أموالهم فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد الذي لا يكتفي بإعادة رأس المال وإنما يعيد لهم أضعاف أضعاف أموالهم.
ثم يأتي قول الله تعالى  إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ …….الاية  فهذا حافز يشحذ الهمم ويستنهض العزائم لمزيد من بذل المال في طريق البر والخير. حيث تفيد الآية بأن المتصدقين والمتصدقات لا يتعاملون مع الناس إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مع الملئ الغني فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد وأن ما ينفقه في سبيل البر والخير مخلوف عليه مضاعفاً وأن له بعد ذلك كله أجر كريم فلم يقل الباري جل وعلا أجر بحق أو أجر بعدل بينما قال أجر كريم، والكرم فيض فوق العدل وفوق الحق بحيث يكون تقديره من أكرم الأكرمين مالك الدنيا والدين. ( ).

2 – السنة:
استدلوا بأحاديث كثيرة منها:
(أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالـح يدعو له))( ).
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: فيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه أ.هـ( ).
(ب) عن ابن عمر
أضافة تعليق
آخر مقالات