مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2021/07/13 19:10
(ديوان)اَلْـجُرْهميُّ الأخير
طارق السُّكَّري

اَلْـجُرْهميُّ الأخير

شعر
افتتاحية
المستشار الثقافي – الملحقية الثقافية بسفارة الجمهورية اليمنية - ماليزيا
ا.د. عبدالله أحمد يحيى الذيفاني
أستاذ أصول التربية
جامعة تعز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
شرفني العزيز الأديب الأريب طارق السكري بطلب الكتابة عن ديوانه : ( الجُرهميُّ الأخير ) كتقديم يستهل به الديوان وهو لعمري طلبٌ غالٍ ولكنه فوق قدرتي وإمكانياتي، فجهد السكري يتطلب بحّاراً ماهراً في محيطات الأدب وبحاره وخلجانه بمجاديف قوية وسواعد أقوى، وبصيرة خبير لمتقلبات المسطحات المائية بمختلف مسمياتها، ولم يجدِ اعتذاري أمام إصرار السكري الذي أسكرني بأدبه الجم ودماثة خلقه وتواضعه الذي ينم عن علم وسلوك عالم عارف.
ومن هنا لم يكن أمامي الا الإبحار والتوكل على الله، ومن ثم على ما أمتلك من مخزون أدبي ومعرفي متواضع قد يساعد على كتابة أسطر - وإن لم تصل إلى مستوى الإنجاز الذي بين أيدينا ولكنها ، ستعبر عن رأي مستخلص من سيرة الشاعر وغصون وثمار الدوحة التي بين أيدينا وتاريخه الشعري والأدبي إجمالاً.
أشرع في الولوج الى الموضوع وأجمل القول أن الدوحة :-
أولا: اشتملت على زاد ثري، دسم، مؤلم ، موجع من جهة مثير ، مصور ، مفعم بالأمل ، وعاكس لتاريخ ومجريات معاصره، ومتمثل لتجربة مؤسسة على خزين عميق من العطاء الشعري.
ثانياً : أن عنوان الدوحة محير ، وغير مألوف .
ثالثاً: تعكس خبرة تنوعت ميادينها ومشاربها واكتست حلة زاهية مَثًلَ القرآن المجيد أساسها، وغراسها وشكل عمقها وأفقها المفتوح ومفراداتها وبيانها، بديعها ، مبناها ومعناها فظهرت القصائد ناطقةً بحرف فصيح وناقلةً لخلجات الشاعر وتجلياته بلغة تبلغ العقول والقلوب.
رابعاً : عكست كما أسلفنا اقتداراً لغويا اكتسبت مادته وقوته من القرآن المجيد كما أسلفنا ، وكذلك من قراءات متنوعة لامهات الكتب والمراجع في اللغة والادب إجمالاً والشعر على نحوٍ خاص، ويظهر ذلك جلياً في مقدمة الشاعر لدوحته بتقديم معمق ومفصل عن الشعر وكيف يفهمه ، وهو ما كفاني به الحديث عن الشعر وقيمته العالية اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وديواناً للتعبير عن مكنونات الحياة وهو ما جرت عليه الألسن في توصيف الشعر أنه ديوان العرب.
خامساً : عكست دوحة السكري بكل أوراقها وظلالها وامتداد خضرتها وتشابك أغصانها، شخصية شاعر خبر اللغة وتمرس على توطينها وتوظيفها في سياقات معبرة شعراً ونثراً ويتجلى ذلك من إنجازاته العديدة التي تزيد على أربعة إصدارات ورقية إضافاة إلى منشوراته على صفحات الجرائد والمجلات كما يتجلى في هذا السفر أيضاَ ، شعراً في القصائد ونثراً في المقدمة، وفوق كل ذلك يسجل كاتب السطور ثانياً اعترافه أنه امام جهد ناطق ، يعبر عن نفسه باقتدار ويعبر عن مكنوناته بلغة صافية سلسة في المبنى والمعنى في حدود فهم كاتب هذه السطور وخبرته المتواضعة، ومن ثمَّ فإن قراءة هذا الجهد ومحاولة بيان معانيه وأبعاده هو ألا يمكن أن ينصفه، فهو يعلو على ما سيكتب عنه ويمتلك قوة تقديم نفسه.
وقفت طويلاً أمام ديوان الشاعر السكري- الجُرهميُّ الأخير، وأقررت بعد الإبحار فيه وبكل شجاعة،  الاعتراف به دوحةً أدبيةً، احتوت على ضوء وظل؛ ضوء كشف به مواطن عديدة من الأمل والتفاؤل، وظل أنعم به على مسيرة تقصي دقيقة وعميقة لدواعي الكرامة والانتفاض والإرتقاء إلى مدارج الحرية وامتلاك أسباب الحياة الهانئة التي يرفل بها المواطن باستحقاق وفق قيم المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية على قدم المساواة.
وجدت نفسي أمتص سكرية السكري وعذوبة سِفره الأدبي وحلاوة معانية وطراوة مفرداته وعبق الطيب والتاريخ فيه، ومصداقية العلاج النافث ترياقه، وفق تشخيص دقيق وتحليل عميق وبُعد معجون بأفق جلي واضح الرؤية والموقف الأدبي، السياسي، الثقافي، الاجتماعي، الواضح والشجاع، مسنوداً بموقف إيماني وعلمي زينَّ قصائده وكساها حلة لايملك المبحر فيها إلا المزيد من الإبحار الآمن، والاتكاء على مبناها ومعناها، والانطلاق بمعية قارب السكري وحكمته وحلمه من موطن إلى موطن، ومن محطة إلى أخرى في سفره المبارك ورحلته الشعرية المتميزة والمتجددة.
كيف لا؟ والسكري يمثل تجربة عميقة بناها بمسيرة طويلة من التنمية الذاتية، والعمران المعرفي، والإشباع الإيماني والتشرب الممنهج لآيات الله جلت قدرته ، وامتلاك ناصية الكلمة والمفردة العميقة التي صنعها كتاب الله المجيد فيه، ومده باقتدار، للتعامل مع اللغة بعذوبة نادرة وسلاسة لايعرفها إلا العالمون باللغة العربية  وخصائصها المتفردة، وعلميتها وعالميتها التي منحتها شاعرية فريدة بين غيرها من اللغات.
كما أُقر وأعترف أن اليمن وطنٌ لايمكن لأي كائنٍ من يكون أن يشطبه ويمحوه من الوجود، وطناً فاعلاً ومؤثراً وصاحب سيادة وتاريخ وحضارة ، وأقر وأعترف أن اليمن معترف به ومكانته وحضارته التي صنعها أسلافه ونقلتها إسهاماته عبر التاريخ وصولا إلى اللحظة وما نشهده حالة طارئة ستزول، وهذا ما أكده شاعرنا السكري بقوله : ( ولكنه أصر على البقاء حياً، ليعيد المارد الغشوم إلى قمقمه والخفافيش الى أوكارها كما فعلت أسلافه من قبل).
أقف هنا وأقفل فقراتي الاعتراضية وأدعو القاريء الكريم إلى الولوج برفق إلى دوحة السكري الشاعرية والتمتع بضوئها وظلها، وللشاعر دعائي بالمزيد من التميز والإبداع.
والله من وراء القصد،،
ا.د. عبدالله أحمد يحيى الذيفاني
أستاذ أصول التربية
جامعة تعز
المستشار الثقافي – الملحقية الثقافية بسفارة الجمهورية اليمنية - ماليزيا
على سبيل التقديم
د .عبد الحميد الحسامي
أستاذ الأدب والنقد المشارك بجامعتيْ إب وجامعة الملك خالد - أبها
حينما يمتلك الشاعر تصورًا يملأ عليه فضاء فكره، ويستقطب كل زوايا تفكيره، ومفردات مناشطه نقول :إنه قد امتلك الرؤية أو التصور ،وبذلك يمتلك جناحًا واحدًا من أجنحة الإبداع، ولا يتأتى له التحليق في مدائن الإبداع حتى يمتلك الجناح الآخر المتمثل بالأدوات الفنية: من لغة عليا شاعرة، وطرائق تعبير ،وإيقاع جميل، وصورة محلقة ،تلك هي عناصر التكوين للمبدع الحق ، وما تمكن مبدع من الانطلاق في سماوات التألق الإبداعي دون حيازتها ، وعلى قدر إجادته لها يسمو ويحقق طموحه الإبداعي، ولا يتمكن المبدع من حيازتها دون كباد وتجريب ، وتمرس فعال، وتطوير دؤوب لملكاته.
وحينما نتأمل ( الجُرْهميُّ الأخير ) للشاعر طارق السكري ، نجد أن الشاعر يضع قدميه على درب الكلمة المبدعة بثقة، تسعفه لغة جيدة، ورؤية واضحة، ينشد مستقبلا كريمًا للإنسان، ويحلم بفجر مشرق، يسكب فيه ابتسام الحياة، وحياة البسمة، يتغنى بالحرية، ويعلن وفاءه للمكان حين يكون ميدانا للانتصار على الظلم والظلام ،حين يصير قلبا لمحارب، وخيمة لاعتصام في وجه الطغاة، تصنع فيها أجنحة للنهار، وينطلق منها ماء الحياة .
كما أن نصوصه تجسد موضوعًا طالما أرَّق المغترب اليمني وانشغلت به رؤية المبدع اليمني وهو موضوع الغربة؛ فالإنسان اليمني (كائن مغترب ) ويعد السكري حلقة في سلسلة طويلة من متاعب وطن أدمن الارتحال والغربة، وواحدًا من المبدعين الذين قاسوا آلامها واكتوت قلوبهم بها، ورغم الغربة التي تسحق كثيرًا من المغتربين،  وتطويهم في متاهاتها وأوجاعها يبقى –كما يقول محمد عبد الولي (شيء اسمه الحنين) يتوهج في قلب كل مغترب، ويتسنبل أشواقًا خضراء تسرح عصافير قلبه في أفيائها .
( الجُرهميُّ الأخير) عنوان نابض بالهمِّ الإنساني الذي يتوهج في نسيج المتن النصي للديوان ، يحمل ثمانية وثلاثين آهة هي ثمانية وثلاثون قصيدة تمتد إيقاعيًا بين الوزن الخليلي ، والشعر الحر .
كما أن الشاعر السكري في هذا الديوان يستوعب هموم الذات الفردية ، وينطلق للهم الوطني ، ولا ينسى الهم العربي والإسلامي وهو في ذلك كله يترنم بالحرية وينابذ المستبدين.  
خالص الأمنيات له بالتوفيق .

مقدمة الشَّاعر

ماهو الشعر ؟
هل هو الفضيلة أم الرذيلة ؟ الصدق أم الكذب ؟ الثورة أم الفهلوة ؟ هل الشعر قواعد أم ذوقيات ؟ هل هو حقل من حقول المعرفة أم هو باب آخر للغواية والتمرد والجنون ؟
من أين نبدأ في تعريف الشعر ؟ من اليونان أهل الحكمة والمنطق ؟ أم نبدأ من جزيرة العرب أرباب الفصاحة والبلاغة ؟ هل هو كما يقول أفلاطون في كتابه نظرية الشعر : (الشعر ما دعا إلى فضيلة ونهى عن رذيلة وما سوى ذلك فباطل ) أم أن الشعر كما جاء عند ابن رشيق القيرواني : الشعر كلام موزون ؟!
هل يُنظر إلى الشعر من خارجه .. من الشكل والقالب ؟ أم يُنظر إلى الشعر من داخله .. حيث القيم التعبيرية والشعورية والجمالية ؟ وهل أنا هنا بصدد وضع تعريف للشعر ؟ ألا يعرف الناس الشعر بالفطرة ؟ ألا يفرق العامي بين الشعر والكلام العادي ؟
لا أختلف أبداً مع من يقول أن الشعر أثر من آثار الذكاءات اللغوية الموجودة في ذات الإنسان .. خلق الشاعر مزوداً بها .. من حيث الخيال القوي ، والروح المهيأة للغربة والألم .. من حيث الهيام بالكلمة ، والسياحة في فضاءات المعنى بلا تكلف ولا عناء تماماً كالموسيقي الذي خلق مزوداً برهافة السمع ، والإحساس العالي بالنغم . وهذا معنى قول أحد فلاسفة الغرب : الإنسان حيوان مجازيّ . أي لديه قدرات خيالية وذكاءات لغوية لكنها عند الشاعر أرفع درجة .
ولا أتصوّر عالَماً بلا شعر ! كيف سيكون هذا العالم بدون شعر ؟ إن وجود الشعر قيمة جمالية عليا تناضل بدأب للمحافظة على الإنسان من قيم القبح والبغضاء والحرب .. تضيء عالمه الروحي وتشبع أحاسيسه العاطفية وتسهم هذه القيم الجمالية متضافرة مع الحقول المعرفية الأخرى في تحقيق الرخاء للإنسان .. في الوصول به إلى الحقيقة والسعادة .
وعطفاً على موضوع تعريف الشعر بإيجاز وعن قناعة أقول : الشعر ما تسبب في نقل عدوى الشعر إلى المتلقي ! متى ما استطاع النص الشعري أن يعيش في خيالك ويتسبب في إحداث لذة عقلية ، فجعلك تدندن بالشعر فذلك هو الشعر . ولابد لشعر كهذا أن تكون أدواته الفنية مكتملة إضافة إلى علائق كثيرة داخل محيط النص الشعري.
أنا حقيقة – وجهة نظري – لا أحب للنحوي ولا الفقيه ولا القاضي ولا الفيلسوف أن يتدخل في وضع حدَّ أو تعريفٍ للشعر وأحب أن يترك مفهوم الشعر للشعر نفسه .. أن نأخذ معنى الشعر من الشعراء وحدهم.
دخل مرة عبدالرحمن بن حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عبدالرحمن لايزال صغيرا دخل على أبيه وهو يبكي فقال له : مابك يابني ؟ قال : لسعني طائر . قال : صِفه ؟ قال : كأنه مُلْتفٌّ في بُردَتيْ حِبَرَة . فصاح حسان : قال والله ابني الشعر !
اهتزت جوانح حسان كما تهتز النخلة إزاء الرياح القوية ! اهتزت لهذه النسمة الرقيقة من الجمال وعلم ببصيرته الجبارة أن ابنه سيقول الشعر يوما رغم أنه إنما قال نثرا كلاما بلا وزن ولاقافية ! لقد كان حسان يمتلك القدرة على تقشير الغلاف الخارجي للكلمة واستخراج اللب وإبرازه للضوء . والذي جرنا إلى الاستشهاد بهذه الحادثة هو الحديث عن الإحساس بالجمال واستكناه معانيه وتتبع ذات الشاعر في عناصر أبياته وصوره البلاغية واستحضار حزنه الأليم ، واستشعار ضربات أجنحة خياله وهو يطوف الكون ويستنطق الأحياء والنبات والجماد ، واستخلاص مفهوم الشعر من قيم الشعر ذاته.
ومن باب الحديث بالحديث يُذكر ، حول تشبيه حشرة الدّبّور بشخص يرتدي بردة مخططة الألوان ، وفي محور الحديث حول تقديم العرب التشبيه على موضوع الوزن يورد الدكتور جابر عصفور مقولة مشهورة للشاعر ذي الرِّمَّة : ( إذا قلتُ كأنَّ .. فلم أُحسِن وأُجِدْ فقطع الله لساني ) [1] فالتشبيه بدقة والإصابة في الوصف لايقدر عليه إلا شاعر فحل وهذا هو ما قدمه الشاعر على الوزن الشعري في حديثه ، مما يشي بوعي كبير لدى الشعراء العرب قديما بطبيعة الشعر . (قال والله ابني الشعر ! )
الشعر هو ذلك الطائر الغرّيد الذي استطاع أن يحمل أحلام الإنسان وهمومه وتطلعاته ويرافقه حتى الرمق الأخير .
الشعر ذلك العالم البديع من الفوضى الخلاقة .. الخروج على المألوف وهدم اللغة عن وعي ، وتشكيل عالم جديد.
الشعر ذلك العالم المختلف .. العالم المسحور .. الذي تسمع فيه ضربات أجنحة الخيال ، ووشوشات أنهار الكلمات .
الشعر ديوان العرب .. سيّد البيداء .. حادي المسافرين .. فاكهة السامرين.
الشعر مسكون في ذات العربي ، يجري مجرى الدم وما أكثر المتذوقين الذين يدهشونك بتحليلاتهم حول قصيدة ما ، ومنهم من يشد انتباهك إلى معنى شارد أو تصوير للقضية بديع .
العربي شاعر بالفطرة .. نعم قد لا يقول الشعر لكنه يطير من مكانه لو اخترق صوت الشاعر المعاصر شغاف قلبه .

القارئ المطلوب
إن النص الشعري الذي ينجح في هزّ شعور القارئ ويدخله فيما يشبه الصدمة الفكرية فيثير خيالاته الراكدة ووساوسه وانفعالاته لهو في الحقيقة نص شعري ناجح بغض النظر عن موضوعه . وكان لزاما على الشعر المعاصر أن يفعل ذلك ، يهدم نُظُماً وعادات راسخة في ذهن القارئ كي يبني رؤية جديدة ولغة جديدة . إن الشعر المعاصر تقف أمامه عوائق أهمها : التعليم الفاشل ! فقد دأب الطاغوت السياسي منذ أمد بعيد أن يستأثر بالحقيقة والمعرفة دون سائر الناس لأن المعرفة نفوذ وقوة ،وساعده في ذلك : النخبة من كل الحقول المعرفية وبالأخص البلاغيون الذين أنشأوا الفكر البلاغي ليوافق مقتضى الحال أي ما يوافق الحالات النفسية والمواصفات الخلقية التي يحبها الممدوح سواء كان خليفة أو أميرا أو وزيرا واشترطوا على الشاعر أن يتخير الوقت المناسب للمدح وعدّوا ذلك من الفطنة وقديما أخذ النَّقّاد العرب على الشاعر ذي الرِّمَّة استفتاحه في مدح الخليفة بمطلع قصيدته الشهيرة :
ما بال عينيك منها الدَّمعُ ينسكبُ
كأنها من كُلىً مفريَّةٍ سَرَبُ
فقد عاب النقاد العرب هذا المطلع جماليا وخلقياً .. فإن منظر الكلى المتفتتة وما يرشح منها هو في الحقيقة منظر قبيح ، هذا أولاً ،  ثانيا : كيف يستفتح الشاعر في مدحه للخليفة بالدموع والبكاء ؟ فهذا ينم عن فساد ذوق ! فعدّوا ذلك سقطة .
طبعا .. كان تبنِّي النقاد هذا الحكم تجاه الشاعر ذي الرّمة مبنيّاً على الوعي البلاغي الراسخ لديهم في القديم . في كتابه : ( شعرية الخطاب ) يقرر الدكتور عبدالواسع الحميري أنّ الوعي البلاغي لدى البيانيين العرب كان قد وضع للشاعر إطاراً من حيث الصور الشعرية والمواضيع التي ينبغي أن يتناولها ويهتم بها .. إطارا فنيا محددا لا ينبغي الخروج عنه . يتجلى ذلك في تعريفهم المشهور للبلاغة : (موافقة مقتضى الحال) والذي يقصد به الأوقات المناسبة للمدح مع مراعاة أقدار الناس ومقاماتهم تلك التي يعنونها بــــ مقتضى مراعاة حال المخاطب . على ضوء هذه النظرة الجائرة في حق الشاعر الذي وجد نفسه كالعصفور في قفص ! سحب النقاد بساط الشاعرية من تحت أقدام كثير من الشعراء الذين خرجوا عن مفهوم البيان لديهم ! كتشنيعهم على ابن الرومي كثرة هجاءه للخلفاء والوزراء وكذلك البحتري الذي هجا نحوا من أربعين رئيساً [2] وعلى ذات الاتجاه يسير الدكتور عزّ الدين إسماعيل في ( الأدب وفنونه ) في نقده للمفهوم البلاغي لدى النقاد العرب القدامى غير أنه يشيد بمنهج في النقد جديد ( منهج التحليل النفسي ) الذي يركز على النشاط اللاشعوري للعقل فهو يقرر أن علم النفس الأدبي الحديث قد أنصف المقتضى الداخلي للشاعر ، وقد أظهر التحليل النفسي للنص خطأ الكثير من الأحكام النقدية في القديم .. ثم يضرب لنا مثلاً فيقول : فعلى سبيل المثال : عاب النقاد القدامى أبياتا لذي الرمة مدح بها الخليفة .. وهي أبيات مشهورة يقول فيها
ما بال عينيك منها الدَّمعُ ينسكبُ
كأنها من كُلىً مفريَّةٍ سَرَبُ
ثم يأخذ الدكتور عز الدين إسماعيل في شرح مناسبة الأبيات ، متوغلا إلى أعماق ذات الشاعر .. أي أنه بدأ يعيش المقتضى النفسي للشاعر قبل أن تتكون فكرة القصيدة وذلك بتتبع السياق النفسي والتاريخي الخاص بالشاعر إذّاك . يقول عن ملابسات القصيدة : حدث ذات مرة أن الشاعر ذي الرمة – وهو ابن الصحراء - أخذه العطش واشتد به ، فذهب إلى قِرابه ليشرب ، فوجد أن خوارزه قد فسدت ، وأن الماء قد تسرّب منها فلم يجد ما يروي غلته ، فانتابه الهلع وتيقن الهلاك ، وقد وصف ذو الرمة ذلك فقال في نفس القصيدة :
وفْرَاءَ غرفيّةٍ أثْأى خَوَارِزُها
مشلشلٌ ضيّعتْها بينها الكتبُ
ثم أن الشاعر وهو في تلك الحال من العطش يتذكر قافلة مرت من جانبه :
اِسْتحدثَ الرَّكبُ عن أشياعهم خبراً
أم راجعَ القلبُ مِن أطرابهِ طربُ ؟
يقول : فإذا كان ذو الرمة يستفتح الخليفة بهذه الصورة فليس ذلك إلا لأن ذا الرمة قد أتى الخليفة وفي نفسه أنه سيقضي له حاجته ، وسيغدق عليه من عطاياه ، فهو يشكو إليه ضياع زاده في الصحراء وهو لا يكاد يجد له معيناً ... فهي إذن شكوى مُرّة تلك التي أراد إليها الشاعر ، وليست كما زعموا تهجُّماً على الخليفة وليست فساد ذوق كذلك[3]
ومعنى هذا أن الدراسات الحديثة قد أفادت الأدب وأغنته وأثرته بشكل كبير . ومعنى هذا أيضا أن التركيز على البعد النفسي في الحالة الإبداعية هو السبيل الأمثل لفهم النص .
إننا نحن العرب رغم التقدم التكنلوجي والانتصار الحضاري الذي يعيشه العالم .. هذا التقدم الذي نلوكه يومياً إلا أننا نعيش في شبه غيبوبة عن أسرار هذا التقدم ومفاهيمه ! إن بيننا وبين مفهوم الحضارة سنين ضوئية .. لم يستطع التعليم أن يغرس فينا حب الصناعة فضلا عن حب المكتبات والقراءة .. فضلا عن الاهتمام بالترجمة ! نعيش في القرن الواحد والعشرين ولكن فكرنا البلاغي والشعري يعيش في عصور ما قبل التاريخ . لقد سكنت موسيقى الشعر العربي القديم وتراكيبه وصوره وأشكاله في عقولنا فلم نعد نستوعب الجديد .. والفن الجديد .. والأجناس الشعرية الجديدة. لقد اعتدنا على الطبلة والمزمار ونسينا أن هناك أيضا آلات موسيقية أخرى حديثة بمقدورها أن تشبع حاجاتنا العاطفية والشعورية وأن تشيع فينا البهجة والمتعة . ليست الطبلة والمزمار هما الوسيلة الوحيدة للتعبير وإنما هناك أيضا آلات أخرى . متى يستطيع الشاعر أن يعبر بلغة العصر؟ ومتى يستطيع وعي القارئ أن يفهم لغة القصيدة الجديدة ؟ هكذا كان يتسائل الدكتور عبدالعزيز المقالح في كتابه : ( أصوات من الزمن الجديد ).
ولأن الشعر ابن بيئته فهو مطبوع على التطور والتغيير ولذلك نلاحظ أن مضامين القصيدة العربية قد أخذت تسلك طريق التغير والتفكك أو خروجها على القديم لتأثرها بالعوامل الحضارية والتاريخية التي بدأت تشيع أواخر العصر الأموي ، يقول الدكتور : محمد بن علي بن درع : لقد كان العصر العباسي أخصب العصور إذ شهد تطوراً وتغييراً على كافة المستويات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية انعكست جميعها على الحياة والنتاج ، وأصبح الإنسان العباسي يواجه صراعاً صعباً  بين التاريخ والواقع ، فهل يتمسك بالتراث الماضي أم يتكيف مع الواقع الجديد ممثلاً في الحياة الجديدة المتحضرة ؟ يعبر عن تجاربه ويستجيب لذوق مجتمعه وثقافته ، فقد نشأ بينه وبين الأشكال التقليدية أشكال من الصراع وكذلك الذوق . [4]
بدأت إذن لغة الشعر تتخلص من لغة البداوة بالتدريج ، وبدأنا أيضاً نرى في الشعر مظاهر العصر وصخبه وبدأنا نرى أشكالا جديدة في الشعر تزامناً مع التحولات التي كانت تعيشها البيئة واستجابة لحاجات الإنسان الروحية أيضا فنشأت أنواع من الشعر جديدة الأشكال كالمطرود والمنسرد والمخمسات والمزدوج وفي العصر الأندلسي ظهرت الموشحات وفي العصر الحديث ظهرت مدارس عديدة للشعر لكل منها مفهوم حول طبيعة الشعر يختلف عن الأخرى ، وظهر كذلك الشعر الحر . ويعد هذا علامة من علامات الصحة والعافية في اللغة الشعرية التي تسعى إلى التحسين والتجويد ومواكبة العصر دون قطيعة مع الماضي . غير حريّ بنا أن نتخذ التراث الشعري صنماً يُعبد ، وإنما الأصل أن يتخذ نموذج إلهام . إن فكرة القطيعة مع التراث كما ينادي بها بعض الحداثيين فكرة لاتخدم لغة الشعر ، لأن الصور الشعرية فيما يعرف بالبلاغة الجديدة تقوم على توظيف الرمز والأسطورة واستنهاض التاريخ والاستفادة من أحداث الماضي وتوظيفها توظيفاً فنياً يثري الفكرة ويفتح للرؤية آفاقاً جديدة .
حقيقة لا أريد أن أتحدث عن قصة شعر التفعيلة أو الشعر الحر فقد أُشبعت هذه المواضيع بحثاً حتى نضجت فيما يبدو لي منذ منتصف الأربعينات ، ولا أريد الحديث حول صعوبة كتابة هذا الشعر الذي يعتمد على موهبة قوية أكثر من موهبة الشعر التقليدي ! حيث يعتمد هذا الشعر على قوة الملكة الإيقاعية وحرفية توزيع الأشطر وتعتمد أيضا على الملكة اللغوية ، ولكني أتسائل لماذا القسوة على الشعراء؟
 لقد هاجم التقليدون الشعر الجديد بكل ضراوة ووضعوا أمامه العراقيل ولم يعترفوا إلا بالشعر القديم .. وعلى منوال الشعر القديم في التشبيه والاستعارة وأغراض الشعر قالوا ينبغي أن يسلك الشاعر .. لأن القديم هو الأصل !! وقديما وقف الآمدي وأبو العلاء وغيرهم موقفا معاديا من الشعراء المحدثين كبشار وأبي تمام والبحتري وأبي نواس حتى أن ابن الأعرابي قال في شعر أبي تمام : لو كان كلام هذا شعراً لكان كلام العرب كله باطل !
وأذكر طرفة وقعت بالفعل .. وردت في كتب الأدب : ذهب أبو تمام في أحد المرات لزيارة أحد النقاد .. أظنه ابن الأعرابي فقال له : عثرت على قصيدة لأحد الشعراء القدامى ، فتهلل وجه ابن الأعرابي وقال : هات فداك أبي وأمي ، فلما فرغ أبو تمام من الإنشاد ورأى أن النشوة قد ذهبت بفؤاد ابن الأعرابي قال : أبو تمام : ما رأيك ؟ فقال : لعمري هذا هو الشعر فقال أبو تمام : والله إنها لي وإنها ابنتُ ليلتها . فغضب ابن الأعرابي وقال : والله لقد كان في قلبي منها شيء ! ثم ارتحل .
وكان أبو عمرو بن العلاء وهو أحد المتشددين يقول : والله لقد هممتُ أن أروي من هذا الشعر المحدث لسهولة عبارته ورشاقة ألفاظه .
إن  مظاهر الحياة العباسية وزخارفها انعكست على مرآة الشعر بتلقائية فاكتسح الجديد القديم .
وهناك على صعيد آخر .. نوع من الصنمية لدى الكثير من القراء اليوم .. أولئك الذين نشأوا على ذلك العصر الذهبي للشعر كالبردوني ونزار ودرويش وغيرهم من أولئك الكبار .. أولئك الذين كبرنا على أشعارهم واشتد أعوادنا بتجاربهم .  غير أن الوقوف على أدبهم وعدم تجاوزه أو العمل على استنساخ تجاربهم وصورهم ولغتهم وأفكارهم يعتبر خيانة للغتنا الشعرية .. لتجاربنا الإنسانية الخاصة التي لم يشاركنا بها أحد .. لواقع أوطاننا الذي تتجدد أحداثه كل يوم .. لحال القارئ الذي أبعدته الظروف عن الكتاب أو حرمته من الوقوف طويلاً أمام النص وتملِّيه والترنّم به .. لاعتبارات كثيرة .. فمن الخطأ الفادح أن نطالب المبدع بأن يكون نسخة من فلان ! المبدع يمخر بخياله عباب البحار ، ويطوّف بالبراري والقفار ، ويحلق في المدى ليكتشف ذاته ولغته وأسلوبه الخاص ، وهذا أيضا لايعفيه عن أن يكون أكثر الناس وأحرص الناس على القراءة في كل مجال .
أعجبني ابن الأثير في المثل السائر وهو يفسر قول الله تعالى عن الشعراء: ( ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون ) طبعا هو يفسرها تفسيرا أدبيا اجتماعيا فيقول : ينبغي على الشاعر أن يطلع على كل فن سواءً كان رفيعاً أو هابطاً وعليه أن يضرب في كل فن بسهم ، حتى أنه من الواجب عليه أن يُلمّ بقصص العوام وأساطيرهم . بتصرف 
ينبغي أن ننظر لمفهوم الشعر ببساطة .. هل قام هذا النص بالدور المطلوب ؟ هل استطاعت لغته أن توصل للمتلقي رسالة شعرية مؤثرة ؟ فإذا كان ذلك كذلك ، إذاً فهو شعر جيد ، فلماذا نبحث عمّا هو غير موجود ؟ لماذا نقارن هذا بذاك ؟ لماذا لاننهج نهج إيليا أبو ماضي :
فتمتَّعْ بالصُّبحِ ما دمتَ فيهِ .. الخ
والإنتاج ونوعيته متروك للأيام .. وما ندري ؟ ربما يأتي جيل يوماً مّا فيرى هذا المنتج الأدبي - الذي يراه البعض هشَّاً - آية من آيات الإلهام والجمال ! 
ولذلك ينبغي على القارئ أن يبذل جهداً كبيراً في رفد الحركة الإبداعية وأن يكون على قدر المسؤولية تجاه لغة العصر وأن يكون شريكا للشاعر أو الكاتب الأديب في إنقاذ اللغة من إسار الجمود والتكلف وأن لا يساعد الشاعر الضعيف على كسله الشاعر الغير مثقف .. الشاعر الذي ركن إلى الراحة والدَّعة واكتفى بموهبته وقال أنا فوق النقد وفوق القراءة .

اَلـْ جُرهميُّ الأخير
ديوانيَ الشعريّ الثالث .. هذا الدّيوان الذي أحبه .. أحبه لأني شعرت بأنفاس الحرية لأول مرة في تجربتي الشعرية على امتداد 30 سنة ! أقول هذا لأني ابن الشّتاتْ فقد ورثتُ عن أسلافي الجَرَاهِمَة قصة الاغتراب والانتقال من مكان إلى آخر .. اختار أبي الغربة إلى أرض الحجاز منذ صغره ونشأ وكبر وتزوج فيها وعلى جبال الحجون بمكة المكرمة وضعت أمي مولودها الأول .. مولودها الشاعر الذي أتعبها حتى يخيل إليّ أنها كانت تتناص مع أم الشاعر بودلير التي قالت يوم ولدته وهي تناجي ربها : ليتني وضعت وكراً من الأفاعي بدلاً من أرضع هذا الطفل التافه ! لقد ولدت في أسرة شاعرة .وابتدأت رحلتي في الشعر منذ الصف الرابع الابتدائي يوم أعطاني مدير المدرسة الفيصلية التي كانت بشارع التيسير هدية كانت عبارة عن ديوان لأبي الطيب المتنبي في صنوق صغير أنيق .. كان الكتاب مصمماً للأطفال فهو مليء بالحكم والصور أو الرسوم . وفي الصف الخامس الابتدائي التحقت بحلقات الحرم المكيّ لحفظ القرآن الكريم لكني كنت أهرب إلى مكتبة الحرم .. إلى ذلك البيت الذي ولد فيه رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فحوّلته إدارة شؤون الحرم إلى مكتبة كبيرة وهناك التقيت بالشاعر البحتري وفي الصف السادس حفظت ديوان الشافعي كاملاً عن ظهر قلب بدون عناء وفي الصف الثاني الإعدادي كتبتُ أول قصيدة لي . ولاقيت ترحيبا وتشجيعاً من الجميع.
كان الوعي الشعري قد تشكل لديّ مبكّراً ففي الأول الثانوي أسرني الشعر الحديث فحفظت الكثير منه وبدأت أنسج على منواله ثم انقطعت فترة طويلة عن الشعر وكان جلّ اهتمامي منصبَّاً على القرآن والفقه والفلسفة ولأن العرب لاتترك الشعر حتى تترك الإبل الحنين ، فقد عدت إلى الشعر أو بالأصح هو من عاد بي إليّ .. لقد طرد كل شيء واستحوذ هو على كل فضاءاتي وقلاعي وحدّد اتجاه بوصلتي .

الشَّاعر الرِّياديّ
هل على الشاعر أن يكون رخواً فيقوم باستجداء الإعجابات ! هل ينشغل بفنه أم ينشغل بآراء النقاد عنه ؟! ماذا تسمّون الشاعر الذي يخشى من المواجهة والتحدي ؟ هل هذا قدره أن يستجيب لضغوط المجتمع ؟! أم أن قدره أكبر من ذلك ؟!
تأملوا هذا البيت لفيلسوف الشعراء ..أبي العلاء المعرّي يقول :
تثائب عمروٌ إذ تثائب خالدٌ
بعدوى فما أعدتنيَ الثؤباءُ
بيت واحد ذو مضامين فلسفية عميقة !
إنه لسان حال المثقف الرَّاسخ القراءة .. الواسع الاطلاع .. الذي قرأ تراثه فاستوعبه وقرأ عصره فعرف مظاهر عصره وعلوم عصره وصراعات عصره الدينية والسياسية ، فاختطَّ له من كل ذلك منهجا فكريا شعريا أدبيا مستقلاً في الحياة ، فهو ليس فارغا بل هو ممتلئ بالجمال الأصيل والفكر التنويري ، فإذا ما هبت رياح تقليعةٍ مَّا .. تريد منه أن يكون مسخاً أو كائنا رتيباً مقلّداً أو نسخة مكررة وجدتْ أمامها جبلاً شامخا عتيا صلبا قوياً لا يهتز .. لا يهتز لأي موضة ولو لبست لبوس الدين ولا يهتز لأي متغير وإن كان ظاهره براقاً !
وهذا هو المطلوب : الشاعر المثقف الرِّيادي النهضوي الذي يرتقي بذائقة أمته لا أن يهبط إليها ، الشاعر الذي يأخذ بيد أمته إلى طريق الفجر الجديد .. إن الشاعر عرَّاف كل الأزمنة كما يقول د .عبدالاله الصائغ [5]
تثائب عمروٌ إذ تثائب خالدٌ
بعدوى فما أعدتنيَ الثؤباءُ
واستخدم أبو العلاء المعرّي في بيته الشعري السابق صورة الإنسان المتثائب كقناع فني .. لأن صورة المتثائب تجلب الخمول وتنتشر عدواها بسرعة .. فعلى الغالب لو أنك رأيت إنسانا يتثاءب لتثاءبت مثله .. فهو يستخدم التثاؤب هنا كرمز شعري يريد من وراءه غرضا آخر وهو : عدم التأثر . إن هذه المقاومة الذاتية لا تتأتى إلا لمن وصل ليله بنهاره بين الكتب وأطلق عنان فكره دون قيود للمناقشة وغربلة الأفكار طويلا دون خوف من ضغوط .. دون ملل ، حتى تبرز لدى الشاعر ملكة النقد والتمييز والخيارات .

الـجُرْهميُّ الأخير
هو اليمنيّ الذي لفظته أوطانه العربية ، وفُرضت الحرب على بلاده ، فتلقَّفته الدروب الطويلة ، وصار بيد الريح حقيبة سفر ، لا يدري إلى أين المسير ! لكنه أصرَّ على البقاء حيّاً .. ليعيد المارد الغشوم إلى قمقمه ، والخفافيش إلى أوكارها كما فعلت أسلافه من قبل .
الـجُرْهميُّ الأخير
تعبير عن حالة الهلع التي تلبّست روح حسُّون وديع لايملك إلا النغمة الشاعرة ، وغام أفقه وترمّدت أحاسيسه وهو يرى العواصف الهوجاء تحطِّم عشَّهُ وتبعثرُ آماله وتقلّم أجنحته لكن العواصف زادته صلابة ، فصارت ضربات أجنحته الكبيرة موجعة وراح يثقب عيون الأفاعي.


طارق السكري
Café Lepak
ماليزيا 29 سبتمبر 2019

( يا أيُّها المدّثِّرْ ... )
 قرآن كريم

أرسل الربّ صوتاً إليّ :
"انهض يابنيّ وانظر واستمعْ
نفِّذْ إرادتي
وعابراً البحار والأرض
ألهب قلوبَ الناس بصوتك"

القصائد الشرقية . الكسندر بوشكين

إهداء
إليكِ
رفيقة فجر الصبا والشباب
إلى زوجتي الأستاذة / أنيسة أحمد الشرعبي
وامتداد روحي إلى الغد براء وعبدالله وسلمان وطلال


على شواطئ الشعر
أكرمْ بهِ شعراً إذا أوْدعتَهُ
سَمْعَ الزمانِ تفتَّحتْ أجفانُهُ

وإذا مررتَ بهِ على وادي النَّقا
أحنتْ عليك وَشَقشقتْ أغصانهُ

وإذا تلعثم في مرايا الماءِ أُفْ
قٌ ضاءَ فاعتقلَ الجمالَ لسانُهُ

فتلوّنتْ أرجاؤهُ ، وتراقصتْ
أجبالُه ، وتكلَّمتْ أمزانُهُ

لولاك ياشمسَ الغواني ما طوى
بِيدَ الليالي خافقي وحصانُهُ

دمعُ الخلائقِ صوتُ ناي في دمي
يغفو وتصدح في فمي ألحانُهُ

ياشعرُ من لولاك يرعى جانبي
وتضمني يوم النّوى أحضانُهُ ؟

إني رمتني الرِّيحُ لم يلقفْ يدي
إلاك وانفضَّ المدى ودخانُهُ

اسمع بربك كيف تقطر بسمتي
فوق الصّفيحِ وقد بكتْ نيرانهُ

لي موطنٌ كالحلم يحلو ساعةً
وَيَمَرُّ ساعاتٍ وَيَخْبو شانهُ

بابٌ إذا أشرقته من ناظريك
تقوّضت عند الِّلقا أركانهُ

أنا منهُ وَهْوَ تذاكري وأنا لهُ الـْ
عَرَّافُ وَهْوَ مع الهوى شيطانهُ

هو خنجري لكن نسيتُ .. فغاص في
لحمي فسال شوارعاً بركانهُ

حُداءُ المسافرين
أنــــازع الــبِـيـدَ كــــاسَ الــمــاءِ والــنــارِ
وأطــعــمُ الــرّيــحَ أغــلالــي وأســفــاري

وتـطـلع الـشـمسُ أو لا ؟ فـالـسُّرى وطـنٌ
لا ســلــطـة فــيــه إلا لــلـدُّجـى الــعــاري

وسـرتُ .. لا فـي زَفيفِ الرّملِ ذابَ دمي
لــحــنـاً ولا طَــــلَّ بــالأضــواءِ قــيـثـاري

وقــالـتِ الـرّفـقـةُ الـولـهى وقــد سـكـرت
بــالــصـبـرِ : سُــحــقـاً لأنـــــواءٍ وأمـــطــارِ

ســيــوقــد الــتِّــيـهُ أبـــوابــاً ونـطـفـئـهـا
لـــقـــد تــعــلَّــق أهـــدابــي وأطـــمــاري!

يـاهـاجـرَ الــحـبِّ هـــذي زمـــزمٌ نـبـعـتْ
اِســـقــي الــعــطـاشَ فــإنَّــا خــيــرُ  زوَّارِ

مَـواجـعٌ .. نـحنُ أمْـضى .. وهْـيَ قـاسيةٌ
تــرنــو إلــيـنـا بــطــرْفٍ ســاهـدٍ ضـــاري

هــوادجُ الـشـوق كـانـت فــوق نـاصـيتي
والــوَخـدُ يــأكـلُ مـــن لـحـمي وأفـكـاري

قــالـت .. وكــنـتُ لــهـا عَـــزَّافَ رحـلـتها
كـأساً مـن الـشعر قـبل الـموت يـا"شَاري"[6]

أغـمـدتُ فــي جـبـهةِ الأحــزان قـافـيتي
وَمِـــتُّ مِـــن فـــرطِ إقــدامـي وإكـبـاري

يـاسـيّـدَ الـبـيـدِ ثـــوبُ الــدمـعِ مـحـترقٌ
وقــامــةُ الــبـوحِ تــحـت الـثـلـج والــقـارِ

مــاذا عـلـى وابــلِ الـبـارودِ تـهمسُ لـي ؟
والــــدربُ يـحـرثـهُ رفــضـي وإصـــراري

لا مَا وَنَيْتُ .. وَفَجْري ؟ سوف أصعدُ من
ذاتــــــي إلـــيـــهِ وأفـــديـــهِ بــأعــمـاري

هــــمْ شُــلّــةٌ كـــان حَـاديـهـمْ يُـعَـشِّـمهمْ
أنّ الـيـمـانـي سـيـرضـى وَصْــمـةَ الــعـارِ

أو أنَّــــهُ إنْ يــغِــبْ يُـنـسـى كــمـا طَــلـلٍ
بــــالٍ ! وَيَـنـسـى لــقـاءَ الأهـــلِ والـــدّارِ

أو أنّــــهُ فــــي خــيــالِ الـنّـهـر خــاطـرةٌ
تُـــطــوى بــخــاطـرةٍ أخــــرى وأخــطــارِ

أو أنّــــــهُ ســنــدبــادٌ فــــــي مــغــامــرةٍ
يـــلـــهـــو بـــرفـــقــة أغــــــــوالٍ وأزوارِ [7]

أو أنّــــه مــثــلَ قــــومِ الــسّـامـريِّ بــــلا
عـــــزمٍ .. يُـــغــرُّ  بــأخــشـابٍ وأحــجــارِ

يــــا ســيّــدَ الــبـيـدِ أوهــــامٌ مـعـشـعشةٌ
بــالـت عـلـيـها الــعـوادي خــلـف أســوار

إنَّـــا عـوامـيدُ هــذي الأرض مــا بـرحـتْ
فــيـنـا الــسـمـواتُ تــقـفـو إثــــرَ أحـــرارِ

بــنـا الـنُّـقـوشُ ومـفـتـاحُ الـلـغـاتِ .. بـنـا
عــجــائـبُ اللهِ فــــي ســاحــاتِ أقــــدارِ


يابحر .. يابو اليتامى
ليس صوتٌ كصوتٍ يموجُ ويُلقي
على جانبِ السَّطْرِ منه صداهْ
ليس صوتٌ يُثيرُ  كَوَامِنَ  حِسِّ الْ
وجودِ ويوقظُ فيها رُؤَاهْ
ليس صوتٌ كصوتِ هديركَ يابحرُ
يملؤني رغبةً في الحياهْ
غير أنك -يوميَ- تبدو غَرِيـ
باً وصخرك بَادٍ إلينا أساهْ
كلُّ شيءٍ أمامك يمتدُّ جِسْـ
راً إليك لتمشي إلى منتهاهْ
            ***
يا أبا اليُتمِ والليلِ "والإغترابْ"
هل أصابك من زوْرتي ما أصاب ؟
ما أتيتُ لألقي عليك همومي
فكيفَ ملأتَ صِماخي عتابْ ؟
هل شَكَتْكَ رمالُ الخطى قبْلَ آ
تِي ارْتِحَالي وزلزلتي في العذاب ؟
كم حرثتُ الخطى تلك بالصبر صبراً
وأسقيتها من جبين الهضاب
لست أدري وقد مرَّ قبلي أناسٌ
أما زال في الرّملِ وشمُ الغياب؟!
 
قلْ .. فإنِّي تعوَّدتُّ أصغي لِصَوْ
تِك مذ كنتُ في اليمِّ مُلقىً وحيد
كان خلفي عجيجُ الشقاء بأرضي
وكنتُ على لوحِ حرفٍ شريد
كنتُ حلماً بكفَّيْك حلماً وديعاً
فرحتَ تلقِّن روحي النشيد
صرتَ توقد بين خلايا دماغي
هتافك مِن ضرباتِ الوريد
كلُّ نجمٍ تهادى بموجك ليلاً
أحسُّ تَكَسُّرَهُ مِن بعيد
 
أيُّها البحرُ "يابو اليتامى" أجبني
وقد ألهبتك رياحُ الحنينْ
كلَّ يومٍ على صفحاتك كان السَّـ
حَابُ يُدوِّنُ شعراً حزين
وتراءى على صخر  روحي صهيلُ الـْ
حروفِ ولكنها لا تبين
لستُ أدري تناهيدُنا تلك عادتْ
إلينا هديراً بمرِّ السنين؟
كيف رحتَ تترجمُ حزنَ البرايا
صراخاً وَلَمَّا تضِقْ بالأنين ؟!

صوت من سبأ
إهداء إلى الشاعرة السورية وسام حسين .

عِــشــتــارُ ؟ أولُ أيْـــكــةٍ عــشــتـارُ     ...
كــانــت تُــصـلِّـي حـولـهـا الأشــعـار

ظــلَّتْ مـعـالـمُ وجـهِـهـا مـطـمـورةً
حــتــى تـنـفَّـستِ الــهـوى الأزهـــار

يـاهذهِ الـرُّوحُ الـتي في الكونِ يَسْـ
بــــَحُ روحــُهــا الــرَّقْــراقُ والـجـبـّارُ

قـولي .. وطـاف الـعطرُ في أرجائنا
والـــغــيــمُ والأفـــيـــاء والأنـــهـــار

ومن المحيط إلى الخليجِ توافدَ الْـ
عُـــشَّـــاقُ والأخـــيـــار والأشـــــرارُ

مـا أنـتِ فـي ليلِ الصَّفاء ؟ قصيدةٌ
لـلـبحر .. تـرقـص حـولـها الأقـمار ؟

مــا أنــتِ فــي هـذا الـفضاءِ الأزرق
الــمـحـروبِ نــبــعٌ بــــارد أم نـــار ؟

إنـــي تـقـطَّع جـلـدُ أسـمـائي عـلـى
ظــهـري وطـــارَ بـخـيـليَ الإعـصـارُ

مِـزَقُ الـشتاتِ عـلى ذراعي أو دمي
وشْـــمٌ ، ووسْـــمُ جـبـيـني الأسـفـار

عـتَّـقتُ مـنـذ ولادتـي الأحـلامَ فـي
عـصَـبـي وأرخـــتْ ذيـلـهـا الأفـكـارُ

ورجـــوتُ يـومـا أن تـسـيل مـدائـناً
لــلــفـنِّ تــشــرب نـخـبـهـا الأوتــــار

وقــرأتُ حـتـى لــم أجـد إلا الـفراغ
وصـــرتُ حـلـمـاً لــي فـنـادى الـغـارُ

وحـملتُ مـيراثَ الشموسِ ولم أجد
إلاكِ أفْــــقــــاً زاهــــيـــاً عـــشــتــار

سـبـئـيَّةٌ هـــذي الـقـوافـي والــرُّؤى
ســبــئــيَّــةٌ .. لــكــنــهـا الأقـــــــدار

ولـمـحتُ فــي عـينيك بـحرَ زوارقٍ
تــغــلـي بــــهِ الــشـهـواتُ والآثــــار

ونــوارسٌ وطـيـوفُ بـارجـةٍ وفـجرٌ
أحـــمـــرٌ  وأنـــــا الـــهــوى والـــــدارُ

وعـجبتُ كـيف رأيـتُ نفسي فيهما
لـــمَّــا اشـتـعـلـنا ذابــــتِ الأســــرارُ

قـبـلاتنا فــي الـحـبِّ وجــهٌ سـاخـرٌ
وســريــرنــا الأهـــــواءُ والأمـــطــارُ

هتافُ الحُريّة
حـريّـتي؟ عـيـنايَ .. هـمسُ أضـالعي
شفتايَ .. أعصابي .. هطولُ أصابعي

لـغـتي .. هُـويّة مـوطني .. وقـبيلتي
صــوتـي .. وإنـسـانيّتي .. وروائـعـي

حـُـريّـتـي داري .. ومــالــي غــيـرهـا
دار .. وأصـــل حـقـيـقتي ودوافـعـي

وعـلـى مــدى حـزني وطـول تـغرُّبي
تــبــدو كــبـارقـة الـسـحـاب الــلامـع

لا شــمــسَ إلّاهــــا كـسـيـفٍ قــاطـعٍ
تُـجـلي عــن الإنـسـان سـطوةَ قـاطع

والـشـمـس لــولاهـا ظـــلامٌ مـُـحْـدِقٌ
تـعْـشى .. تـمـدُّ يَــدَيْ جـريـحٍ ضـائع

وإذا اتَّــــزرتَ بــهــا فــأنــت مــــؤزَّرٌ
أوْ لا ؟ عَــرِيـتَ مــن الـلـباس الـمـانع

وكـراحـلٍ فــي الـبـحر دون مـراكـبٍ
وكــــراكـــضٍ لـــلـــه دون شـــرائـــعِ

كـــم شـقـشـقتْ كـبـلالْ عـنـد أذانــه
فــوق الـنـخيل كـمـا الـحمام الـوادعِ

كــم صـدَّعـت سُــررَ الـطـغاة بـروقُها
كـم أعـتقتْ .. كـم أطعمت من جائعِ

كـم أخْـصَبَتْ عـصْراً وكم قد أطلقت
فــي الـضـوء أســرابَ الـيراعِ الـيَانعِ

حَــاءٌ عـلـى أغـصانها تـشدو الـطيورُ
وعــنــد حـــرفِ الـــرَّاءِ نــهـرُ بــدائـعِ

كـــأسٌ تـألَّـقُ بـالـنبوءة.. كــم هــوى
نــجــمٌ إلـيـهـا مـــن مــكـان شــاسـع

ظــمـآن يـــروي جَـدبَـه الـلـيليَّ مــن
إرْنــــان كــوثـرِهـا الـنّـمـيرِ الـسَّـاطـعِ

برقية إلى الحزن
اِهْـبطْ مِـنَ الذَّاتِ السَّنيَّةِ في دَمِي
أرضـاً وَدَعْـني فـي فـضائي المُلهمِ

تِـهْ فـي الزِّحَامِ عَلى صَفِيحٍ سَاخِنٍ
أو بــيـن مـنـعـطفاتِ دَرْبٍ مُـظـلـمِ

أو عــابـراً كـالـرِّيـح بــيـن فــدافـدٍ
ظَــمْـأى يُـقـبِّـلها الـهَـجِـيرُ  بـِمَـيْسَمِ

أوْ هَــاربـاً كـالـطَّيْفِ بـيـن دفـاتـري
مِـن قَـبضةِ الـذِّكْرى الـتي لم تُفْطمِ

أو عـائذاً كَـابْنِ الـسَّبيلِ من السُّرى
بِــالَّـلازَوَرْدِ مِـــن الـحـنـينِ الـمُـبْهَمِ

إنـــي عـهـدتـك لايـقـاومك الــرّدى
فـَلَأَنتَ أمـضى مـن صـرير الأسهم

وَلَأَنــتَ أدوَى مــن أغـانـي مـوجـةٍ
ولأنــت أخـفى مـن دبـيب الأنـجم

ولأنــت أدجــى مــن فــوادٍ خـائـنٍ
ولأنــت أجـلـى مــن مـلـيح أحْــوَم

خــذ أربـعيناً عـاش فـوق غـصونها
- عـمـرَ الـربـيعِ-غرابُ بَـيْـنٍ أسْـحَمِ

مـــا إن تـبـسّـم خـاطـري لـلـملتقى
إلا وعــالــجـه الــنّـعـيـبُ بِــمَـرهـم

هـذي الـخَرَائِبُ فوق كاهل أحرفي
وَأَنَــايَ .. تـركض فـي فـراغٍ أدهـم

يـاحـزنَ آدمَ فــي حـقـول يـراعتي
يـنـمو عـلـى قـمـر الـخـيال الـمُعتم

اِهبط إلى أرضٍ سوى أرضي .. ألم
‏تـملأ كؤوسك من رحيلي الأقدم ؟

‏الــدَّهْـرُ حـــربٌ والـقـذائـف جــمّـةٌ
‏وأراك لــم تـَخْـترْ سـوايَ لـتحتمي!

خـذ لعنةَ الأسفار مِن جسدي الذي
يَـنصبُّ فـي الصّحراء سيلَ عرمرمِ

خذ ما تغلغل في خطايَ من المدى
واهـبـط ودع لـلـدار يــأوي آدمــي

قصيدة صحوة البن .
عندما زار الشاعر العراقي محمد محمود الجواهري اليمن قال قصيدة مطلعها :
من موطن الثلج زحّافا إلى عدنِ
تسري بي الريح في مهر بلا رسنِ
فكان أن عارضتُهُ بهذه القصيدة :

سَـرِّحْ عَـلـى الـبُـنِّ طَـرْفَـاً غَـيرَ مُـمتهنِ
يَاأيُّـهـا الـقـلـبُ وَاطـبـعْ قُـبـلةَ الـشَّـجنِ

رَبِّـــتْ عـلـى كَـرْمـةٍ لـلـفجرِ مــا نـبـتتْ
إلا عــلــى تـــربــةٍ عُــلــوِيَّـةِ الــسَّــكـنِ

وَاسْـكبْ مِن الـوَجدِ ماءَ العينِ .. لؤلؤةً
كَــأنَّـهـا شَـامَــةٌ فــــي وَجْــنــةِ الـيـمـنِ

مـــا كــان إلا عَــصِـيَّ الــدَّمـعِ صَـاحـبَه
فَـاسْـمحْ لــه مـا تـرى مـن دمـعه الَّـلدُن

مِـن مـوطـن الـبنِّ .. رفَّـافٌ عـلى شـفةٍ
‏كَـالـضَّوْءِ هـذا الـنِّـدا الـمـمزوجُ بِـالمُزُنِ

وَشَّحْـتُ بـالـسِّحْر مـمـا فــي مُـخَيِّلتي
مــن عـبـقـر الـخـلـدِ والأيَّـــامِ والـسُّـننِ

وجـئـتُ أشدو .. وروحـي نــارُ  قـافـيةٍ
عــلى أثـيـرِ الـهـوى والـحـبِّ تـحـملني

قــالـوا إلــى اللهِ تُـنـْمَى بـلـدةٌ سَـكـنت
بـاسـم الـصّـبابات بـيـن الـرُّوح والـبدنِ

فــإن بـعُـدنا -ولــو فــي الـحـلم- نـبّـهنا
مِــن نـومنا الـشَّـوْقُ نَـزَّاعاً إلـى الـوطنِ

فـكيف لـو أرعـدتْ سُحْبُ الـنَّوَى بَـدَداّ
وفــرَّقـتْ بـيـن جفـنِ الـعـينِ والـوسـنِ ؟!

قـربـى إلـى اللهِ قـولوا كـيف نـبرأ مـن
‏هذا الـبِعادِ وَنـشْفى مِـن أسى المحن ؟

لا أوْحَـــشَ اللهُ بــــدراً فــــي مـنـازلـها
يوماً ولا مـسَّ طـرفَ الأغـيدِ الـشَّدِنِ .
 
حُـيِّـيتَ مـن شـاعرٍ .. أرضُ الـعراقِ بـهِ
تــزهـو عـلـى سَـائـر الأقـطَـارِ والـمـدنِ

في كـلِّ حـرفٍ سـرى نبضُ الفراتِ وما
قد فاضَ مِن دَجلةٍ ..في شِعرهِ الحَسنِ

أهلاً عـلى الرَّحْبِ فَانْزِلْ في حِمى سبأٍ
مِـن أرضِ قحطان بـين الـنَّاسِ والزَّمنِ

قـتـبانُ .. كَـهْـلانُ .. قـاماتٌ لـهـا سُـرُجٌ
فـي الأبـجـديَّاتِ تـجـلو حـالكَ الـدُّجُن

هُـمو الأُلى نَـصَّبوا فـي الـمجد رايـتهم
وأوقـــدوا بـالـسَّـنـا فــوَّاحــةَ الــفـطـنِ
 
مِـن أرضِ بـلـقيس .. والـتاريخُ جَـانِبَهَا
بَـحـرٌ يَـحُـومُ عـلـيهِ نَــوْرسُ الـسُّـفُنِ ؟

مِـن كــلِّ صَــوْبٍ يَـهِلُّ الـخيرُ .. بَـارَكَهَا
رَبٌّ وَأسْــعَــدَهَـا قــلــبٌ كَــمَــا الَّــلـبَـنِ

لــمّـا أهَــلَّــتْ أمَـاسِـيـهَـا عــلـيـك أمـــا
ضَـمَّـتـك أفـلاكُـهـا الـغَـرَّاءُ بِـالـحُـضُنِ؟

أمَـــا شَـمَـمْـتَ الـــذي الــرَّيَّـانُ بـاعـثُـهُ
فـي جَـوِّها الـحُلوِ مَـمْهُوراً بـكلِّ هَـنِي؟

في سَـجْسَجٍ مِـن نـعيمِ الـرَّوْضِ تـلقفُهُ
مــن الــهـواء كـطـفـلٍ ضَــاحـكٍ لَــسِـنِ

اللهَ مِــن جَــوِّهـا الــشَّـادي وَأَعْـجَـبُـنِي
أنِّـي بــهِ غِـبـتُ حـتـى لـم أعُــدْ أَرَنــي

تـلـك الجبالُ عـلى مـن بـالهدى طـلعت
والأرضُ مِـن تـحـتها مُـهـرٌ بـلا رَسَـنِ ؟

هَـيَّـابَـةُ الـطَّـالـعِ الـمَـيْمونِ قـد خُـلـقت
تـاجـاً لِأَوْسَـــانَ أو سـيـفَـاً لِـــذِي يَــزَن

في عـيـن كــلِّ صـبـيٍّ سـوف تُـبصِرُها
مـعـتـمّةً بـالـسَّـحابِ الـخُـضْـرِ والـمِـنـنِ

أَرْخَــى عَـلـى كِـتْـفِهَا الـرَّحْـمنُ رَاحـتَـهُ
عـــزّاً .. وشَــجَّـرهـا بـالـنُّـبل والــرَّصَـنِ

لـكن قَـضَى الـبُعدَ عَـنها .. فَـهْيَ هَـاربةٌ
بـين الـنُّجومِ وَغَـرْقَى نَحنُ فـي الأسَنِ
 
يَاشَاعرَ الـعُرْبِ .. هـذي نـارُهم سطعت
عَـادَ الـمَجُوسُ. وهل عادوا؟ أتسألني؟

سـبــعٌ عــجــافٌ وعــشـرٌ .. لامــواربـةٌ
حَـتَّى غَـصَـصْنا بِـطـعمِ الـمـاءِ والـوَهن

قـد ذاقـنـا بـعـضُ نــاسٍ كـأسَ مـظلمةٍ
وَبـــدَّلــوا الــحَـقَّ وَالـتـنـوِيـرَ بِـالـعَـفَـنِ

وَأَرجَــعُـوا ألــفَ لــيـلٍ كـــان مُـنْـطَـمِراً
خـلف الـقرون .. وعـهداً لُـفَّ فـي كـفنِ

وَصَـيَّـروا الــنـاسَ أشـبـاحـاً مُـصَـوَّحَـةً
مِـن شِــدَّةِ الـجـوعِ وَالإمـلاقِ والـضَّغَنِ

كَـانتْ بِلادي مَـراعِي الـغَيثِ .. وَاأسَـفَا
أضْــحَـتْ كَـمُـسْـتنقَعٍ لِـلـقـتلِ وَالـفِـتـنِ
 
هَــلْ حدَّثـتك الـدَّوَالي يـومَ جُـلتَ بـها
طَـرْفَـاً وَعَادَ إلـيكَ الـطَّرْفُ فـي قَـرَنِ؟

مَــا إنْ لـقـيتُ الـهـوى إلا وَرَحَّــب بــي
لـكـنَّـهُ الـيـومَ ألــوَى .. لـيـس يـعـرفني

كــــان الـــــولاءُ لـبـلـقـيسٍ وَحِـكـمـتِـها
والــيوم أضـحـى لآلِ الـشَّـاهِ وَالـسَّـدَن

أمـشي على شَـفْرَةِ الـنُّكْرانِ في عَـجَلٍ
وَالـمَوْتُ مِن شُـرْفَةِ الـهِجْرانِ يَرصُدني

تَـخَـيَّـرَتـنـي الـمـنـايـا لــلـنَّـوَى .. فـأنــا
نــقـش عـلـى قُـبَّـةِ الأحــزان أَرْسُـمُـنِي
 
مـاذا عـلى جـمرة الـتَّنهيد تَـهْمِسُ لـي؟
قد مَـسَّني الّـلفحُ مِـن جـنبيكَ بـالدَّخَنِ

وَغَـارَ في بِـئرِ روحي الحزنُ ليس يُرَى
لـو أغرقَ الـضَّوْءُ وجـهَ الـحزنِ لـم يَبِنِ

أمضي إلى الموت؟ذَا حَظِّي وَذَا قَدَرِي
وَيَـمْرَعُ الـمَوْتُ في خَـطْوِي وَيُـشعِلني
 
ياشَـاعرَ الـعُـرْبِ كَـفْـكِفْ دمـعـةً بَـرَقَتْ
فَالبعثُ مِـن بَـرْزخِ الـنِّسيان مـن دَدَنِـي

أنـا الـيـمانيُّ فــي حِـلِّـي وفــي سـفري
أطــوي ديـاجـيـر أوجــاعـي وأبـعـثني

هَذي بِـلادي .. لـكم قـد طَـوَّحَتْ يَـدُهَا
أرضـاً ، وكـم أسقطت أفْـقَاً مِـنَ الإحِـنِ

كَــأنَّــهَـا قَــلــعـةٌ والـــرِّيــحِ تـعـصِـفُـهـا
فَــلم تُــبَـارِحْ .. كَــأنَّ الـرِّيـحَ لــمْ تَـكُـنِ

سِـبْتمْبرٌ فِي طـريقِ الـفجرِ .. فِـي يَـدِهِ
أكـتـوبـرٌ تَــحتَ عَـــرْشِ الْـبـنِّ وَالْـفَـنَنِ

يَاشَـاعـرَ الــعُـرْبِ فَـانْـظرْ هَـاهُـنَا يَـمَـنٌ
مَــا كَــانَ عَـن شَــدوِهِ شَـيءٌ يُـؤَخِّرُني

انقلاب يساري
(في مقتل قائدٍ زِنْبيليّْ)

أشَــدُّ اغـتـراباً مـن الأرضِ قـلبي
وخـطـوي الـمعلّقُ جـرحاً بـدربي

وحـلْـمـي الـــذي لا يــزال مُـطِـلّاً
كـما الـزهر مـن شُـرفةٍ فـي مَهَبِّ

وقــافـيـةٍ خــبَّــأتْ فـــي رِداهـــا
بـقـايايَ مِــن وشـوشاتٍ وحـبِّ

وشـوقـاً إلــى مـوطنٍ كـان يُـتلى
ربـيـعـاً عــلـى ثـغـرِ كــلِّ مَـصَـبِّ

وأضحى معي بين مقهى ومقهى
نـمـوتُ ومــا بـين حـزبٍ وحـزب

وصـــار شـهـيداً إمــامُ الـسّـكارى
أتـعـجبُ؟ صــار كـفـاحيَ ذنـبي!

تـعفّنتُ فـي السّجن دهراً فقالوا:
حـلالٌ ! صَـمَدتُّ فـقاموا بنهبي !

صَـمـتُّ فـهـبّ خـريـفُ الـمـنافي
عَـليَّ .. صـَرخْتُ فَـلَجُّوا بـحربي

وكـانت تـلوّح للفجر كفّي الْيسارُ
فــأقــعــى الـــظـــلامُ بــقــربــي!

بـسـوق الـنّـخاسة كـانت يـساري
تــَجُـرّ  يـمـيـني لـبـيعي وَغَـصْـبي

في احتفال الجالية اليمنية بماليزيا
أمـيـطي لـثـام الـهـوى يـاحـروفْ
وهَـنّي الـندامى وحـييّ الضيوفْ

وهـــزّي الـجـنـابي فــإنـي رأيــت
بــلادي هـنا بـين هـذي الـصفوف

وجـئتُ وشِـعري .. ولـكن تـعثَّرتُ
بـالـشـعر حـتـى ظـلـلنا وقــوف !

ففي الدرب شعر وفي الجو شعر
صـموتٌ وفي الناس شعرٌ هتوف

ومـا عـدتُ أدري ! أنـا الآن أشدو
بـشعري لمن ؟ والقوافي دفوف؟

ولــكــنَّ لــفـحـةَ نــــار الــقـوافـي
تــزيـد اتــَّقـاداً بـقـلـبي الـشـغوف

كــذا الـعبقريُّ إذا لـقَّنته الـطّبيعةُ
أذكــــــى الــــــرؤى والــطــيـوف

وهــبّ الـنـسيم طـروبـاً فـلاحـتْ
عـلى مـتنهِ مـن ديـاري الـسقوف

ولاحـــت بـقـرب الـمـراعي فـتـاةٌ
مــن الـحب كـم جـرّعتنا صـروف

عـلى وقـع خـطْواتها ضـاءَ عشبٌ
وَصَــفـَّق مـــاءٌ وغــنَّـتْ قـطـوف

إذا الشمس في الأفق يوما عَرَاها
غـبـارُ الـطـريق وَرَهْــقُ الـكسوف

فـفـي وجـهـها الـسُّـندسيِّ الـغَـناءُ
وفـي ثـغرها مـا تـضيق الوصوف

بـوجـهِ الـذيـن أتــوا يــوم عـيدي
رأيـــت هــدايـا الــزمـان الألــوف

رأيـت اخـضرار الـروابي وغيماتِ
خـصبٍ وخـضرَ المنى والسجوف

وخـضرَ السواقي وخضر الأغاني
وخـضر الـنواحي وخضر الرفوف

تـــكـــاد الــصــبـابـة أن تــتـفـجّـرَ
شــعـرا بــلـون الـربـيـع الـعـطوف

ومــــدَّ ســهـيـلٌّ جـنـاحـيه بــرقـاً
وراح بــمـجـد الـيـمـاني يــطـوف

مـكانك يـا فـجر مـا أنـت قـل لي
تُقـلّب طـرفـا كـمـا الـفـيلسوف ؟

لماذا تُداري وراء الجفون الدّموعَ
وتُـخـفـي ارتــعـاش الـكـفـوف ؟

هــنـا يــوم عـيـدي أطــل بـوجـهِ
الـطّـفولةِ يـجـلي ظـلام الـكهوف

يـواسي الـثكالى ويَهْدي الحيارى
وَيَـطْوِي العَشَايَا وَيُردي الحتوف

كيف أنسى أن أموت ؟!
ماعاد يُغريني السكوتُ
على التأمّل والنّظرْ
كأسٌ على شفةِ السَّرابِ
أنا تشظّى وانكسر
عمري أغاني الريح
أيامي بقايا من وتر
        ***
خلِّي قوافي الشعر
تذوي عند نافذةِ الوجومْ
مالي بها شأنٌ كفاني
الله أجراسَ النجومْ
ولتخلعي عنك التوجُّسَ
بين أفياءِ الكرومْ
         ***
مــا عــاد يُـغـريني الـسـكوتُ
فـــهــيّــئــي زاد الـــرحـــيـــل
وَلْـتوقدي فـي دُلْـجَةِ الذكرى
مـــصـــابـــيــحَ الـــنـــخــيــل
ولتسفري عن وجهك الوضّاح
والــــشَّــــعــــر الـــمـهـــيـــل
            ***
مـــا عــاد يـغـريني الـسـكوت
فــخــفّـفـي عـــنــي الـــمــلامْ
إن الـــســكــوت شــــواطـــئٌ
يــغـلـي بــهــا بــحــر الــغـرام
فـــــإذا الـــحــروف بـــواخــرٌ
تجـري بــهـا روح الـمـدام
              ***
مـا عاد لي في تِكيةِ الصوفيِّ
قـــــــصــــــد أو رجــــــــــــاء
كــانـت مـعـي لـكـن أضـلَّـتني
تَـــكـــايـــاهـــا الــــســــمــــاء
فـسـقطتُ أو سـقـطت مـعـي
لــكـن سـقـطـتُ إلــى الـعـلاء  
              ***
كـــان الـسـكـوتُ  يُـثـيـر فــي
فـكري الـحديثَ إلـى السُّطورْ
فأقوم أرفل في رياضِ الشعر
أشــــــــدو فـــــــي حــــبـــورْ
فـإذا الـليالي مورقاتٌ بالهوى
وأصــــابــــعــــي بــــــلُّــــــور
           ***
والــيــوم يـصـمـت جــدولـي
وتـجـوس أعـمـاقي الـخـبوت
وتـطـلّ مــن عـيـني الـمـنافي
وهْـــــي حُــبْــلـى بــالـنـعـوت
وتــريــق مـــن دمــهـا دمـــي
لـــكـــنْ كـــلانــا لا يـــمــوت!


الشاعر

لا زالَ صوتُكَ قائلاً كلَّ الّذي لا ينتمي !
شيءٌ من الخمرِ المقدَّسِ
فيهَ شيءٌ مِن قوافي هَجْعةِ الصحراءِ
من قُبَلِ النسيمِ المفعمِ
شيءٌ من القنديلِ
يشربُ ضوءُهُ من أعظمي
لا زال صوتُكَ يزرعُ الأشجان في روح السَّحابِ
وفي مواويلِ النّوارسِ
في الأزاهيرِ الحزينةِ
وهْيَ ترقدُ فوقَ سطحِ البحرِ ترنو  للسّماءِ
وفي الصّدى الممتدِّ في الغاباتِ .. في ناي الخطى .. في رِفقة الشَّاي القتيلةِ بين خاطرتي .. وخارطةِ الطريقِ الملهمِ .
         ***
لا زال صوتُك خارجاَ عن كلِّ أسرابِ الزّمانِ
وكلّ إقطاعِ الزّمانِ
وكلِّ سلطانِ الزّمانْ
هو خارجٌ حتى على معنى الخروجِ
وعن حروفِ الأبجديَّة
خارجٌ حتى على القوسِ الذي صنعتهُ أيدي الفوضويَّة .
               ***

لا زال صوتكَ .. كانثيالاتِ الرَّبابةِ في فضاءاتِ الغروبْ
لكنّهُ لا ينطفي أبداً
وإن غمرتْهُ أمطارُ  الهبوبْ
لا زال حيَّاً رغمَ خِصبِ جراحهِ ، وربيعِ آلافِ الحِرابْ
تلك التي في الحيِّ ترقص حولها نارُ  الذئابْ
قد أزهرتْ أحْزانهُ وتسلَّقت جدرانَ قامتهِ وطلَّتْ من نوافذِ مقلتيهِ على الخرابْ .
         ***
لا زالَ صَوْتُك مُثقلاً بالحبِّ
رغمَ شحوبِ طلعتهِ الهِلاليّةْ
فوق النُّجودِ
وفوقَ أوراقِ السُّهادِ
وفوق أجفانٍ ضبابيَّةْ
لا زال يعرفُ كيف يفتتحُ الصَّباحَ بنا
ويشحذ طاقةَ الأملِ الموشَّى بالحنينِ
وكيف ينفحُ تربةَ الوديانِ ، كيف يذيقها ريقَ الغمائمِ
كيف يفرشُها برنَّاتِ الخلاخلِ .. كيف يصبغها بأجملِ ما بدنيا الفنِّ من ألوانْ
لا زال صوتُكَ أوّلَ الدُّنيا وآخرها
وأضوأ نغمةٍ في عالم الإنسان .


سعاد الحِمْيرية

جَرْجُوفْ
...... ...... جَرْجُوفْ
جَرْجُوفْ !
رَنَّ الصَّدى في ظلمةِ الكهوفْ
: (جَرْجُوفْ) !
مُسْتَوْحِشَاً في الغابْ
اَلظلُّ والنَّخيلُ والضَّبابْ
قصْفُ الشّتاءِ .. !
عند نطقِ الفَاءِ سَاعةَ الوقوفْـفْفْ
قصْفُ الشتاء!
كَأنَّهُ الجدرانُ هاربةْ
نحو البحارِ الغَاربةْ
من أيِّ زلزالٍ تمخَّضتْ يداه ؟
أعناقهُ ذئابْ
أقدامُهُ هضابْ
أجفانُهُ جُبّانة
وروحُهُ مُخَلَّفاتُ ألفِ عامٍ للإمامة
لِمَنْ تعيش كلَّ هذه السنينْ ؟
فصاح كالتِّنِّينْ
: خان الأمينْ ! [8]
2.
لا سيّدي جَرْجُوفْ .. لا سيّدي جَرْجُوفْ

آتٍ من الغاباتِ صوتٌ كالمطرْ
صَوتٌ رَقيقْ
كَأنَّهُ مِرْآةْ
تَطَوف في شعاعها
فَرَاشَةُ الحَيَاةْ
كَأنَّها فقَاعَةٌ لِقُبْلتيْنِ
سَاعةَ المَطَرْ
هل كان ذلك الصوتُ الرَّهيبُ المغتصبْ
كالنارِ في الهشيمِ طافحاً بالحقد والغضبْ
صوتُ الأسيرة ؟
أم أنَّ صوتاً بائساً قد هبَّ من جزيرة ؟
ويلاهُ مِن سُوَيِعةِ الغروبْ
تلك التي ألوانها تغور  في القلوبْ
كالخنجر الغضوبْ
إن عادت الشِّيَاهُ وحدها ولم تعد لأهلها الفتاة !
ياربَّنا سنرتضي بالموت
سننذر النُّذورْ
سنمتطي الوعور
لكننا لا نرتضى بالعارْ .

عادتْ إلى البيوت عندما انتهى الحصادْ
كلُّ البناتِ ما عدا سعادْ !
: ياغضبةَ الأحرارْ
من قام باعتقالِ الْـ "مريمِ" العذراءْ
فأصبحتْ في الرِّيحِ عالقةْ ؟
ذاع النَّبأ
وارتجَّت القرى
وأظلمَ النَّهارُ  في القبيلةْ
كأنه سيلُ العَرِمْ
قد عاد من جديد
لينتقِمْ
تفرّقتْ أيدي سبأْ
فقائلٌ : هذا جزاء العاشقة!
وغارقٌ في دُلجةِ الخذلان
: لتبرقوا بيانْ
وقائلٌ : حَصَّالةٌ لنشتري قربانْ
وفاجر مبتهج :
لتفرحوا بصهرنا الجديدْ
لكنه مغتصبٌ ! في قصرهِ عبيدْ
في قصرهِ سَبيَّةْ
لا ليست القضية
لاتخلطوا الأمور
أليست حكمة الدهور
مكتوبةً على السطور ؟
( من نال أمَّنا ...
صَار عَمَّنا )
هل صار مَهْرُ  أمّنا الرَّصَاصُ والحديد ؟
3
وكان صوتٌ من بعيدْ
صوتٌ رقيقْ
آتٍ من الغاباتِ صوتٌ كالمطرْ
ذابتْ على خِلْجانهِ الأنداءْ
وراح خَيْلُهُ الوحيدْ
يخوض وسْطَ الماءْ
صوتٌ عميقْ
لا لمْ يَجِدْ  في  الحيِّ  قلبَ  مُشفقِ
وأسلموهُ للفراغِ .. للفراغِ المُطْبِقِ
وَكَسَّرَتْ آمالَهُ الكبارْ
أصابعُ الجدارْ
: (لاتجمعوا بِذِلّتي الأموالْ)
(واضيعةَ الرّجالْ)
4
في قصرهِ .. في قصرهِ جَرْجُوفْ
في قصرهِ المبنيِّ بالجماجمْ
كانت تنامُ بين أهلها الموتى .. أسيرةْ
أسطورةٌ مِنَ القديمْ
على ضفافها الرُّوَاةُ قالوا أنَّها فقيرةْ !
لكنهم لم يَصْدقوا
لم ينظروا بَسْماتها الأثيرة
تلك التي على نقوشِ عِطرها
تضوَّعَ التاريخ
تلك التي على امتدادِ أفْقها
تدفَّقتْ سيولْ
وأمرعتْ سهولْ
لم يبصروا أجفانها المنيرة
تلك التي على رذاذ ضوئها
تشجَّرَ الحصى
وأشرقتْ جوانبُ الظلامْ
وسالَ في كلِّ الدُّروبْ
اَلشِّعرُ والغرامْ
تلك التي على ندى أهدابها
قد أخصب الهلالْ
وأزهرتْ هوادجُ الرِّمالْ

5
لكنها ....!!!!!!!
لكنَّها .......؟؟؟؟
لكنَّها انتفضت سعادْ
قالت لها الأصداءُ والدُّروبْ :
جَرْجُوفْ
فلتخضعي لليلِ والظروفْ
ولتصبري
فقد تطلُّ في الصباحِ الناهضِ الغضوبْ
شهامةُ السيوفْ
لكنَّ أصواتَ الرُّبى والسُّحْبِ والرِّياحْ
هبَّتْ بكلِّ طاقةٍ في الكونِ من كفاحْ
: هيّا إلى السّلاحْ
هذي سعادْ
هذي سعادُ الحِمْيَرِيَةْ
قد أقبلتْ بالشمسِ والحرِّيَّةْ
صُفّوا لها وصفّقوا :
هيّا إلى السّلاحْ .. هيّا إلى السّلاحْ
ماليزيا 3 أكتوبر 2019
*سعاد الحِمْيريَّة :مِن وحي الأسطورة اليمنيَّة
*جَرْجُوفْ في الأسطورة اليمنية كائن خيالي موحش غريب .. من أكلة لحوم البشر له القدرة على التشكّل والتغيّر من أجل تحقيق مآربه الخسيسة .. تزوج فتاة فقيرة بعد أن تمت خديعتها من بنات القرية وأعطاها جرجوف مفاتيح قصره وقال لها بحزم : إلإ تلك الغرفة السادسة لا تفتحيها .. وتستمر جدلية الوفاء والخيانة ، والاستبداد والحريّة .

الماسنجر البحريّ

على شطٍّ من الكافِيه ..
كنتُ مُسرِّحاً رِجْلي كَأني طائرُ الَّلقْلاق
أُخَوِّض في فضاءَ الماء .. بين الحبِّ والأشواق
أقول : عسى ..
تُطِلُّ رسالةً تجْلو  صَدا الأعتابْ
تنسِّيني ليالي الحربِ والإرهابْ
وكان " المُول " مرتبكاً كسنجابٍ
على شجرةْ
سريعِ العدو .. يسبق خطوُه نظَرَهْ
ظللتُ معلِّقاً طرفي كغربانٍ على الأسلاكْ
أقول : عسى ..
تُطِلُّ كأعذب الأسماء
كزورقِ نغمةٍ يطفو على بحرٍ  من الأضواء
وذات مَسَاءْ
أضاءت شاشةُ اللّابتوب
نزعتُ الطَّوْق
شَبَّ حديثنا كالنارْ
شكونا مثل عصفورٍ  دهاهُ الليل والإعصارْ
تطاير عشُّهُ فَرَقَاً على الطرقات والميناءْ
شكونا الحبّْ
وراءَ السُّورِ  والجدرانِ والأمطارْ
شكونا الشوق
لحظة أن تغيب الشّمسُ والسُّمَّار
أكلنا بعضنا بعضاً
شربنا الوهمَ والأشعار والأوزار
ضحكنا ساعةً كالدمعْ
ذرفنا ساعةً ..
كحطام أغنيةٍ ..
ممدَّدةٍ بركن الدارْ
تَنَفَّسْنا غبارَ الخوف
والآلامْ
تبادلنا أغاني الحرب والإصرار والإقدامْ
تغازلنا ببعض الشَّتمِ .. والنسيانْ
تداعت أحرفي ..
وتلعثمَ الْكَافِيه .. والسُّلَّمْ
وكان المُول مرتبكاً
كسنجابٍ على شجرة
يواري صُفْرة الأنهار
خلفَ أصابعي العشرةْ

الجُرْهُمِيُّ الأخير
( سيرة السَّدّ )
تأبَّط لحنًا
وذكرى تُلحُّ عليه بباب المطارِ
وريحُ الشتاءِ العتيَّة
وسربُ حمامْ
يجوبُ السماءْ
شريداً شريداً .
وكان العواءْ
شديداً .
عواءُ المدافع كان شديداً
يدمدمُ في ساحةِ الذاكرةْ
وكان الظلامْ
ينزُّ دماً ، وخيالُ المصابيحِ كان غريباً
يعربد فوق ضريح الجدارْ ..
ويسكب عبرة !!
وكان صراخ النساء كثيفاً ..
عميقاً يزلزل عرش السكونْ
وأنياب غول .. وأقدام نارْ
ووجه مغول .. وزند دمارْ
وأثداء جنيةٍ عاهرة .. وأجفان عاصفةٍ ساهرة
وفئرانُ موتٍ .. وسيلُ العَرِمْ
على إثرها عاد كي ينتقمْ
أطل علينا بوجهٍ جديدْ
وعهدٍ جديدْ .. قديمٍ .. جديدْ
وعادت كوابيسُ عهدِ التشرُّدِ
عادت لتلقي علينا
حكايا المنافي الشقيةْ
وذكرى الرحيلْ
وفئرانُ موتٍ .. وسيلُ العَرِمْ
وأهوالُ عادت لكي ينتقمْ
ويسحل في صلصلاتِ الصحارى
وجوهَ القبائلْ
ويفتضُّ في  قهقهات السكارى
عفافَ السنابل
وأصواتُ دمدمةٍ عنجهية
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
هريرُ كلابٍ ووقعُ فؤوسْ
وتشدو قنابلْ
فيسقط جرحى على ساعديه
وطيف الضحايا على دمعتيه
وتجري رؤوسْ
وراح يُسدِّد فوق الدمار الذي بالمدينةِ ..
حلّ قريباً ..
رصاصةَ نظرة
وكانت بقايا أغاني الصبايا وهنَّ يطفن روابي الأصيلْ
تنامُ بمعطفهِ المهترئ
وبعض روائح بنٍّ عتيقٍ .. وعطرُ رسائلْ
تنام بمعطفهِ .. تختبئ
وحيناً تطلُّ عليه .. تطل من الذاكرة
موسيقى كدمعةِ أمٍّ رؤومْ
تطلُّ عليه بباب المطارْ
: وداعاً وداعاً بقايا النهارْ
وسربُ حمامٍ بخوفٍ ورعبٍ يجوبُ السماءْ
وكان السفرْ
*
تأبَّطَ حزناً
وأسرى به الشوق ليلاً إلى عرش مقهى .. قديم
بأرضٍ غريبةْ
صغار الأنوف
تراقبه هلوساتُ العيونْ
وتفتح باباً إلى البحرِ
تسأله من تكون ؟
ملابسهُ رثَّةٌ .. والحذاءْ
كتمثال ريحْ
يئنُّ يصيحْ
وليست تريد جواباً ولكنه عبث الطيبينْ !
وتنشب أظفارها الأسئلة
وأصداءُ صَحْرا
وتسحقه روحها المثقلة
ورنَّاتُ ذكرى
وأصواتُ يومَ تنادى الغجرْ
لنهب المدينةْ
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
تُدُمْ .. دُمْ .. دُمْ
وأنياب غول .. وأقدام نارْ
ووجه مغول .. وزند دمارْ
وأثداء جنيّةٍ عاهرة .. وأجفان عاصفةٍ ساهرة
وفئرانُ موتٍ .. وسيلُ العَرِمْ
وأهوالُ عادت لكي تنتقم
وراح يمدُّ يديهِ بعيداً
وراح يقول :
رأيناهمُ في خيال الشجرْ
وهم قادمون
فؤوسٌ .. وأشلاء ذكرى عروسْ
تناثر في كل روضٍ دمُ
سرى طاهراً في عروق الغصونْ
وحتى عِشاشُ الطيور
سرى الذعرُ فيها ونال مداها العُبوسْ
جحاظ العيونْ
غلاظ النفوسْ
وريح تفوح كأنتن ريحْ
تلف كحبلٍ متينٍ بها رائعاتِ الطلوحْ
بكفِّ صليبٍ .. ونار مجوسْ
وأنياب غول .. وأقدام نارْ
ووجه مغول .. وزند دمارْ
وأثداء جنِّيةٍ عاهرة .. وأجفان عاصفةٍ ساهرة
تنافض في ذاكرات البكور
( حديدٌ حديدْ ..
حديدٌ عتيقْ )[1]
فلا فاح زهرٌ .. ولا هلّ نورْ
وغادر روحُ الحياةِ الشجر
وأصبح جيدُ “السَّعيدةِ “خِلْواً
كحسناء كانت .. أميرة
رماها القدرْ
وصارت تمرُّ بكلِّ المواخيرِ
عَطْلى .. فقيرة
وطفلٌ صغيرْ
يقول لجدّتهِ : قادمون
وتخرسه : يابني انتبه
أجل قادمون
يكاد السرير
برعبِ زفيريهما أن يطير
أجل قادمون !
وأصداءُ من سحلوهمْ هناك
ترجُّ المدى
بقعقعةِ النار والأسلحة
وهم يركزون رؤوس البنادقْ
على الأضرحة
هناك هناك بتلك الحرائقْ
وتمطر نيرانها الأسئلة
وماذا تريد وماذا تكون ؟
*
تأبَّط خيلَ الخيالِ
وأشعلَ بين الأناملِ أفْقَ الدروبْ
وطافَ المقابرْ
وألقى السلامَ على قبرِ كلِّ شهيدٍ وثائرْ
وحين استدارْ
رأى ضوء نارْ
وكان خريرُ دماءٍ
وأصواتُ قافلةٍ في الرِّياحْ
تخبُّ .. بلا قربةٍ أو سلاحْ
: ( إلى أين ؟ هذا بذاك اشتبهْ ؟) [2]
وعشرون قافلةٍ من بعيد
تلوحُ ..
وربُّ الغبارِ العنيدْ
على الأفقِ يرنو  بطرفٍ حديدْ
( حديدٌ .. حديدْ )[3]
إلى أين تمضون دون امتداحي ؟
أنا سيد البيدْ ! أين العبيد ؟!
وتضطرب الأرضُ من حولنا
ويعلو الصراخُ :
أيا سيد البيد جارت علينا الظروفُ
وكنا ملوك الزمانْ
وقد قدَّر اللهُ أن نتمزَّقَ
تحت سياط الأسى والهوانْ
أغارت علينا سيولُ العرِمْ
أيا سيد البيد[4] إنَّا حُفَاةْ
أَيَا سَيَّـدَ الْـبِيـدِ إنَّا
عُـ
       رَ
             ا
                     ةْ
ولكنه تاهَ كِبْراً .. وطااااارْ
ومن قال أنَّ الغُلاة القساة
لنا يسمعون ؟
وحين استفاق الخيالُ
وأيقن أنَّ هَواهُ عليلٌ .. هزيلْ
تبخَّر فوق السريرِ الكئيبْ
وأغلق بين يديه الدفاترْ .
*
إلهي ..
إلى أيِّ أرضٍ أهزّ جناحي وكلُّ بلادٍ سفر ؟!
على أيِّ صدرِ كمانٍ حزينٍ
أوقِّعُ رأسي
وكلُّ مغنِّيةٍ لي سَهَرْ ؟!
صبرتُ كأيُّوبَ يومَ دَهَتْهُ ليالي العناء
فجوعٌ وقهرٌ .. وعريٌ وسهدٌ .. وداءٌ عياءْ
ألستَ تراني مَللتُ ، تعبتُ ، ونُحتُ ، وتُهتُ ، وجعتُ .. وضقتُ
وأنت اللطيفُ بكل البشر ؟!
وأنت الرؤوفُ بكل البشر ؟!
أحاول أن لا أوفِّرَ حباً
وأنفثَ كلَّ الذي في دمي
بريق القصائد ، جدولَ ذكرى ، وروعة لقيا
أحاول أن لا أوفِّرَ شوقاً
وأطلقَ كلَّ الذي في فمي
من أغانٍ ورؤيا
أحاول أن لا أكون حزيناً بِقدْرِ انْطفائي
فقد يُورقُ الصخرُ يوماً نخيلاً
وقد يهتك الشعرُ حُجْبَ الوَهنْ
ويحيا وطنْ !
*
إلهي
تأبَّطتُ صحراءَ روحي وشاطئَ ليلْ
أحاول أن لا أريكَ انْكساري
وأنْ أتَزَيَّا بِزِيِّ الشَّفقْ
وأخفي دمي
فخصمي يقولُ احْمرارُ  المدادِ
وقومي يقولون : لونُ الأرقْ .
*
إلهي ..
إلهي ..
تأبَّطني في الطريقِ السرابُ
وظلَّ وأضحى وباتَ وأمسى
وضلَّ السرابُ طريقَ الرجوعْ
وصارَ  يناشدني : أين أنتَ ؟!
أنا .. مِن هناك ، تعال إليّْ
أمدُّ يديَّ ، يمدُّ يديهِ
كلانا تتداعى
ويحنو عليَّ وأحنو عليه
كلانا تلاشى
كلانا تأبَّطَ شَكَّاً وخوفا
وحلماً وزيفا
وفئرانُ موتٍ .. وسيلُ العَرِمْ
على إثرها عاد كي ينتقمْ
تلاحقنا منهُ أشباحُ كهفٍ
وأطيافُ بحرٍ ، وأرواح قبرِ
لتطوي بلادي وأحلامَ فجري
وضلَّ السرابُ طريقَ الرجوعْ
سماءٌ عليلةْ
ولست أراهُ ، وليس يراني
( وداعاً وداعاً )
موسيقى كدمعةِ أمٍّ رؤومْ
وهلَّ المطرْ
*
بلادي .. وأكوامُ قتلى وجرحى
بلادي .. وذاكرتي في ارتعادِ
كلابٌ على التلِّ تنهش بعضاً
عليها يحومُ .. يحومُ الطنينْ
ودمدمةٌ في نباح الكلابِ ترجُّ الصدى ..
وتثير الحريقْ
وصمتُ الجبال مخيفٌ
وصمت الضحايا محيطٌ بكلِّ طريقْ
بلادي .. !
وأعماقُ ذاكرتي في ارتعادِ
أنادي ..
وصوتٌ يناشدني : من تنادي ؟
ويهرب مني بعيداً بعيدا
هنالك ما بين تلك البوادي
هنالك حيث الظلام بصمتٍ يلفُّ الحدودْ
وحيث بلادي كطيرٍ  جريحٍ بأيدي الجنودْ
أعيدوا بلادي
بلادك نكهةُ بنٍّ .. ولكنها أخمدتها العوادي
أعيدوا بلادي
بلادك نغمةُ شادٍ .. ولكنها أخرستها الأعادي
أعيدوا بلادي
بلادك جارةُ غيمٍ .. ولكنها مزّقتها الأيادي
حفاةٌ وينتهبون البشرْ
حفاة ويعتقلون الشجر
حفاة ويغتصبون القمر
حفاة بكلِّ غباءِ القرونْ
بتاريخ أمتنا يعبثون
حفاة بأعصابنا يلعبونْ
بلادي .. وأكوامُ قتلى وجرحى
ترصِّعُ هامَ المدينة
وروحٌ ترفُّ عليها
وتنظر نحوي كذكرى حزينة
تصولُ وتخفق بي وتجولْ
تربِّت روحي .. تقولْ
: بقصف المنايا .. وهولِ الرعودْ
برغم حرائقهم سنعودْ
برغم حرائقهم سنعودْ
*
لأني أنا الجُرْهُمِيُّ الأخيرْ
فصوتي زؤامٌ وطرفي سعيرْ

وفي جلجلاتِ الخطى مهرجانُ الرّْ
رَبيعِ وعودةُ يومٍ مطيرْ

ووادٍ خصيبٌ .. وسّدٌّ منيعٌ
وفجرٌ جديدٌ .. وروحٌ نضيرْ

تأبّطتُ لحناً .. بقايا من الأمسِ
ترقص أصداؤها في الصدورْ

على شطِّها كان مَنْ قد مَضَوْا
يقولون عني الكلامَ الكثيرْ
وتمضي الفصولْ
وتأخذ دورتها في الزمنْ
وتأتي مواسمُ أخرى جديدةْ
وتلبس تلك السهوبُ النضارْ
ويهوي ظلامٌ ويعلو  نهارْ
ويخفق صوتُ الضحايا البعيدة
بتلك الشجرْ
وتنشب أظفارها في الغجرْ
وتأخذ دورتها في الزمنْ
ماليزيا 20 / 2 / 2016
الهامش
[1] مقطع للسياب
[2] مقطع للبردوني
[3] مقطع للسياب
[4] وردت هذه العبارة ( سيد البيد ) لدى الشاعر محمد الثبيتي
 
 
ليلة قصف الحوثي السجن النسائي بتعز
هوَ الغباءُ
لعنةُ الرِّياحِ والغبارْ
تُبعثر الكلامْ
وتغصب الطريقَ للسلامْ
تسدّ أفواهَ الحمامْ
وتسدل الستارْ
على شواطئِ النهارْ  .

هو الغباءُ
مغرمٌ بكمْ !
لأنكمْ نفختمُ في موتهِ الحياهْ
هو الهشيمُ لفظُهُ
وأنتمُ سنابلاً معناهْ
قد كان منبوذاً حقيراً  ..
مُبْعداً
فصار باسْمكمْ ..
فصار باسمكم إلهْ !

بأيِّ ذنبٍ تقتلون الأبرياءْ ؟
النائمينَ على لهيبِ الدمعْ
القابعينَ هناكَ ..
حيثُ الليلْ
والويلُ والمزابلُ اللعينة
أنصِتْ لصوتِ نغمةٍ غنّاءْ
هناك في البعيد
معجونةٍ بالخوف والحديد
رصاصةٌ رقطاءْ
تقضُّ أعشاشَ السكينة .

بأي ذنبٍ تقتلون الأبرياء ؟
لم يطرقوا أبوابكمْ
تلك التي ينام في ظلالها النّعيمْ
تلك التي طلاؤها الفقيرُ  واليتيمْ
لم يزعجوا وليّاً
أشاح عنهمْ عندما رآهمُ
وقرّب الكلابَ والجحيمْ
بأيّ
ذنبٍ
تقتلون
الأبرياء ؟

حَظْرُ التِّجْوَال
أول ساعة أعلن فيها " حظر التجوال " بسبب كورونا

الهمسُ يقتحمُ المدينةَ
سكرانُ
يرقصُ عارياً
يرنو إلى المرآةِ في كسلٍ
ويطعن نفسَهُ بالعطرِ
يَمْخرُ لجّةَ الأحياءِ
يضحك ساخراً
-أأنا أنا ؟
ويبول في وجهِ الشوارعْ
لا وقْعَ أقدامٍ تُروِّعُهُ
سواهُ
ولا المدى حَنقاً يُدافعْ
سكرااانُ
تنفحُ منه أصداءُ المَخادعْ
الخوفُ
والأملُ المُراوغُ والمُخادعْ
يفتضُّ أبكارَ الهواجسِ
وهيَ ترقد في أمانٍ
تحت أشجارِ الحروفْ
لا شيءَ غيرُ الهمسِ
يلمعُ  في المدينةِ .. أو يطوفْ .
*
لاشيءَ غيرُ الأعينِ النجلاءِ
مِن خَلَلِ النوافذِ
كالنجومِ تُغمغمُ
حذراً .. تجوسُ مواطنَ الذكرى
وآثارَ  الطريقْ
وَتَجُسُّ نبضَ الرّيحِ
تُرهِفُ سمعَها انْطفأ البريقْ
النخلُ يصْلُبه السَّديمُ الأبكمُ
الهمسُ يعتقل البشرْ
أوَّاهُ ..
عند الجسر قد ذُبحَ اللقاءُ المشتهى
وهديرُ  كأسٍ فوق طاولةِ المساءْ
الرّقص مات أوِ  انْتحرْ
لاشيءَ غيرُ  الهمسِ
يسحلُ جثةَ الأنغامِ
يصلبُ في جذوع النارِ
أثداءَ الغمامِ
تغوص في صدري دلافينُ القمرْ
وَجَعُ الحدائقِ شاخصٌ بي خلفَ نافذتي ..
وقد ملَّ الكلامُ من الكلامِ

صباحُ الهزيمة
أطلَّ الصباحُ ..
أفقْ يانديمَ الليالي .. أفقْ يا صريعَ الرُّؤى
يا جريحَ الخطى ياجريحَ الخطى
ونفِّضْ غبارَ النجومْ
وهيِّئ لنا الكاسَ والسَّرجَ
واخرجْ بنا للجبالِ
ومزِّقْ ثيابَ الوجومْ
وصِحْ من صميمِ الألمْ
لقد ذاب من حرِّ  شوقي ربابي .. وناح القلمْ
وبلَّ ثرى السُّحْبِ دمعي
وباءَ بجيش القوافي السَّأمْ
إلى كم يُطلُّ الصباحُ الكذوبْ ؟
صباحُ الأسى والنوى والكروبْ
صباحٌ من الليل يطلع حقداً
وليلٌ من الصبحِ يُشبهُ وَجهَ الضَّنى والحروبْ
وأيُّ صباحٍ .. ؟!
وأهلي جراحٌ
وداري سقوفٌ تهاوتْ
وعيني تراقبُ طيفَ الدُّخانْ
يقهقهُ في الجوِّ  طيفُ الدّخانْ
وتحت الرُّكامِ صُراخٌ
وتحت الرُّكام عويلْ
وتحت الرُّكام أنا الحَبُّ والبنُّ والسلسبيلْ
وتحت الركام رسائلُ عشقٍ .. وفنٌّ جميلْ
وذكرى الهدوء وذكرى الشغبْ
وذكرى الثمارِ الدَّوَاني
وعذبِ الحديثِ
وذكرى الطربْ
وذكرى الحروف التي أشعلتني
وصرتُ بها صولجانَ الغضبْ
وطارَ  الدُّخانُ بعيداً .. بعيداً
ويحفرُ  في الجوِّ  قبراً جديداً
وعيني تراقبُ طيفَ الدُّخانْ
يقهقهُ .. في .. الجوِّ .. طيفُ .. الدّخانْ


صباحٌ أطلَّ .. ؟!
على أيِّ صبحٍ سيُصبحُ من تاهَ في ليل غربتهِ
ليس يدري بأيِّ اتجاهٍ يخِفُّ المسيرْ؟
وإن كان طيراً ..
فثمَّةَ نارٌ بكلِّ مكانٍ إليهِ يطيرْ ؟
وماذا وراء البحارِ ؟
ضبابٌ كثيف
عناوين لافتةٍ للضياعِ
صناديقُ بؤسٍ تبيعُ الفراغَ
إلى الريحِ
أسئلةٌ من عميقِ التشفِّي
ومستقبلٌ عربيٌّ ذبيحْ
أحاطتْ بنا الأرضُ
صوتٌ يُخوِّضُ في حشرجاتِ الصَّدى : مالها ؟
وموجٌ من الراحلين
إذا ما نظرتَ إليهم من الأفْقِ
صبُّوا بأذنيك أخبارها
وليس لنا من حبيبٍ .. سواهْ
إلى الله ترفو الجباهَ الجباهْ


لقد صادروا صبحنا مذ أطلُّوا
فأضحى سجينا
وأضحى النسيمُ لظىً
والنّدى غَرْغرينا
إذا لم يطلّ الصَّباحُ بصوتِ الجهادِ
وروحِ الكفاحِ
ونارِ العزيمة
فهذا الصباح صباحكمُ ..
صبحُ ليلِ الهزيمة .
ماليزيا 2020

بانوراما الـ KLCC ماليزيا ( مشهد فوقي ) .

أَوْقِدْ على البُرْجَيْن لي صَرْحَاً
لأنظرَ  كيفَ حالي !
حولي شياطينٌ
ولكني سَمَوْتُ عليهِمُ
بقصيدتينْ
أو ... لعنتينْ
اِقطفْ لنا من غيمةٍ خضراءَ قاتاً
وَابتعد أو ... فاقتربْ
فأنا اليقينُ
وكلُّ ما حولي سرابٌ
أو ... سرابْ
أدري!
وتقرع دفَّتي الأجراسْ
ليقوم حظِّي مثلَ كلّ النّاسْ

مِن قاب قوسينِ ارْتمى قلبي عليَّ
نَكِرْتُهُ !!
ثلجٌ هنا البوحُ
ثلجٌ هنا الليلُ المترجمُ وَالمُعرَّبُ ... والرَّحيل
ثلجٌ هنا الصبحُ
ثلج هنا العشقُ الدَّخيل
ثلج هنا الخيلُ المُطهَّمةُ الأصيلةُ
والرُّبوعْ
ثلجٌ هنا الشِّعرُ الذي
مِن كوَّةٍ في الغيبِ
عاداه الجميعْ
أشرعتُ أبوابي لصوتِ الرِّيحِ
آويهِ
مِن القلقِ الصَّقيعْ
لكنَّ ثلجاً كانَ ..
ثلجاً وجههُ المسموعْ !

أَوْقدْ لنا لغةً
ليُشرق وجهُها قمراً
ويشرقَ وجهُنا وطناً
لنعرفَ
ما يحاكُ وما يدورُ
خان الرِّفاقُ هنا
ولا حرفٌ يُؤلِّف بيننا
والمسندُ المنقوشُ في صوتي
وصوتهمُ انْطفا
ضعنا وَبَعثَرَنَا الشُّعورُ
القتلُ ينزل ساعةً
مِن سدرةِ المَوْتى
ويبطشُ
بالصغير وبالكبيرِ
... " ويحبُّ ناقتَها بعيري " ؟
ذُبحت على صخر الشَّتاتِ
من الهجيرِ إلى الهجيرِ
القتلُ يمشي فوق بحرٍ من دماءْ
من ذا يُقلِّدهُ نياشينَ السّلامْ ؟
هو نفسُهُ .. !!
كفٌّ تُشمشمُ طَعمَ دمِّي
كي تخطّ بهِ
سلاماً للسّلامْ !

أَوْقِدْ على البُرْجَيْن لي صرحاً
وغنِّ(ي) يانديمي
لا زلتُ منفلقاً على وهج القصيدةِ
غائباً عني
ومغترباَ كَوَعلٍ في بساتينِ السَّحابات البعيدةِ
لا لواءٌ في يدي إلا يدي
تدرين كم أهوى المطر !
لاشيء يعرف كيف يغسلُ دمعتي غيرُ المطرْ
لاشيء يغرق في صراحتهِ
وحزني كالمطرْ
مطرٌ  ولا مطرٌ
سوى هذا العذاب السّرمديّْ
هذا الطريقُ المُنْتفي
من دون وعيٍ
أو .. بوعيٍ
في الطريقِ اليّعرُبيّْ
هذا الوداع المنتظر

قفْ بي على البُرجَيْنِ
واذكرْ  شعبيَ المنكوبَ
أوْ  لا ؟
فالتحمْ بي
قبضةً من أغنية
روحاً مدرَّجةً
على حافاتها راعٍ وراعيةٌ
وأغنامٌ
وزورقُ رابيةْ
وسنابلٌ مَحنيّةُ الرّأسِ
على صدرِ الحنينْ
حيٌّ هو اللهُ
وحيٌّ صوتُ أعماقي الحزين
اِنسَ الذينَ نَسَوْكَ
غادر شرفةَ اليأسِ
وسبِّحْ عند يَقْطِينٍ
لربِّ العالمينْ
وارقص على البُرْجَينِ
وَاكسِرْ  في مناخِ الصمتِ
أقدارَ  السِّنينْ


اُمخر  على البُرجيْن بحراً من سديمٍ
أو صدى
واشحذ على السّكّين طرفك
أو ... على حدِّ الرّدى
وانفث نصوصكَ
لا تخف من سحرها
أنا ماعهدتك راجفاً طول المدى
وانصت بطرفك ثم قل لي :
ماترى ؟

لصٌّ يُداجي الريحَ
يصعد
للمنصَّةِ
فوق أعناق الضّحايا المتعبين


طفلٌ يقاد إلى السُّجونِ
معفَّراً
والقلبُ منكسر الجبينْ
والناسُ تبصقهُ
وتصرخ :
سارقُ الخبز اللعينْ !


الجَوُّ متنُ قصيدةٍ
والبحرُ
والطرقاتُ
والأسواقُ متنُ قصيدةٍ
والتُّبّعُ اليمنيُّ
والأقيالُ أبناءُ السُّراةْ
والهدهدُ المَنْسيُّ
حاشيةٌ
أذابَ البؤسُ أحرُفَها
وَعَفَّرَهَا الغيابْ


روِّ الحُمَيَّا يانديمي
واقفل عليك رؤاكْ
أرجِع إلى "شمسِ المعارفِ"
جثَّتي
وَاطْوِ الكتابْ
إني أراك سواكْ !
إني أراك سواكْ !
7 مايو 2020
ماليزيا

عامان .. والمنفى
اِرفع عواميدَ الفؤادِ كخيمةٍ
يَابْنَ الشَّقا
لولاكَ مَا عبرَ النّهارْ
وانصُبْ لِهَاجسكَ الطُّفوليِّ
الكواكبَ والبحارْ
وَاسْكبْ لنا مِن دَلَّةِ الليلِ المقفّى
قهوةً من نارْ
واعبرْ بنا الخيطَ الذي كالحلمِ ما بين الفناءِ
وَرَقصةٍ للزَّارْ
اِنهضْ
ولا تُسلمْ إلى التابوتِ
صِيصانَ الدِّيارْ
إنَّا عبيدكَ
فَاهْزُزِ النَّقشَ القديمَ وَهُدَّ هُدَّ العارْ
  •  
اِرفع عواميدَ الفؤادِ
كمنجةً
يابن الهوى
وَاسْبِلْ على عينِ المنافي
الرَّملَ والغُدرانْ
واحضن رياحك نغمةً
أو .. نغمةً
وَاعْزفْ على وقعِ السُّيول
تدقُّ أبوابَ المدينةِ
نُوتةَ العصيانْ
لا تختلطْ بالموتِ وَاهدمْ كهفهُ
وَامْدُدْ إلى قمرِ الغِناءِ
قوافلَ الأحزانْ

المتعبون هنا
ككلِّ عباءةٍ طلع الغبارُ بها على الموتى
وهاموا في الظلامْ
حيرى .. ويحمل بعضهم بعضاً
يَعسُّون الخطى
وهشيمهمْ في الليلِ يذروهُ الرَّغامْ

المرهقون هنا
كفكرةِ شَاعرٍ
جمحتْ بها الأهواءُ
تلهثُ
في مجاهيلِ الخيالِ
ولا يرى
وعيونهُ ترتجُّ كالشطآنْ
الوقتُ في أعماقهِ ...
حبلٌ عليه الريحُ تنشر ضحكةَ الشيطانْ

عامان لا منفى ولا وطنٌ كمنفى أو بديلْ
خيلي مطرَّحةٌ
وكهلانٌ على المقهى تبيع الزنجبيل
أوَ أنتِ بلقيسٌ ؟
أجل قالوا وقيل !
بالقرب منّا فندقٌ
لا بأس
نرضى بالقليل
دمعٌ على دمعٍ
تَ
      دَ
             حْ
                    رَ
                           جَ
                                         فوق أوجانِ الصّهيلْ

" يا أيُّها المدَّثر "
1
الفجرُ  تائهٌ كقاربٍ صغيرْ
الأفقُ مُبْتَلٌّ
وشاطئُ الأمانِ لا يُرى
هنا الجحيمُ
هل ترى ؟
من ذاك يغصبُ الضياءَ والضميرْ ؟

2
نقيقُ ضفدعٍ في الليل
مثلكمْ
إذا فتحتم بابكمْ
نعيبُ بومةٍ ...
كرامةً للهِ
سُدُّوا بابكمْ عن حلمنا الأنيق والنّبيل
فعزفنا جميلْ

3
مدينتي!!
خمسٌ إلى عَشْرِ  احْتمالاتٍ
تموتُ في القريبْ !!
كلُّ الضِّباعِ حولها ..
والليلُ والحديدُ واللهيبْ
لكنَّ شيئاً مَّا
في سرِّها المدفونِ لا يجيب
يَهُشُّهُمْ هَشَّ الذباب ..
إنْ صَحَا
يَهُشُّهُمْ .. عَنْ وجهها الحبيبْ

4
سنلتقي في العاشرة
حبيبتي
وخمرةَ الفنِّ الذي
في كلِّ ذرَّةٍ
من الهواءِ
تجري في دمي
سنلتقي
هناك خلفَ مقبرةْ
أمامَ بائعِ الألغامِ والحلوى
بالقرب من دكَّانةِ السّلاحْ
أو ربَّما .. في الشارع المقابلْ
وراء تاريخٍ من الأحزانِ
والجوعى
نمرُّ تحت ظُلَّةِ المعاولْ
لا تعبأي بهمْ
فالأرضُ أرضُنا
وعشقنا جداولْ
سنلتقي
سِلاحُنا الغمامةُ المعطَّرة
سنلتقي في العاشرة

5
أَوْجعتني ياصوتَ أمِّي الغائبِ
عيني ممزَّقةُ الإهابْ
تبدو كشيطانِ الطريقِ الشاربِ
عكَّازهُ القفرُ اليبابْ
من أين لي ياصوتَ أمِّي النَّاشبِ
قلبٌ كهاتيك الهضابْ
أوْ أنّ لي سمعاً كسمعِ الصاحبِ
إن قلتُ : هَا ! لبَّى وَجَابْ
لكنّهمْ .. نهرُ السَّوادِ السَّائبِ
قد أغرقوني بالحِراب

6
" يا أيُّها المدَّثر "
بالظلِّ والحنينْ
قمْ
نفِّضِ الأنينْ
اجمع إلى عينيكَ
باسْمِ الطُّورِ  والإسراء
كلَّ صوتٍ ثائرٍ أمين
لا يعرف التطبيعْ
هُمُ هُمُ
لا الزُّمرةُ  القطيع

7
وقال لي أبي
" اِنهضْ فهذهِ  تَعِزُّ لا تنامْ
جدرانُ بيتنا النخيلُ
والنخيلُ يابنيَّ لا ينامْ
يظلّ واقفاً ..
وزاحفاً
ولا يبالي صرخةَ الظلامْ "

8
وقال لي عن مأربٍ
قولَ المحبِّ الصّادقِ الكلامْ
" طلائعُ النهارِ
من هناكْ
تطلُّ أوْ ..
 تغيبُ كالسّهامْ
في أضلعِ الظُّلَّامْ "

10
" يا أيُّها المدَّثر "
ورنَّ صوتُك في الدجى
حولي
وضمَّد لي جراحي في الطريق
ومدَّ لي في حرقةِ الصحراء ماءً من بريق
وشقَّ بي ليلَ السّرابْ
ومضيتُ في التاريخِ والأحلامِ
وحدي
كلُّ ما حولي ينام .. ولا ينامْ
ماليزيا . أوسان الأدبي
20/8/2020

أغنيةٌ يتيمة لراعيةٍ يتيمة
وَاراعيهْ
لا الدّمعُ منطفئٌ
ولا بابُ الأغاني مُشْرعُ
وأنا أتيتُ إليك
أحمل صخرةَ الأحلامِ
أرتجل الرياحَ .. وَ
                                 أَ
                                        هْـ
                                                 رَ
                                                         عُ
أطرافُ كفيَّ انتحارٌ لا يجيءُ
ككلِّ وعدٍ بالمواسمِ يقطعُ
قممٌ من الكلماتِ
تسقطُ بي ..
يدحرجني البكاءُ
على
                      البكااااااءِ
                                            ويصفعُ
من أين جئتُ ؟
من المسافاتِ التي امتقعتْ
أساريرُ الزمانِ بها
وكان الظنُّ
أن يصفو الزمان
ولقد صلبتُ على سياج العصرِ
وجهي
وانعتقتُ إليك من جلدي
ومن زيفِ الهوانْ
وقنعتُ من دنيايَ
أن أحظى بساعات التلاقي
تحت شنَّانِ المطرْ
تطفو على خديك همْساتي
ويرسو  في قوافيك النَّظَرْ
وأعود أرعى بين عينيك الغَنمْ
يا صوتَ أشواقَ الربيعِ
ونكهة الوادي
ولحن السَّيلِ
والنَّجمَ المسافر في الظُلَمْ
2020

إلى شهرزاد
أبكي .. !!
ليُقرأكِ السلامَ
على نوافذكِ
النَّدى
عند الصباحْ

أمشي .. !!
ويركب لجّةَ النارِ الصّدى
ويخفّ مرتجفاً إليكْ
لتسمعي
همسَ
الجراحْ


أشدو .. !!
ليأتلق النهارُ  على الشفاهِ
فتصبحين الزَّهرْ
وأصيرُ  عَزَّافّ الحنينْ
ويضمُّنا في الرّيح
موَّالٌ وراحْ

البعدُ علّق بين جفنيّ الرّماحْ
روحي تهرَّأ جلدُها
والنخل داميةٌ
ورأسي للطيورْ
البحرُ طارَ  برفقتي
والبعدُ صَلَّبَ بين جفنيّ الرماحْ

قومي .. ليندلق الخليجُ
على البطاحْ
وتوسَّلي بالشعر
وانتزعي قيودي من على
الأعواد والألواحْ
ولتدخليني يامليكةُ في لياليك الملاحْ
كُوالالمبور ذات مساء

هنا وجههُ قاربٌ تائهٌ
يفتش عن مرفأٍ للنجاة
هنا صوتُهُ غيمةٌ أطْفأتَها
كلابُ المنافي وغولُ الشتات
هنا وجههُ اليَعرُبيُّ القديمْ
وخيمةُ شعرٍ
وأطلالُ سعدى
وتسمع في صمته شارداً
هديرَ الينابيعِ
بين النخيلِ وهمسِ النسيم
هنا وجههُ ألف سطرٍ  وسطرٍ
لأصداءِ من رحلوا من قديمْ
ولكنه أجنبي غريبْ
ولكنه أجنبيٌّ غريبْ
يُفزِّعهُ كلُّ صوتٍ يدبُّ
ولو كان صوتَ الحبيبِ القريبْ !

آخرُ ترنيمةٍ للموت

كاذبٌ يا وَهْمُ ..
لا الصَّحراءُ أعتى قبضةً مني
ولا البحرُ الخِضمُّ
لا الريح تملك أن تصادرني
ولا جيش الظلامِ المدلهِمُّ
إن نالني وجعٌ
نشرتُ على خيوطِ سَرَابهِ
للحبّ أغنيةً جميلة
ومددتُ نحو البحرِ
أشرعةَ الحياةِ المستحيلة
الحبُّ أقوى من صدى الموتِ
وذكراهُ الثقيلة .

كاذبٌ يا وَهمُ ..
قلبي صخرةٌ نزَفَ الشَّتاتُ دماً ..
وعنها ارتدًّ قرنُ الصَّاعقة
الجِنُّ ..
في أدغالِ غابتها الفسيحةِ طالِقة
الشمسُ تَغربُ في البعيدْ
والأرضُ يكسرها الرحيلُ من الوريد إلى الوريدْ
والسحْبُ تجْرَعُ قهوةَ النّسيان
تمضي أو ... تعودْ
والثورة البيضاء آخرُ ما تبقَّى من
من قلاع في الوجودْ


كن للغرام نبيَّا
كن للغرامِ نبيّا
اُعبرْ جسورَ الأرضِ
واغرسْ كرمةً في كل دربٍ
رتِّلِ اللحنَ الشَّجيَّا
كن للغرامِ نبيّا

كن للغرامِ نبيّا
كن قربَ دمعةِ عَاشقيْنِ تواعدا عند المساءْ
لكنّ قضبان الحديدْ
أقسى
كقلبٍ من حديدْ
الدّمعُ رفَّ على الخدودِ نديّا
كن للغرام نبيّا

اِهبط من الغارِ  الَّلعين
وطفْ بيوتَ الكادحينْ
أوْقِدْ لهم أملاً ولكن ..
لا  كَأيّامي حزينْ
طَبطبْ على أرواحهم .. واذرفْ مليّا
كن للغرامِ نبيّا

كن صفحةً للنهرِ ترقص فوق أحرفها
مواويلُ القمرْ
الليلُ ساهدْ
والزَّوارقُ لم تعد مثلي
وربّان القدرْ
قاسٍ وجاحدْ
كن للزوارق شاطئاً منسيَّا
كن للغرامِ نبيّا

كن للفراشةِ روضةً غنّاءَ
ترسمُ للحياةِ مباسماً وعيونا
وتدافع القبحَ الذي ملأ البلادَ جنونا
كن للفراشةِ ريشةً سِحريةَ الألوانْ
لتعيد للإنسانِ بسمتَهُ التي أودى بها الإنسانْ
كن غيمةً بِيديَّا
كن للغرامِ نبيّا

اَلْـ غَيْر مرحَّبٍ بِهْ
عند أول وصولي ماليزيا شعرت بوحشة .. أحسست أني العربي الوحيد فقلت :

شَهْرانِ مَرَّا
وأنا لا نارَ  تبلعني
ولا الأصنامَ تسقط في يدي !
*
شَهْرانِ مَرَّا
والعيونُ تحيطُ بي
هيَّابةً
والوقتُ يمضي في ضلالٍ أبدي
*
اِجلسْ قليلاً
وانتظرْ  في الأفْقِ دورك
واجْتهد أن لا تموتْ
لا وقت عندي للكتابةِ فاطمئنّ
هل يملك الفنانُ وقتاً كي يموت ؟!

*
ضع أيَّ شيءٍ
فوق هذا السطرِ
  • نخلٌ .. قمرُ ؟!

ضع دمعةً
تلدُ البحارْ
أو جمرةً تنهمرُ
*
شَهْرانِ مَرَّا
وأنا لا أذنَ تسمع لي
ولا الأشعارَ  تعرف في المدينةِ أحدا
*
وادٍ فسيحٌ مقفرُ
*
من ذا يبايعُ شاعراً
قَهَرَ الظُّروفَ وَأَرْهَقَا ؟
جعل المنافي غيمةً
وبها اسْتضَاء وَأبْرَقا
*
من ذا يبايع شاعراً
كم مَجَّدَ الإنسانَ في أعماقهِ
ودعا الوجودَ بأسرهِ أن يعشقا ؟

*
من ذا يبايع شاعراً
هدمَ الحصون على البغاةِ وأرَّقا
لكنَّهُ
بِاسْمِ الذي سوَّاهُ نجماً
لم يُطالبْ أحدا
أمضى تفانيهِ سدى ؟!
*
عن أيِّ شيءٍ
سوف يعزف عازفٌ
والناس في هذي المدينةِ كالحجارة ؟
أممٌ مطرَّحةٌ هنا
مشلولةٌ
عجماءُ
لا تدري الكنايةَ والملاحةَ والإشارة .
*
شَهْرانِ مَرَّا
لا صديق يزمزمُ الأشعار
ينقشها على سمعِ الزَّمانْ
شَهْرانِ مَرَّا
كالغريبِ
مهندمِ الأطمارِ والأفكارِ
مجهول الهويةِ والمكانْ
ماليزيا كوالا 22/2/2018

سعادة الفيزا
معاً يافيزتي الحمقاءْ
نُطَوِّف هذهِ الأرجاءْ

رياحُ الخوفِ تلفحني
تبعثرُ  في دمي الأشياء

وتقذف بي عواصفها
من الظلماء لظَّلماء

وَتَسْحَلُني على الطرقات
مقتولاً بِلا أسماء

كأنِّي طائرٌ  قلِقٌ
ينوحُ بِهذهِ الصَّحْراء

حفاةٌ .. نمتطي ناراً
مِنَ الأوجاعِ وَالأدْوَاء
  •  
متى تأتينَ أوْ آتي ؟
فقد طالتْ بيَ الأرزاء

كأنّكِ بِنتُ سُلطانٍ
تموجُ بِقلبِها الأَهْوَاء

تعيشُ بِبُرجِهَا العَاجِي
مُبَرَّأةً مِن الوَعْثاءْ

مُنَعَّمة كطيفِ سَحَابةٍ
رَقْرَاقَةِ الأَنْداء

تَغَذَّى مِنْ لَظَى آهَاتِنا
الحمراءِ والسَّوْداء

فلا عينٌ مُسَلِّمةٌ
تُخفِّفُ لَوْعةً وَعَناء

وَلا كفٌّ .. كأنَّ حمامةً
نزلتْ بنا الأفياء

تَحطُّ على أيادينا
بِروحٍ مُلهَمٍ وضَّاء

تُجدِّد للهوى فينا
دماءَ الشَّوق والبرْحاء

فتبتسم المنى كربيعِ
فجرٍ باردٍ غنّاءْ

لماذا كلُّ هذا الصّدِّ
والتَّهْميش وَالإقصاء ؟


وَلَسْنا مِن شِرارِ الخلقِ
أو مِن زمرةِ الأعداء

وَلَسْنا مَنْ نَفَى الأحرارَ
أَوْ مَن أسقطوا صنعاء

وَلكنَّا صَعَاليكَ الحروفِ
حُروفُنا البأساء
ماليزيا 2019


عندما نَـ / تَبْكي الأوطان

في أعماقي !
أشجارٌ ماطرةٌ تبكي
جدرانٌ تشربُ أنفاسي
لا أدري!
تركض بي ..  تبكي
أنهارٌ  مذْ  نَبَتَ الحزنُ
على نافذتي سُحُباً
تبكي
يوقدني في ليل المنفى .. قمرٌ  أخضرُ
في أعماقي يبكي
ألوانٌ باهتةٌ
وسيولٌ تصعد نازلةً
تعوي .. تبكي
حيواناتٌ
تجتاح المدنَ الفاضلةَ
وتكسرُ  صندوق الأحلامِ .. وتبكي
شيطاني المتخثِّرُ  في جسدِ الأوراقِ
يبكي من أعمق أعماقي
أنقاضي تنبح في الأسفل مني
وَأَنَايَ كوالدةٍ تبكي
ونهاراتٌ تفتح في وجهي الأبوابَ
وتبكي
آدمُ
شَابَ الموتُ على عينيه
ولازالتْ لعناتُ الغربةِ تلحقه في كل مكانْ
يسحب أجفاني
يتفادى لفحَ البردِ ويهديني كأسَ النسيانْ
يتلوّى من لفح الجوعِ
وأطعمه شِلْوي المتبقي
في فكِّ الألحانْ
شَابَ الموتُ على عينيه
وصوتٌ في أعماقي عند غنائي يـَ بْـ كِـ ي

اِدفن محيطكْ
اُعبر بنا ..
هذا الشتاءَ النوويَّ.. اقْفلْ عليه البابْ
اِدفنْ محيطكَ
ماعدا بلقيسَ باركها
ومدّ لها الأغاني والشبابْ
هيّا اصطحبنا ثورةً أخرى ولا تيأس
ففي اليأس العذابْ
اِدفنْ محيطكَ
أيها الروحُ اشتعلٔ
قُطْباً إليه تطيرُ آلافُ الهِضابْ
أشْرِقْ على الأرض الجديدةِ يا دمي
نامي على جبلِ الحقيقةِ ياسحاب

سِفْرُ الخروج
خارجاً من كُوَّةِ النسيان
أنفضُ عن ثيابي ما أثارتهُ صحاري الذاكرة
خَارقاً حَظْرَ التَّجَوّلِ
عابراً للفجر أمشي في دروبٍ .. في دروب عابرة
حولي الفراغُ يلوبُ في ليلِ السكونْ
نابحاً في وجه أحلامي
ويسأل من أكون ؟
البحرُ  يُزبِدُ
والصّدى نايُ الرحيل إلى الرحيلْ
وخطايَ تقطرُ  في البعييدِ
هناك حيث الموتُ يُزْهِر كالنخيلْ


بلادُ الأطلال

يلوحُ يلوح الغبارْ
على هيئةِ الغرباءْ
يُخطِّطُ وجهَ السماءْ
كأحلى الدِّيار  .

بعيداً .. كعهدِ الشبابْ
يطيرُ بغير جناحْ
يعانق كل صباحْ
أغاني الهضابْ

غريباً .. كنهرٍ عميقْ
يَسيرُ  بتلك الطريق
هناكَ .. كطيفِ الأملْ
يغيبُ الطَّللْ .

متى سوف ينوي الرجوع؟!
غبيَّان يسَّاءلان
لمَ اختارَ  هذا المكانْ ؟
عليهِ الرُّكوعْ

مَنَافيهِ وَجْهٌ بغيضْ
وماذا عساهُ يقولْ ؟!
فطوقُ النجاةِ الأفولْ
جَناحٌ مَهِيضْ

يهشُّ الرّدى والنِّبالْ
بروحٍ كمثل الهلالْ
ويذكرُ  ليلَ الحصادْ
بتلك البلاد
وما أصلُ هذا الرّحيل ؟!
ألغزٌ  كلغز القبور ؟
أفنٌّ  كفنِّ الطيورْ ..
( فصبرٌ جميل )  ؟

هناك على الطاولةْ
عليه الوجوهُ تحومْ
تصافحهُ الأسئلةْ
متى ستقوم ؟!

نزيهاً من الأجوبةْ !
بلادي ؟! .. ودمعٌ وضِيءْ
يزلزل قلبي الجريءْ
من الأترِبةْ

كملّاحِ بحرٍ  عنيدْ
وفي الأفْقِ غيمٌ كثيفْ
وعصفٌ وموجٌ مخيفْ
تُرى هل يعود ؟!


أسدُ الستين
الأستاذ / عبده أحمد قائد

وَقْفَاً
على ذكراك
تبتهل النُّجومُ
يا أيها الليثُ الذي
أهدابُ عينيهِ الخصومُ
خدعوك
يوم زأرتَ في وجه الغزاةْ
باعوا السِّلاحْ
تركوك تقتات الشَّتاتْ
قتلوك غدراً يابنَ أمِّ الغيمِ
ياولدَ الصَّباحْ
تركوك مرعىً للرّصاصِ
وللدَّسائسِ
لا منااصْ
كالنجمِ وحدك كنتَ
في تلك الجبالْ
ترمي شياطينَ الخرافةِ
بِالوَبالْ
تحمي السّماءْ
اَلغارُ  ضَاءْ
الليلُ أسبل جَفْنَهُ
والرِّيحُ تعتقل الرِّمالْ
  • : اِقرأ
  • بلادي لن أخونْ
  • : اِقرأ
  • ستقتحمُ الحصونْ
  • : اِقرأ
  • شرابي ذقتُه كأسَ الشهادة
هذي النُّبوءةُ
لي
وللأرضِ
الوَداعةِ وَالسَّعَادة
  •  
أوَّاهُ
ياوجعاً عُصاميَّاً
ويادمعاً عُصاميَّا
باعت ضمائرَها الرِّجالْ
حُمِّلتَ أقدارَ  البلادِ
ورحتَ من سهلٍ إلى سهلٍ
ومن تلٍّ إلى تلٍّ
تُغطِّيك النِّبالُ من النِّبالْ
النارُ  ذؤبانٌ عليك تحومُ
لكنها ..
انْطفأت كَمَا النارِ الرُّجومُ
وطفقت تزأرُ
والصَّدى قلبٌ جسورْ
قلبٌ تحطَّمتِ الرُّؤوسُ بهِ
وَمُزِّقتِ الصُّخورْ
قلبٌ تَكَسَّرتِ النِّصالُ بهِ
وَأُغرقتِ البحورْ
قلبٌ تنفَّس عبقرياتِ الدُّهور
لكنهم خانوا
جعلتُ فداك
ما صانوا النُّذور
تركوك نهباً للضياعِ وللسرابِ وللشرورْ
طعنوك في قلبِ الأقاحْ
صلبوك في وجه الرّياحْ
أبكي دماً
تبكى القرى
والليل والأيتامْ
تبكي الفصولُ ودمعةُ الطُّبْشورِ  والأحلامْ
يبكي الغدُ الوضَّاحْ
يبكي هوى الأيّامْ
نبكي ..  ومنفانا ظلومُ
وَقْفَاً
على ذكراك
تبتهل النجومُ

طارق السكري
ماليزيا
5/5/2020

بين يديْ عمرو بن كلثوم

ألا قومي بِصحنك قد بلينا
وَنكَّسْنا البَنادقَ صَاغرينا

بربِّك أمّ عمروٍ  لا تهوني
لقد جار الزّمانُ فغادرينا

فلا والله لا الأوطان تحنو
ولا المنفى غداةَ تُصبّحينا

تشرَّدنا فقومٌ في الصحارى
بلا مأوى ، وقوم يصطلونا

ملأنا من سرابِ الوهم كأساً
وأفرغنا الكؤوس وما رَوِينا

أيا عمرو ابنَ كلثومِ اتَّرِكْنا
ودع في الغيَّ ناساً خاملينا

شربتَ ببعلبكٍّ ؟! فلْتزرْها
وَمُرْ بدمشقَ وانزل قَاصِرينا

مكانك لاتزرها وَالْوِ عنها
زِمامكَ وَاسْلكِ الدَّربَ اليمينا

فإنك لستَ تدري كم ظِباها
مُروعةً وكم ذاقت منونا

وقد كانت محلَّ الغيثِ يوماً
بها نأبى وتأبى أن نهونا


كأن الدهرَ  فيها لم يغادر
وعاش منعَّماً فيها حصينا

قتلتَ مُمَلَّكاً في الأَرْضِ ؟ إنَّا
مَشَيْنا في الفراغِ مُقتَّلينا

إذا بلغَ الرَّضيعُ لنا فطاماً
تمنَّى أن يكون حصىً وطينا


مصابيحُ الزَّيف
لاتخدعنْك بسحرها الأسماءُ
ما كلُّ وَرْقاءِ الهَوى ورقاءُ

لاتعجبنّ فنحن في عصرٍ تُسمّى
يا نَجِيُّ بضدِّها الأشياءُ

فالليلُ صبحٌ والضَّلالُ تفتُّحٌ
والفنُّ يسمو أو يزلّ سواءُ

والشاعرُ الخِنْذيذُ ليس صديقه
إلا الأسى والدمع والإقصاء

الرّقمُ في هذا الزمان كَمَا ترى
مَا لمَّعَتْهُ بزيفها الأضواءُ

إن كنتَ صَبَّاغاً لأحذيةِ الطُّغَاةِ
وَثبتَ وَاحْتفَّتْ بِكَ الأهْوَاءُ

أو كان هُجِّيراكَ عَسٌّ في الدجى
رَكَزَتكَ فوقَ رؤوسنا الأعداءُ

لا تبتئسْ ! أوْ  فابتئسْ فلنا على
هذي المنافي طائرٌ  بَكَّاءُ

الشاعر العربيٌّ فيها قمّةٌ
تهوي عليها الريح والأنواءُ

بكت الرّبابةُ في صدى خطوي الحزينِ
ورجّعت أصدائها الظلماءُ

حيناً أُوَسَّدُ في ضياعي قبّةً
للنارِ  تنفخ  نارها الأرزاء

"بَابَا" تعبتُ من المسير يقول لي
طفلي وَبِيدٌ دونَنا وَعُواءُ

هَيَّا أجِبْهُ تقول نفسي حسرةً
لِمْ لا تقولي : ضاقت الغبراء ؟!

وَجْهٌ يُطالعني بألفِ غمامةٍ
سَوْداءَ تَعْصرهَا يَدٌ حمقاءْ

ارجع إلى التاريخ سيفاً فاتحاً !
ما جئتَ تعمل ؟ قالتِ : العَجْماءُ

من أنتَ ؟ ما تبغي بأرضي ؟ إنني ..
صمتاً ! أنا العربيّةُ الغنّاءُ

أنا ملءُ هذي الأرض صوتُ مروءةٍ
أشدو  وإنْ نَاءتْ بيَ الأعباءُ

صمتاً ! فمن لولايَ أهدى للزمانِ
قلائداً ياقوتها الجوزاء

أنا نَطَّقَتْ عيني الرِّمالَ فَنَخْلُها
يَروِي .. وَكلُّ روايةٍ صنعاءُ

لأجلِ أمّي
لأجــــلِ أمِّـــي وعــيـن أمـــي
تُــطِــل شــمـسـي ولا تـغـيـبُ

بــــــــــــــــالأمــــــــــــــــسِ ..
كـــانــت حـــــروفَ صــوتــي
وعـيـنَ روحــي الـتي تـجوبُ

بــــــــــــــــالأمــــــــــــــــسِ ..
كـــانـــت خـــطــايَ تــمــشـي
وسـهـمَ كـفـي الــذي يُـصـيبُ

بــــــــــــــــالأمــــــــــــــــسِ ..
كـــانـــت ســمــيــرَ حـــزنـــي
وبـــدرَ  لـيـلـي الـــذي يــلـوبُ

بــــــــــــــــالأمــــــــــــــــسِ ..
مـَـــــــا رَفَّ جَــــفْـــنُ نـــــــومٍ
لـهـا ودائــي الـلظى الـغضوبُ

قستْ عليها الظروفُ .. تاهتْ
بـطـفـلـها الـمـلـهـمِ الــــدُّروبُ

بَـنَـتْ عـلى الـوهمِ ألـفَ حـلمٍ
وخــانــهـا ظــنُّــهـا الــكــذوبُ

فـلـيـس لـــي دارةٌ وبـنـكـي ؟
صـحـائـفٌ والــهـوى الّـلـعوبُ

أمّــــاهُ يــاصـوتَ كـــلِّ حـــيٍّ
أُحِــسُّـهُ فـــي دمـــي يــذوبُ

لــولاك كــان الــورى وحـوشـاً
وكــانــت الـغـيـمُ والـسُّـهـوبُ


لـــولاك كـــان الـفـناء عـيـشي
وبَـوْصَـلت وجـهـتي الـذنـوبُ

والـــــــــــــــــيــــــــــــــــومَ ..
تــــــذوي كـــضـــوءِ شـــمـــعٍ
وقــد عـلا ضـوءها الـشُّحوبُ

هـناكَ والحربُ قلبُ صخرٍ !!!
بــوجـهـهـا تُــدبِــر الــحــروبُ

بــوجـهِ أمّــي الـنّـدى يُـصـلّي
والــزهــرُ  والــمــاءُ والـقـلـوب

أمّـــــاه يـاطـفـلـتـي أجــيـبـي
مـتـى مـتـى غـائـبٌ يـؤوبُ ؟


أصداءُ قافيةٍ للشّنْفرى
دعني أُلحِّن أوجاعي وأنّاتي
إني تغرّبتُ من ذاتي إلى ذاتي

ما بين مقهى ومقهى ألفُ تذكرةٍ
للنارِ  ما بين شهْقاتي وزفْراتي

ما بين فنجانِ شايٍ وارتعاشِ فمي
أشلاءُ دارٍ  وأصداءُ انهياراتِ

قد صارَ  قلبيَ صوتَ الماءِ في جُزُرٍ
وصار وجهيَ ترجيعاً لناياتِ

وصارَ  لونيَ لونَ الحزنِ منزوياً
خلفَ ابتساماتِ أطفال يتيماتِ

لم تتركِ الحربُ من روحي سوى مِزَقٍ
على صليبِ صباباتٍ وآهاتِ

لكنَّها صوتُ ذكرى تمتطي لهباً
وترتدي في دجى النسيان آياتي

"صَحِبتُ في الفلوات الحرف منفردا"
أوْدعتهُ زهرَ  أيَّامي الجميلاتِ


فيه بقايايَ أطيافٌ محاربةٌ
قبحَ الحياةِ وأربابَ السِّياساتِ

*

الليلُ أوراقُ أنفاسي وأوردتي
والرَّملُ نبضُ انطفائي واشتعالاتي

والسُّحْبُ صخرةُ أعماقي .. وأغنيتي
أمطارُ نارٍ .. وسيفُ البحرِ  رقصاتي

رأيتُ في الشِّنْفرى بِيداً فهمتُ بها
(قالوا : تصَعْلكتَ ) (بل هذي نبوءاتي)

ولامني الناس : هل تصحو؟ فقلتُ لهم:
اَلصَّحْوُ موتٌ وموتُ الصّحوِ غاياتي

قد تبتُ منكم ومِن عصري ومن لغتي
فلتشهدوا الآن صَحْواتي وَغضْباتي

أيقنتُ أنَّ ضلالَ الحرفِ في سَفري
أهْدى مِنَ العيش في ظلِّ الخياناتِ

ما كنتُ عابدَ أوثانٍ ولا خُلقتْ
مِن قبلُ روحي على أرضِ العمالاتِ

ولا رَعَيْتُ بعيراً غيرَ  قافلةٍ
من النجومِ ولا طأطأتُ هاماتي

وَما وَنَيْتُ وجوعي حبلُ مشنقةٍ
للغاصبينَ وَكَفِّي بُرجُ غاراتِ
ماليزيا - سلانجور
2018

تعارف
من بلادٍ مزّقتها الحربُ والنّوازلْ
من وراءِ وراءِ آلافِ المزارعِ والشوراعِ والصحاري والقبائلْ
جئتُ محمولاً على ضوء القنابلْ
في دمي بُقَعٌ من الخوفِ
وآثارُ  غبارْ
وعلى وجهي خيالاتُ المصابيحِ
وأشلاءُ ديارْ
ليس يحملني
كتابٌ
أو بريدٌ من حبيبةْ
ليس يحملني دعاءٌ من أبٍ مضنىً .. ومن أمٍّ سليبةْ
ليس يحملني سوى خفقةَ جنبيَّ كطائرْ
مسَّهُ رعبُ الحياةِ ولم يعد يسكن غابةْ
لم يعد يأمنُ في ظل خريفِ العمرِ  زائرْ
سلبوا منه أغانيهِ التي تعبق روحاً وصبابةْ
كم على رنّاته الغنّاءِ قد رقصت سحابةْ
كم تلقّتنا على شاطي المُنى طعنةُ غادرْ
وانفرطنا في الدروبْ
خلفنا أهوالُ ذكرى .. وخطانا مثقلةْ
وقوافينا من الحقد عليها وشمُ نارٍ
وحكايا الزلزلةْ
هكذا جئتُ أنادي :
غصةٌ تعلك أنفاسي وتقتاتُ مهادي
غصة أوحش من دربٍ وأقسى من أعادي
ليتها كانت على هيئة إنسانٍ
لأغمدتُ خيولي في نواصيها
وأنْفَذتُ فؤادي .

*
من بلادٍ
أغلقتْ فيها النوافذُ
قبل أن تأتي العصافيرُ ..
بإكسيرِ الغناءْ
من بلادٍ فقدتْ طَعْماً كبلقيسَ
وصوتاً مثل أيوبَ
وناياً مثل قلبي
من بلادٍ فقدتْ كوبَ عصيرٍ
فوق طاولةِ المساءْ
سقطتْ كلُّ رياحين الصَّبايا
والأحاديث التي تقطرُ  كالماء الزلالْ
من بلادٍ  شَنَقَتْ كلَّ المحبِّينَ
وماتتْ في الظلالْ
هكذا جئتُ إليكم
مثل زوبعةٍ صغيرة
فاقرأوا مابين عينيَ
قصةَ الأرضِ
التي كانت سعيدة
وبقايا من زجاجٍ
قبل أن أكتب أبياتي الأخيرة

مفاصلة أخيرة ..!!
مالكَ يا شِعرُ تَوَحَّشتَ بعيدا ؟َ
أرضكَ ما أرضكَ ؟
تقتاتُ جراحاً وصديدا
قصفوا أجملَ مافيها وراحوا يضحكونْ !
أوقدوا وَهْنَاً من الليلِ
وراحوا من صناديقِ صِباها
يسرقونْ
يَتشَفَّوْن مِن الحقدِ
على ما خَصَّها اللهُ ..
وَسُمَّاً جرَّعوها
ألبُّوا بين العباد
شَرِبوا مِن دَمِّها نخْبَ الضِّياءِ
ونخبَ قافلةِ القصائدِ  والغناءِ
وفي مزادِ الَّلامزاد
بكأسِ خمرٍ .. صَا دَ رُ و هَاا !
جرَّدوها من ملابسها وراحوا يضحكونْ
وقفت شامخةً لم تنحنِ
لمَّا بليلٍ طردوها .
أضْنتْهُمُ  بسمتُها !!
وهْيَ التي ذاقت على أيديهمُ
أقسى العذابْ
شَابوا من الضَّربِ ..
ولا زالتْ شبابْ
باسوا ترابَ الأرضِ كي تبكي
تَرجَّوْها ..
تَدَاعَوْا عندَ أرجُلِها لكي تبكي
صرفوا لها شيكاً ووعداً بالغنيمةِ والإيابْ
السَّوطُ يجلدها
  • اِبكي
الرِّيحُ تجلدها
  • اِبكي
الليلُ والإرهابْ
...... لكنها
لا لم تكن تسمعْ
هذي فتاةُ الشمسِ
هل تُصغي فتاةُ الشمسِ مِن شَمَمٍ ..
لِطَنْطَنةِ الذُّبابْ ؟!
  •  
يا أيُّها الشعرُ الذي يرقد في القصرِ
كما القطِّ السَّمينْ
أثقلوك بكلِّ أوزارِ البلاغةِ
ثم قالوا :
هكذا الشِّعرُ الرَّصينْ !!
أنتَ يابنَ العصرِ
مالك من كلامِ المترفينْ ؟!
اِخلعْ نياشينَ السَّلامِ
وَرِبْقةِ الألقابِ والأسماءْ
تمشي كَفِيلٍ مُثقلٍ
بِالحَلْي والأزياءْ
قَدَرٌ بأن تأوي بيوتَ الكادحين
تمشي خفيفاً كالنسيمْ
تهوي جحيماً أوْ ... جحيمْ
تحمي الضعيفَ
وترتمي
كالسَّيْلِ تجتثُّ الغزاةَ الطامعينْ
قَدَرٌ  
بأن تبكي دماً
كي يضحك البسطاءُ
قَدَرٌ
تموت مِن الظّما كي يرتوي الأحياءُ
أرخي النهارَ على يديك ومقلتيْكْ
واسْكبْ خيولك من صداك وراحتيْكْ
إني هنا ..
وهناكَ أنتَ أنا
كلانا
سوف نغدو يَمَنَا
ماليزيا – 2/4/2021

الفهرس
الرقم المحتوى الصفحة
1 افتتاحية المستشار الثقافي ا.د. عبدالله أحمد يحيى الذيفاني  
2 على سبيل التقديم د .عبد الحميد الحسامي أستاذ الأدب والنقد  
3 مقدمة الشاعر  
4 على شواطئ الشعر  
5 حداء المسافرين  
6 يا بحر .. يا بو اليتامى  
7 صوت من سبأ  
8 هتاف الحرية  
9 برقية إلى الحزن  
10 صحوةُ البنّ  
11 الشَّاعر  
12 المَاسِنْجر البحريّ  
13 الجُرْهُميُّ الأخير  
14 ليلةَ قصف الحوثي السجن النِّسائي بتعز  
15 حظْر التِّجول  
16 صباح الهزيمة .. !؟  
17 بانوراما الـKLCC (مشهد فوقي )  
18 عامان .. والمنفى  
19 "يا أيُّها المدَّثر"  
20 أغنية يتيمة لراعية يتيمة  
21 شهرزاد  
22 كوالا لمبور ذات مساء  
23 آخر ترنيمةٍ للموت  
24 كن للغرامِ نبيَّا  
25 الـْ غيرِ مُرَحَّب به  
26 سعادة الفيزا  
27 عندما نـ /تبكي الأوطان  
28 اِدفن محيطك  
29 سِفْرُ الخروج  
30 بلاد الأطلال  
31 أسد السِّتِّين  
32 بين يديْ عمرو بن كلثوم  
33 مصابيحُ الزَّيْف  
34 لأجلِ أمِّي  
35 أصداءُ قافيةٍ للشَّنفرى  
36 تعارف  
37 مفاصلة أخيرة  
38    
39    
 
















































 
[1] جابر عصفور . كتاب الصورة الفنية 105
[2] عبدالواسع الحميري . شعرية الخطاب 13
[3] عز الدين إسماعيل . الأدب وفنونه 59
[4] د محمد بن علي بن درع . جوانب الإبداع في شعر أبي تمام . صحيفة إشتار الإلكترونية
[5] عبدالاله الصائغ . كتاب الصور الشعرية الحداثية .
[6] يا شاري البرق من تهامة : أغنية من التراث اليمني
[7] شياطين
[8] خان الأمين عبارة يقولها الشيعة في التشهد الأخير .
من اعمال الباحث
أضافة تعليق