مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/07/24 19:26
حينما ينسب العيب لأهله
حينما ينسب العيب لأهله
 
يحدث و أن يمر كل واحد منا في مسيرة حياته على عراقيل و صعاب و نكبات مرضية تلزمه الفراش أو تصرفه عن مزاولة نشاطه المعتاد ، فينصرف عقله عن التفكير فيما سينجزه من عمل أو عما سيخططه من مشاريع مستقبلية ، فلا كاد ينهض من مشكلة إلا و يستقبل أخرى فيحتار في قرارة نفسه عن هذه المحن المتتالية ، فان كان ممن يراجع نفسه حتما سيتساءل عن سبب تلك العثرات ، و إن كان ممن لا يبالي و لا يهتم تجده يعيش الحياة بنوع من السخرية مما آل إليه من امتحان و تجريب له.
لكن هناك من البشر من يصطفيه الله لأمر ما فيشتد الابتلاء عليه و يتنوع بين أذى الناس و تكالب الأهوال من القريب و البعيد ، و قد ينزل عليه المرض فيشتد به الألم و لا يقدر حتى على الأنين تعبيرا  عما يوجعه ، هو صنف اختار طريق الله ليحمل أمانة الدعوة إليه بنقل رسالة لمن يتعاملون معهم من أنهم جنس مسالم و متسامح و لا يلهيه متاع دنيا في أن يحيد عن طريق الله ، فتجده يتحمل مشقة الابتلاء بصبر كبير لدرجة المصابرة فيحتسب للواحد الأحد و لا يتذمر إلا ما كان منه للتنفيس عن الضغوطات التي يتعرض لها ، و ما يبعث فيه على الاستمرار هو تأييد الله له و حفظه له و إمداده بقوة التشجع حتى لا يضعف و لا ينكسر نهائيا ، و ليست بالمهمة السهلة على من فضلوا هذا الطريق لأنه الطريق المؤدي إلى الجنة و أكيد سيكون محفوفا بالمكاره ، على العكس من طريق النار الذي يزين بالشهوات.
ففي لحظات الابتلاء يكون المبتلى أشبه بالمصاب بالحمى فيتأثر الجسد و تتداعى كل الأعضاء مؤازرة لما حل بصاحبه من تغير مفاجئ ، فيركن للسكون إن ما كان الابتلاء نازلة مرض أو ينطلق في المواجهة إن ما كان الابتلاء ظلما من أحد و هنا الأمر يختلف عن الأول ، لأن الموقف الأول مفهوم أمره انه قدر من الله نزل على عبده ليطهره من الذنوب و ليقربه إليه درجات و ليرفع من مقامه  و دائما ما يسبق اليسر عسر عسير حتى يشتد الكرب و يحسب أن الأمر دائم على هذا الحال إلى أن يكتب الله زوال الهم و حلول الفرح بالشفاء و التسهيل على المبتلى فيما لاقاه من كرب.
أما أن يتلقى المظلوم تجاوزات من أحد أو من مجموعة أفراد آو تصدر بشأنه قرارات عقابية من رئيسه في العمل فهنا ينبعث بداية في نفس المبتلى إحساس بالتهميش و الغلبة على الأمر ، فينطلق في التفكير في كيفية الدفاع عن النفس ، هل بالصمت يتجاوز المظلمة أم بالرد عليها بما يكف عنه أذى الناس ، و من المواقف ما يستدعي الرد خاصة إن ما كان في التجاوز تهديد للمظلوم في منصب عمله كأن يؤول به الأمر إلى الطرد أو تلفيق تهم باطلة عليه ، و هنا وجب الدفاع عن النفس بما تمليه القوانين الإدارية الحامية و  المنصفه للموظف البسيط ، و لو أن بعض القوانين تحتوي على ثغرات و فجوات من إسقاط الأمر المهم في كيفية التصدي لهذه الخروقات فتضيع الحقوق و يصبح المظلوم متهما إلا من كان على نباهة و حكمة من الأمر فانه يسعى بكل مجهوده لأن يخلص نفسه من هذه التجاوزات في أن يستعد دائما لأي عارض من العوارض فيؤدي عمله بإتقان و لا يمنح فرصة للغير للإطاحة به في مشابك الشبهة أو الخداع ، و من جرته أيادي الظلم لأن يسقط في أفخاخ الغدر وجب التخطي لها بكل صرامة و عدم السماح لمثل هؤلاء الظالمين أن يحققوا مآربهم مع أناس نزيهين  و منصفين وواعين لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم .
أما ظلم الأصدقاء و المعارف و الأقارب فهو أشد تأثيرا ووقعا على نفسية المظلوم فيغدو لأن يصاب بإحباط شديد و صدمة تفقده لذة الحياة و لا يسترجعها إلا  بالعودة إلى الله باستيعاب  الطاقة الإيمانية المفقودة بسبب تلكم المحن فيجددها بالصلاة و الذكر و الاستغفار و بالصلاة و السلام على خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ، و هنا السؤال يطرح نفسه :
على رأس  من أوقعت فأس الخديعة يا صديق؟ و لمن ألحقت الضرر و أبكيت العيون ؟ انه صديق الأمس و اليوم و من المفروض أبدا و رفيق الدرب الذي وعدك بان يقف إلى جانبك في السراء و الضراء و يسعى لأن يراك سعيدا بالقرب من رفقته و أخوته التي لن تعرف قيمتها إلا و أنت تفقد هذا الحبيب و الأخ ، فعلى ما ستعاتب بعد قطيعتك له و لمن ستبكي وحدتك و هو بعيد عنك؟.
إن كان لصديقك المغدور فهو لن يسمعك لأنه مغتال بيديك الوسختين ، فلمن ستنوح ؟.
فحينما ينسب العيب لأهله و يعرف مصدر الأذى يكون لزاما ابتعاد المكسور الجناح لفترة لا يعلمها إلا الله ليستعيد منوال الطيران لجناحه المتألم فيصدر صاحب الجرح قدرا معينا من كفاية القرار في أن لا يسمح لنفسه أن يلدغ من الجحر مرتين و أن يفكر مجددا في أن لا يحكي سره لمن لا مستودع أمان له و لا يسقط دمعة ألم أمام  من مسحها اليوم بيد و غدر بعدها باليد الأخرى ، ما أقساه من مصير و الجراح تتكبد بعدها متراجعة عن تذكر لقطة وجيزة من صفعة الانتقام و لا حياد بعد اليوم عن قرار النسيان لمن سولت له نفسه أن يغدر بك و يسمعك ما لا تطيق فتنطلق في الصراخ عاليا أنك بريء لكنه لا يسمعك أو بالأحرى يسمعك و لا يرغب في تفهمك لأنه لو تفهمك أعطاك فرصة للنجاة ، وما أقساه من قلب حينما يغلق عليك منافذ الهواء لكي لا تتنفس عبير الأمل من جديد .
كف عنك تذكر الماضي و ها أنت اليوم انطلقت في مشوار جديد بعد أن انكسرت و جبرت كسرك بالاستعانة بالله و بتفهم الدروس التي تلقيتها ممن وثقت فيهم كثيرا ، فامض في دربك لا تبالي و اسكن بالقرب من مقرات الأمان يضعها الله لك معالما في طريقك و لا تنس حسن التوكل عليه و الأخذ بالأسباب من الحيطة و الحذر فلرب ضارة نافعة و لرب من لم تعلمه دروس الجامعة و الوالدين أن تعلمه الحياة دروسا تبقى وصمة ذكرى على جبين المبتلى..و يبقى السؤال يطرح نفسه إلى الآخر:
على ما سيكون الندم حينما ينسب العيب لأهله؟.

 

أضافة تعليق