مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/08/12 00:35
أدبيات التحضر
أدبيات التحضر
 
ان مشهدي التحضر و التطور يحدوهما غموض لدى غالبية الناس، فالنخبة المثقفة حلمت فكريا أن تصنع التغيير و تضع راحلة التحضر على سكة قطار السعي نحو غد أفضل ،لكنها أهملت أساسيات هي ضرورية أكثر من أي حتمية أخرى و هي ثقافة الحوار عند الخلاف و أدب الكلام و مخاطبة الأخر بحس عقله و فكره و طبيعة شخصيته ،  بالكاد أجزم أن تخلفا ساد علاقاتنا مقارنة بالماضي القريب جدا ،فلست أستبعده لأن تسارع وتيرة الزمن غيرت الكثير من المشاهد الحياتية و أعطت ألوانا ليست تبدو معروفة لبعض القرارات التي يتخذها أصحاب القرار و إن كان يهم أن يكونوا على درجة كبيرة من التحضر في ذواتهم لأنهم يحملون مسؤولية ثقيلة و هي تقرير مصير شخص أو  توجيه وجه حدث و بالتالي ليس يكفي مللأ الصحف بالكلام و الخطابات الرنانة ما لم تعي فئة النخبة و كل من يهمه أمر التغيير أنه لا بد من تحقيق الأساسيات التي ذكرتها آنفا.
فحتى الخطاب الديني اليوم لابد أن يقوم بالدور المهم هو الأخر لما  له من تأثير في عقول المستمعين و المتابعين و لما له من قوة تأثير في استيعاب الحكمة و المغزى من النصح و التوجيه ، كما أضحى اليوم ضروريا جدا مراقبة صيغة الكلام و الحديث ، الكلام على عموم المحتوى لا بد أن يكون مؤدبا و راقيا و ليس ضروري أن يصل إلى مستوى عال من الصياغة الأدبية بل يكفي أن يكون في قالب فني ملتزم و موزون ليستوعبه العقل المسلم بما يوافق عقيدته و قيمه الأخلاقية ، أما الحديث ففيه فواصل كثيرة و نقاط توقف على كل من يأخذ الكلمة ليخاطب فردا أو مجتمعا أو أمة في أن يترقى بما يتلفظه من عبارات  و أن  يحسن انتقاء الكلمات الهادفة و المبلغة للمغزى.
احتار كإنسانة تسعى بقيمها لأن تجد حضنا يتسع لأفكاري  و يفهم عني خصوماتي و غضبي ، لست أرضى أن يقال لي افعلي كذا أو كذا و اقبلي كذا أو كذا و في تلك الأوامر ما يثير حيرتي خاصة إن ما كان من يتعامل معي يخالفني في الرأي فهذا ليس معناه أن يكون ضدي او ينوي لي شرا و خسارة ، فالتحضر يبدأ هنا في فواصل الخلاف ، لأن قطع أواصر المحبة هو تهديد خطير لقيمة الترابط التي حثنا عليها ديننا الحنيف ،و إن لم نفهم منذ البداية ثقافة إدارة النزاع في أي مكان و على أي مستوى فكيف لنا أن نصنع التغيير و فكرة تقبل الأخر كما هو مرفوضة ؟ ، و عليه أضع سطرا على قضايا الخلاف التي تفتح المجال لمزيد من الأحقاد و القطيعة المزمنة و بالتالي نكون أمام آفة أو مرض استبداد سلوكي يصنعه أو يثيره اضطراب في الفكر و تدهور في صيغة الانفتاح على الطرف الآخر ، و عليه تكون المنافسة في الفساد تشبيها  بين ما تحدثه السياسة من آثار على المجتمعات بشعوبها من تغيير لتوجهات إرادة الأشخاص نحو الخضوع لسلطة تحرفها و تقيد طلاقة لسانها فتصبح بكماء و صماء لكي لا تتعرض للخطر أو للألم ،و بين  نزاعات الأفراد فيما بينهم التي هي  أشد ضررا من توابع السياسة الحارقة بنارها و التي يتمنى الجميع أن لا يقع ضحية لمتاهاتها .
فعلى كل من يحلم و يأمل بحقيقة التغيير في نسق الحياة و مظاهرها ان يشخص دائه  في ذاته كفرد لم يراعي علم التحضر لينهل من أدبياته  حينما يصبح خسارة في صناعة فرد متطور و متحضر..
في قرآننا لا يوجد يأس و في  عقيدتنا لا يوجد تضليل فلماذا نضلل أنفسنا بأنفسنا و نرضى بالتخلف مظهرا يأخذ مكان التحضر؟ و هل سنبقى ناقصين  أمام جدار التحضر؟..
إن مساعي التحضر لن تكلل بالنجاح ما لم نقف وقفة معاتب ووقفة صريحة أمام الله أولا و أمام ذاتنا المدفونة في غياهب التناقض ، هذا التناقض يجب أن نلغيه باليقين و الإيمان بالله تعالى و من ثم نزينه بالعمل الجاد و الإخلاص حتى تكلل أعمالنا بالنجاح و تصل بنا مساعينا نحو الهدف المنشود ، أما أن نبقى كالقبيلة التي تمجد هذا و ترفض ذاك لمصالح فهذا عودة إلى عصر الجاهلية أين تسابق الناس للظفر بمراتب السلطة و الجاه و المال و استبداد الضعيف و أكل مال اليتيم 
سؤالي الصريح :لماذا يهمنا الاسم و المسمى و ليس يهمنا تحقيق العقيدة في سلوكاتنا؟ ثم هل سيشفع لنا هذا المسمى يوم القيامة لنتمسك بأوامره و نواهيه و هي على خطأ ؟ لماذا يحب بعض الإمعة أن يكونوا قوم تبع ؟ و لا  يكونون أقوام حضارة قوية بأسسها و برامجها و طموحاتها؟..يجب أن يتسع العقل للأخطاء و الإخفاقات و للعثرات و يتأقلم مع كل إرسالية تنذر بأي خطر حتى ننجح في التغيير نحو الأفضل ، فلا نسب الأخطاء و لا الضعف فينا فلولاهما لما عرفنا ما يجب فعله لتجديد مسيرة المواجهة...
لست متشائمة إن قلت أننا لا زلنا بعيدين عن  التحضر لأننا نتعمد أن لا نتغير و نرضى بما نحن فيه من رداءة في كل شيء حتى تعودنا على حياة اللاشيء فأصبحنا و كأننا لسنا أحياء على الأرض..و الفكر و الأمل يصنعان شيئا من الضجيج...لأن القاعدة المألوفة تقول انه إذا أردت أن تحصل على شيء ما فأحدث ضجيجا..أتمناه ضجيج مبني على العدل لينال مراده لا أن يكون مبنيا على الخسارة فيضيع حقه.
 
 

أضافة تعليق