مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/14 10:18
من انوار التزاور في الله بقلم الأستاذ حشاني زغيدي
إن  للتزاور في الله أثره الطيب و بركته  تحل على  النفس فتلقي بعبيرها  الفواح بنزول الأحبة في الله و لقاء الإخوة في الله  لأنه طالما يشتاق الأخ  لرؤية أحبابه في الله  فكم يشعر أحدنا حين الزيارة  بفرحة اللقاء و ارتباط الأرواح  فيكون اللقاء محطة للتزود   لأن  لقاء الإخوان زاد و أجمل ما يحضرني في هذا وصف رائع  من الشعر إذا كان لهذا الصنف من الإخوان  حظ في الزيارة   و كانوا  من هذا الطراز 
 
 فإذا ظفرتَ بذي الوفـــــاء فحُط رحلكَ في رِحابهْ
فأخوك مَن إن غـاب عنــك رعى ودادك في غيابهْ
وإذا أصابك ما يســـوءُ رأى مصـابكَ من مصابهْ
ونراه  يَيْجَعُ إن شكـــوتَ كـأن ما بك بعض ما بــهْ
          و من اللطائف المقام نقل هذه   الكلمات الرقيقة في لقاء الإخوان و قد قيل  :
تتوق النفس للقياكم..
وتجلو العين برؤياكم..
يبيت القلب مكسورا..
ونجبره بذكراكم..
سألت الله يحفظكم ...
وفي الجنات نلقاكم ..      
             و من اشراقات هذا اللقاء  روح تتجدد و طاقة تتولد   فتحصل  فيها أنوار إيمانية تدخل على نفس الزائر و المزار فلا يكون في هذا الكيان النوراني حقد أو غل أو شحناء بل تغمر النفس لطف و مودة و تعارف و تعاون فيه سبحانه و تعالى فتكون مودة في الله و تعارف في الله و كأن  النفس تردد في سكينة  هذه الأبيات من الشعر لأن النفس يعتريها الضعف فيتجدد الإيمان باللقاء  .
الود يبقى وحب الله يجمعنا
على الاخاء وطيب القول قد عبقا
والقلب يخفق إن هبت نسائمكم
فصادق الود يجلو الهم و الأرقا
والله يجزي أضعافا مضاعفة
لمن لصاحبه مستبقا ...
          و من البر زيارة الإخوان و إن  البر ليس بالكثرة  .  فالسؤال عنهم و تفقد أحوالهم  و المشي لقضاء حوائجهم. و حتى يكون للتزاور نفع أن يكون في اللقاء تعارف لأن أساس الدعوة الحب و التعارف  فالسؤال عن  اسمه و اسم أبيه و قبيلته و عشيرته ؛ فإنّه من حقّ الواجب و صدق الإخاء أن يسأله عن ذلك ، و إلاّ فهي معرفة ناقصة و تحضرني قصة رائعة لأستاذ تربية الروح الأستاذ عباس السيسي رحمه و سأنقلها  كما وردت كاملة للطيف الفائدة التي تحملها يحكى الحاج عباس رحمه الله .
        فيقول :  "دعيت لزيارة مجموعة من الشباب ، واستغرق السفر إليهم ثلاث ساعات ، وحين وصلت إليهم ، وجدتهم قد استقبلوني وهم جلوس! ووجوههم جامدة ، ومشاعرهم خامدة ، وعيونهم ميتة، قدمني إليهم كبيرهم ، فتحدثت إليهم بلا قلب ،  ولا روح ، حتى إذا انتهيت من حديثي ، شكرني ، وخرجت كأنني كنت أعزي في ميت !! وعدت من حيث أتيت حزينًا لما شاهدت ورأيت !.
ومضت الأيام والأسابيع ، وجاءني الأخ نفسه الذي دعاني أول مرة، جاء يدعوني لأكرر الزيارة مرة أخرى.
فقلت له : إلى أين؟
قال : إلى الإخوة.
قلت له: أهؤلاء إخوة؟
قال : نعم.
قلت : مستحيل أن يكون هؤلاء عندهم تذوق لمعنى الأخوة ، كيف يكونون إخوة .. وقد جاءهم ضيف قطع إليهم مسافرًا أكثر من ثلاث ساعات ، جاء إليهم بأشواق متلهفة ، وعواطف مشتعلة ، ونفس منشرحة ؟ فيتلقونه بمشاعر جامدة ، وهم جلوس كأنهم تلاميذ في مدرسة ، لا تربطني بهم سوى علاقة المدرس في الفصل ، فإذا أنهى الدرس خرج لا يلوي على شيء، لا عواطف ولا مشاعر ولا دعوة تجمع بينهم!!
لقد تركتكم كاسف البال ، أتحسر على جمود العواطف ، وفقدان يقظة القلوب ، وحياة المشاعر التي هي سر وجودنا وحيويتنا وانتعاشنا.
أصاب أخي الخجل والحيرة ، ثم بادرني يقول :.. إذا كان الإخوة قد فاتهم هذا المعنى في أول مرة ، فسوف أقوم بالتنبيه عليهم ، حتى يتداركوه المرة القادمة.
فنظرت إليه وقلت : يا سيدي إن هذه المواهب الروحية، واللمسات العاطفية، والأريحية، واللطائف النفسية، والذوق، لا تنهض بها توجيهات أو أوامر ، وإنما تنهض بها: موحيات قلوب معطرة بالحب، مشتاقة تواقة إلى توأمها في العقيدة التي تتأجج بها القلوب.
واعتذرت لأخي عن الزيارة ، رغم أني مشتاق إليهم ، ومشفق عليهم   ".انتهى كلام الأستاذ تغمده برحمته الواسعة في الجنان .
 
        إن أحدنا   لا يجد  له  من سعادة إلا  في  مثل هده المحطات الإيمانية و  في حضن هذه  القلوب ، وفي  نعيم المشاعر التي نحس فيها ببرد العواطف المتدفقة في غمرة التزاور في الله  .
 
أضافة تعليق