مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2021/02/02 19:46
كلكم لآدم.. وآدم من تراب!
خلق الله تعالى الإنسان من مادة التراب، ولم يستثنِ أحدًا منهم بعنصر آخر أو إضافة أخرى، وبث في الإنسان الحياة بنفخة الروح فيه، ولم يخصص أحدًا من بني الإنسان بنفخة أخرى أو إضافية، اللهم إلا ما كان من عيسى ابن مريم عليه السلام.
وأطلق على الجميع اسم الإنسان، وأسجد الملائكة تشريفًا لأبيهم الأول، وخلق من ضلع آدم زوجه "حواء" وجعل منهما تناسل جنس الإنسان كله.
فالمخلوق الثاني "حواء" هو بضعة من آدم، والمخلوق الثالث من بني آدم وما تلاه إنما هم سلسلة من آدم، كذا إلى آخر مخلوق من بني الإنسان.
هذه بدهية يعرفها الجميع ولا يكابر فيها أحد إطلاقًا، لكنهم بعد ذلك يختلفون في فهمها وفهم دلالتها.
وقد مالت البشرية عن هذه الحقيقة الواضحة والمجمع عليها بينهم، لتُفضِّل نوعًا من "التربة" على آخر، رغم أن مصدرهما واحد، وهذا شيء عجيب!
ولعل مصدر هذه الخطيئة -تفضيل بعض التراب على بعض- هو إبليس نفسه، فإنها كانت خطته الأولى وخطيئته، حين زعم أنه أفضل من آدم بعنصره، فقذف هذه الفكرة إلى بني آدم، ابتداءً من هابيل وقابيل، ثم ما تلتهم من أجيال.
وعلى كل حال فقد كان إبليس أذكى ممن يفضِّل بعض الطين على بعض، فإنه لم يدّعِ التفضيل بين جنس واحد (تراب وتراب) بل بين جنسين مختلفين (النار والتراب)، وهو أمر يمكن أن يُناقش ويُعمل فيه الفكر والنظر!
وقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد آلاف السنين من تشبع البشر بهذه الفكرة الخاطئة الخطيئة، فأعلن مناهضتها بالقول والعمل، وبنى شريعته بأمر الله تعالى على مناهضة هذه الفكرة واعتبارها لاغية، وأنكر أشد النكير على الزاعمين وهْمَ التفضيل بناءً على هذا الأساس الباطل، وأسقط كل تفضيل يبنى على هذه الفكرة الإبليسية.
فأعلن مرارًا وتكرارًا بالحال والمقال: «إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية، وفخرها بالآباء، مؤمنٌ تقي، وفاجرٌ شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجِعلان التي تدفع بأنفها النتن» [رواه أبو داود برقم (5116) وغيره].
أذهب عنكم عُبية الجاهلية: أي أثقالها وكبرها وتفاخرها.
أهون من الجِعلان: الجعلان، دابَّة صغيرة سوداء تجمع الخراء وتدَّخره، وتستمتع بدس أنفها فيه وتحريكه [ انظر في شرح الحديث والمقصود منه، عون المعبود شرح سنن أبي داود (14/22)].
وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة، فقال: «يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ﴾».[الحُجُرات:13] [رواه الترمذي (3270)، وغيره].


أضافة تعليق