مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2023/06/14 17:51
العمل التطوعي من منظور إسلامي الأدلة من السنة النبوية
“العمل التطوعي من منظور إسلامي”مصطفى بوهبوه
د.
وردت أحاديث كثيرة في السنة النبوية تدل على مشروعية العمل التطوعي منها ما يلي:

قال الرسول عليه الصلاة والسلام: “ترى المؤمنين: في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضواً، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى”. بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين في تماسكهم وتراحمهم، كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فالتكافل والتلاحم، والتعاطف بين أفراد المجتمع أمر مطلوب، حتى يعيشَ الفرد في كفالة الجماعة، وتعيشَ الجماعة بمؤازرة الفرد؛ تحقيقا لمجتمع تسود فيه المحبة والأخوة.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”ثمّ شبّك بين أصابعه. حيث أكد النبي صلى الله عليه وسلم على قوة الترابط بين المؤمنين فشبههم بالبناء المتماسك. والتشبيك بين الأصابع هو بيان لوجه التشبيه أيضا، أي يشدّ بعضهم بعضاً مثل هذا الشدّ، قاله ابن حجر. ومعلوم أن العمل التطوعي بين الأفراد يسهم في تقوية هذا البناء.

وقال أيضا الرسول صلى الله عليه وسلم :”مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء، مروا على من فوقهم، قالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”.يحثّ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث على التعاون فيما بين الجميع، لبناء مجتمع يقوم على الأخوة والتكافل. فإذ أُهل الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجة دون الإحسان إليهم ومد يد العون لمساعدتهم؛ فإن المجتمع قد ينهار بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وهذا ما نهى عنه الحديث.

ومن الأحاديث النبوية الدالة على فضل مشروعية العمل التطوعي، ما يلي:

قوله عليه السلام: “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”.

وقال أيضا: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله”.

و قال: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا” وأشار بالسبابة والوسطى، وفرّق بينهما شيئا”.

وقال عليه السلام:” على كل مسلم صدقة، فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده لينفع النّاس؛ ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فإن لم يجد، قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فإنه له صدقة”.

قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له”.

وقال عليه السلام: “إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني! قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني! قال: يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي؟”.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نفّس عن مومن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة”.

بإمعان النظر في الأحاديث السابقة كلها نخلص إلى القول إن العمل التطوعي حظي بمكانة خاصة في السنة النبوية وهذا إنْ دل على شيء فإنما يدل على أهميته.

أمثلة عملية للأعمال التطوعية من السنة النبوية
أ ــ تطوع النبي صلى الله عليه وسلم برفع النزاع بين أهل مكة في وضع الحجر الأسود
عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: ” لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ اخْتَصَمُوا فِيهِ، فَقَالُوا: يَحْكُمُ بَيْنَنَا أَوَّلُ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي مِرْطٍ، ثُمَّ تَرْفَعَهُ جَمِيعُ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا “.

ب ــ تطوعه في بناء المسجد النبوي:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: “يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا”، قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ، فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ”.

ج ــ تطوعه عليه السلام بمواساة الأرامل:
ــ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: “إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي”.

قال الإمام النووي: “قَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عِنْدَ ذِكْرِ أُمِّ حَرَامٍ أُخْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنَ الرَّضَاعِ وَإِمَّا مِنَ النَّسَبِ فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهِمَا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أَزْوَاجِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الْمَحْرَمِ عَلَى مَحْرَمِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْعِ دُخُولِ الرَّجُلِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَرَادَ امْتِنَاعَ الْأَمَةِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَمُلَاطَفَةِ الضُّعَفَاءِ”.

صفة العمل التطوعي (حكمه التكليفي).
الأصل في العمل التطوعي الندب والاستحباب، ولكن قد يعرض لهذا العمل ما يجعله واجبا، وما قد يجعله محرما أو مكروها.

فأحكام العمل التطوعي في الإسلام أربعة:

أما الوجوب: فمثل التطوع لإغاثة المضطرّ بإنقاذه من كل ما يعرِّضه للهلاك من غرق أو حرق، فإن كان قادرا على ذلك دون غيره وجبت الإعانة عليه وجوبا عينيا، وإن كان ثمَّ غيره كان ذلك واجبا كفائيّا على القادرين، فإن قام به أحد سقط عن الباقين وإلا أثموا جميعا.

أما الندب: فيكون العمل التطوعي مندوبا إذا كان في عمل خيري غير ملزم، وهذا إذا لم يخش المتطوع على نفسه ضررا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”.

أما الكراهة: وهي مرتبة بين المباح والحرام، نمثل لها بالتطوع بالإعانة على فعل مكروه؛ كالتطوع على الإسراف في الماء، أو إعطاء السفيه المال الكثير.

أما الحرام: نمثل له بالتطوع لنصرة المظلوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ومَثَل الذي يعِين قومَه على غير الحق كمثل بعير رُدِّيَ في بئر، فهو ينزِع منها بذَنَبه”.
أضافة تعليق