مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إلى متى هذا الحصار ؟!

إلى متى هذا الحصار؟!
الاثنين 10 ذو الحجة 1429 الموافق 08 ديسمبر 2008
د. علي بن عمر با دحدح
قضية فلسطين كانت ولا تزال وستظل قضية المسلمين الأولى، لا لكونها قضية وطن مُغْتصب، أو شعب مُضْطهد، بل لأنها مع ذلك بل قَبْله قضية إسلام وإيمان؛ فهي تُمثّل بؤرة الصراع العقدي، وميدان المواجهة الحضارية بين الإسلام وأعدائه في أوضح وأقسى صورها؛ فالمسجد الأقصى أول مسجد بُني بعد البيت الحرام، وكان قبلة المسلمين الأولى، وأُسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إليه، ومنه عرج به إلى السماء، وخُصَّ مع الحرمين الشريفين بشد الرحال ومضاعفة أجور العبادة.
واليوم تتبدى خيوط المؤامرة الكبرى على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني التي لم تعد تخفى على كل ذي عينين.
وتتلخص حلقات الجريمة الكبرى فيما يلي:
1- أمريكا وأوروبا أزعجت العالم كله والعالم الثالث على وجه الخصوص بالمطالبة بالديموقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولما فاز أوباما ازداد ضجيجهم، وعلا صخبهم بالديموقراطية، لكن هذه الديمقراطية التي بها يتشدقون محرمة على الشعوب المسلمة وعلى الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص، ولذلك لما مضى الفلسطينيون على طريق الديموقراطية عاقبهم العالم كله بالمقاطعة والحصار والتجويع والقتل البطيء، ولعل الحال يذكر بقوله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ).
2- تنادي الهيئات الدولية والحكومات الغربية بحقوق الإنسان في دارفور -كما يزعمون- ثم يدفنون حقوق الشعب الفلسطيني، ويدوسونها بدبابات العدو الصهيوني وآلته العسكرية، وها هو ذا العالم كله يرى كل حقوق الإنسان تُهدر؛ فيموت المرضى، ويعاني الأطفال، ويتألم الشيوخ، ويُعذب الرجال والنساء، بل تموت الطيور والحيوانات، وكأن القوم عمي لا يبصرون، وصم لا يسمعون، وبكم لا ينطقون.!!
3- أما العدالة والمساواة التي يتشدق بها ساسة العالم المعاصر فهي كذبة كبرى، فها هو ذا الكيان الصهيوني يرتكب كل يوم جرائم يندى لها جبين الإنسانية، ويستنكرها كل من كان في قلبه مقدار ذرة من رحمة أو إنسانية، فأين العدالة ومنظماتها الدولية من هذا الهلوكوست الذي يرتكبه الكيان الصهيوني في حق أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني مسلم في غزة؟!
إن الأمة الإسلامية تتطلع إلى حكامها وعلمائها وأهل الرأي فيها..!!
يا حكام المسلمين
إن كارثة حصار غزة، وما ينتج عنها أعظم وأكثر أهمية من أن تُربط بأوضاع الخلافات والمزايدات السياسية، وهي تمثل مفصلاً حرجاً واختباراً حقيقياً لإرادة الأمة وكرامتها، بل لقدرتها ووجودها ووحدتها.
إنني أناديكم باسم الإسلام الذي تنتمون إليه أن تقوموا – على كل المستويات وبجميع الوسائل – بما يلزم لكسر الحصار ووقف كل أشكال التجويع والتركيع لشعب غزة، ومواجهة الخطط الصهيونية تجاه القدس والمسجد الأقصى، وذلك هو المأمول منكم وليس أقل من ذلك.
إن المسؤولية الملقاة على عواتقكم ضخمة أمام شعوبكم وأمتكم، وقبل ذلك بين يدي الله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ). [النحل:111].
فماذا أنتم قائلون لربكم عندما يسألكم عن إخوانكم في غزة؟
يا علماء المسلمين في هيئات الإفتاء في الدول الإسلامية المختلفة، وفي المجامع العلمية الفقهية، وفي الأزهر الشريف، وفي الاتحاد العالمي لعلماء الإسلام ودعاته:
إن الأمة تتطلع دائماً لعلمائها، وتنتظر مواقفهم وتصدر عن آرائهم، وإن الأمانة في أعناق الجميع عظيمة، وهي في أعناق العلماء أعظم، ومن هنا أقترح عليكم ما يلي:
1- إرسال برقيات عاجلة لكل من:
‌أ- منظمة المؤتمر الإسلامي.
‌ب- جامعة الدول العربية.
هـ- جميع رؤساء الدول العربية والإسلامية، لا سيما الدول المجاورة لفلسطين، ومطالبتهم كل بحسبه بأن يقوموا بواجبهم في كسر الحصار، وخروج الحجاج، والتصدي لتهويد القدس، وحفريات المسجد الأقصى.
2- تشكيل وفد من العلماء والوجهاء من العالم الإسلامي للتوجه إلى غزة عبر معبر رفح (براً) أو عبر ميناء غزة (بحراً) لكسر الحصار، ولفت أنظار العالم للمعاناة الفلسطينية والجرائم الصهيونية، ولا ينبغي أن يقوم الأوروبيون غير المسلمين من شتى البلاد بمثل هذا وأمة المليار ونصف المليار تقف عاجزة تتفرج دون أي حراك..!!
3- تشكيل وفد من كبار العلماء والتحرك العاجل لزيارة قيادة المملكة ومصر من أجل العمل المباشر تجاه الوضع الراهن.

وهذا أقل الواجب المأمول من علمائنا، وهم جميعاً أعلم مني، وأكثر حماسة، وأشد غيرة، وفيهم ومنهم يؤمل الخير الكثير.
يا شعوب المسلمين:
أنتم وقود المواجهة مع أعداء الإنسانية وخصوم الإسلام والمسلمين في كل أرض وتحت كل سماء، لتكن لكم كلمتكم المسموعة، فإن إخوانكم في غزة يعلقون عليكم – بعد الله - آمالاً عظيمة وكبيرة، فكونوا إخواناً لهم، ولا تخذلوهم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ’’الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ’’. [رواه البخاري ومسلم]. ويقول صلى الله عليه وسلم: ’’مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى’’. [صحيح مسلم].
قوموا بنصرة إخوانكم بما تقدرون عليه من مال أو رأي أو مشورة أو جهد إعلامي وعلمي، وقدموا كل ما يمكن من نشاطات سلمية بأساليب حضارية، ولا تغفلوا عن الدعاء؛ فالله تعالى يستجيب للمسلم دعاءه لأخيه المسلم في ظهر الغيب.
و والله إن كل واحد منا مسؤول بحسب مكانه ومكانته عن كل نفس تُزهق في غزة ماذا قدم لها، وماذا فعل من أجل رفع الحصار عنها، وماذا فعل من أجل نصرة إخوانه المسلمين في غزة.
فلنعد للسؤال جواباً!!
وأنتم يا أهل غزة:
أنتم الأحرار رغم الحصار.
أنتم الأبطال رغم التضحيات.
أنتم الأعزاء رغم كل شيء.
أنتم بصمودكم سطرتم ملحمة من أروع ملاحم البطولة التي عرفها التاريخ.
اصبروا وصابروا والله تعالى يقول: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً). [آل عمران:120]
لله دركم، ولله صبركم وجهادكم، ولله تضحياتكم.
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يكشف عنكم الغمة، ويفرج الكربة، وأن يزيدكم إيماناً وثباتاً ويقيناً.
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). [آل عمران: 139].
(وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً). (النساء: 104).
(فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ). [محمد: 35].
فهنيئاً لكم معية ربكم، والنصر بإذن الله لكم، والخزي والعار لمن تآمر عليكم أو خذلكم، ونقول لهم:
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ). [التوبة :52].
*عن موقع نوافذ
أضافة تعليق